كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (ذبيح الجهات)... مجموعة شعرية

* نَجِم..
صديقي..
الذي أحبُّهُ
والذي لا أنامُ
قبلَ أن أطمئنَّ عليهِ
أودعَ خنجرَهُ بقلبي
وذهبَ برحلةِ استجمامٍ
وقالَ لذكرياتِنا:
- حاذري أن تتبعيني
كما أوصى طَيفي
بعدمِ الاقترابِ منهُ
وحذَّرَ
الخبزَ الذي تقاسمناهُ
أن لا يتسبّبَ لهُ بالغصَّةِ
ولكي لا يبقي أثراً
لي بداخلِهِ
أحرقَ
الكتبَ التي قرأناها رفقةً
ومزَّقَ الضّحكاتِ
التي تركناها على الأريكةِ
أمّا قصائدي
فقد شطبَ اسمي منها
وحشرَ اسمَهُ عليها
وأعلنَ
من فوقِ المنابرِ
أنَّهُ شاعرٌ
ونالَ الجّوائزَ والأوسمةَ!*
إسطنبول
* أنا لا أغيب..
شَتَائِمُكَ دَائِماً تَصِلُ إليَّ
سَاخِنَةً
تَنبَعِثُ مِنهَا الغيرَةُ
وَرَائِحَةُ الكَرَاهِيّةِ السَّودَاءِ
تُؤلِمني صَدَاقتُكَ المَزعُومَةُ
فَأَنتَ أمَامِي
تَنحَنِي لِحَدِّ مَا أُشفِقُ عَلَيكَ
كَرَامَتُكَ تُلامسُ التُّرابَ
تَكادُ تُقبّلُ أطرَافيَ السُّفليَّةَ
لَكنّكَ عَجِزتَ عَن مُنَافَسَتِي
فَشلتَ أن تَكُونَ أمَامِي نِدَّاً
وهذا ما يَجعَلُكَ تَثورُ عليَّ
في غِيابِي
فَتَصرخُ وتَشتمُ وتُجنُّ
وتَبكِي
وَلَكِنَّني أنا لا أغِيبُ
اسمي فَوقَ رَأسِكَ
سَيبقى حَاضِرَاً مُنتَصِبَاً
مَكَانَتِي تُهَيمنُ على فَضَائِكَ
فاحذَرِ النٌَسماتِ الّتي تَسخَرُ مِنكَ
والجّدرَانَ الٌتي سَتُطبقُ عَلَيكَ
اِحتِجَاجَاً على خِيانَتِكَ
أنتَ إن أرَدتَ كِتابةَ قَصِيدَةٍ
تَتَجرَّأُ وَتَقطفُ مِن لُغَتِي فَاكِهةَ الكَلام
تَسرِقُ نَبضِي لِتَشحَذَ نَبضَكَ
تَسطُو على عيوني
لِتبصرَ عَماءَكَ
كانَ عَلَيكَ أن تَعتَرِفَ
لِأُعَلِّمَكَ مَعنَى حُروفِ الأبجَدِيّةِ
القَضيَّةُ لَيسَت بِالنُقُودِ
يا ثَرِيَّاً
وَنَحنُ نَعرفُ كَيفَ أَنتَ أغتَنَيتَ
هِي لَيسَت
باكتِنَازِ الدّهُونِ والشَّحمِ
وَمُصَارَعَةِ الدّيُوكِ
لِتَبطشَ بِتغرِيدَاتِ قلبي
الشِّعرُ
أَوسَعُ مِن شَهَادَاتِكَ المُزوَّرَةِ
وَأَكبَرُ
مِن أَن تَكُونَ لَكَ حظوَةً
عِندَ مَن يَغتَالونَ الشُّعَراءَ
الشِّعرُ يَختَنِقُ
إن تَنَفَّسَ مِن خِلَالِ مَسَامَاتِكَ
لأنّكَ لَستَ بالشّاعرِ يا غَبيّاً
لَستَ بالشّاعرِ
يَا مُتَلبِّدَ الضَّمِيرِ والعَاطِفةِ
فابتَعِد عَن طَرِيقِي.*
إسطنبول
* صَفِيْحُ الغُربَةِ..
الدَّمعةُ تَفترشُ جسدي
ولا تنامُ
تنفُثُ دُخانَ سجائرِها
في فضاءِ أوجاعي
وتحتسي قهوتَها المُرَّةَ
معَ وقتيَ المتجعِّدِ الأنفاسِ
وَتُقَلِّبُ دفاتِرَ نبضي
تَشطُبُ وَمِيضَ قصائدي
وَتُضِيفُ منَ الكلماتِ العاريةِ
ما تَشَاءُ
لا تَترُكُ قلبي يغفو
تُحَدِّثُهُ عمَّا يهربُ منهُ
وتُذَكِّرُهُ بآخرِ قبلةٍ
لَمْ يقطِفْها
من رحيقِ الجنَّةِ
تُقْلِقُ رُوحِي
تُثِيْرُ ضَجَّةً في صَمتي
تُبَعثِرُ سَكِيْنَةَ أمواجي
وَتَسهَرُ
حتَّى بزوغِ الرَّمادِ
ينطفئُ الليلُ
وتنامُ غُرفتي وجُدرانُهَا
يَتَراخى السَّقفُ
وتَغُطُّ الأرضُ في ثَبَتِها
وأنا أتَقَلَّبُ على صفيحِ
الغُربَةِ السَّاخِنِ.*
إسطنبول
* أنا السَّفاحُ الأوَّل..
إِنْ كانَ الحُبُّ جريمةً
فأنا السَّفاحُ الأوَّل
في هذا الكونِ المُتَمَدِّدِ
فَقَدْ وَزَّعتُ اسمَكِ
على كلِّ أصنافِ الوردِ
وعلى سائرِ الفراشاتِ المُلَوَّنَةِ
ومُعظَمِ حَبَّاتِ المطرِ
وعلى كُلِّ ذَرَّةِ تُرابٍ
وجميعِ النَّسائمِ والندى
حتَّى على وميضِ النُّجومِ
وضُحكَةِ الشَّمسِ
وشَقَاوةِ القمرِ
وما من نافذةٍ
إلَّا وَسَرَّبتُ إليها اسمَكِ
وما من بابٍ
إلَّا وَرَسَمتُ عليهِ نارَ حُبِّي
الكُلُّ يعرفُ أنِّي أحُبِّكِ بجنونٍ
حتّى الجدرانُ الصَّماءُ
الكُلُّ يحفظُ أشعاري عنكِ
حتّى السّحبُ البيضاءُ
حُبِّكِ عُنوانُ الأرضِ
ونشيدُ الموجِ العارمِ
في حُبِّكِ لا أخشى من عقابِ أحدٍ
لا أخافُ من قابيلٍ
يمكنُ لِكُلِّ غادرٍ أن يقتلَني
ولكنَّني أحِبِّكِ
ويُمكِنُ لَكِ ألَّا تُبَادِلِيني الحُبَّ
ولكنَّي أحِـبِّكِ
وقَدْ يَفرِشُ الحزنُ ظلالَهُ
على قلبي
ولكنَّني أحِـبِّكِ
حتّى الرَّمقِ الأخيرِ لهذا الكون.*
إسطنبول
* تَأَبُّدُ الخَرَابِ..
هَطَلَ الظَّلامُ من أنفاسِ
الكَذِبِ
إِنسَابَ في أَروِقَةِ الضَّمَائِرِ
تَغَلغَلَ في القُلُوبِ اليَابِسَةِ
صَارَ الفَأرُ طَاووسَاً
يُبَشِّرُ المُخبِرِينَ الصَّالِحِيْنَ
بِنَعِيْمِ الدُّنيا
والعذارى القاصراتِ
وَبِأَملاكٍ جَمَّةٍ
مِنَ المُنَحِ والعَطَايا
تَشْتَرِي زُنُودَ الرِّجَالِ
وَغَنَجَ المَاجِنَاتِ
الكَذِبُ رَبيعُ المُنَافِقِيْنَ
لَهُ المَنَاصِبُ والعُرُوشُ
سَلَّطَ على المَسَاكِيْنَ
بَرقَ الفِتْنَةِ
ورعدَ السِّيَاطِ
وزَنَازِيْنُ أحجارِهَا تَوَرَّمَتْ
بالدَّمِ
كُلُّ مَنْ يَهفُو لِضَوءِ الشَّمسِ
يَطَالُ عُنُقَهُ حُنْقُ السَّيَّافِ
وَغَضَبُ الإعلامِ العَتِيْدِ
مَمْنُوعٌ على أَورِدَةِ الوَردِ
أَنْ تُلامِسَ هُدهُدَ النَّدى
مَمْنُوعٌ على الأرضِ
أَنْ تَتَفَتَّحَ أَغصَانُهَا
بالدُرُوبِ
مَمْنُوعٌ على الشَّفَقِ
أَنْ يَتَّسِعَ لأجنِحَةِ العَصَافِيْرِ
إنَّهُ عَصرُ الحُطَامِ
وَزَمَنُ التَّورِيْثِ الخَصبِ.*
إسطنبول
* إمارة..
أَختَبِئُ في ظِلِّي
وأُخفِي ظِلِّي في الجِدَارِ
وعلى الجِدَارِ أُعَلِّقُ الخرابَ
فوقَ الخرابِ حارِسٌ
يحمي الغبارَ
من بطشِ المطرِ
المطرُ يَتَغَلغَلُ في عُنقِ
العَطَشِ
وقصيدتي مُتَعَطِّشَةٌ لِلتَفَجُّرِ
شَلَّالاتُ انعِتَاقٍ وَتَفَتُّحٍ
في هَمسِ البَرَاعِمِ النَّازِحَةِ
على طُرُقَاتِ الجَفَافِ الأسوَدِ
حَيثُ يَهرُبُ الزَّمانُ
من مكائدِ الدُّنيا اللعوبِ
تَارِكاً خَلفَهُ جُثَّةَ الضُّحى
وأشلاءَ القمرِ المغدورِ
والأرَضُ غارقةٌ
في عُتمَةِ الزَّنازينِ
كُلُّ أنواعِ القتلِ مُبَاحَةٌ
في شَرِيْعَةِ العَدَمِ السَّوداءِ
أَنْ تُذبَحَ النَّسمَةُ من ثَديَيهَا
أَنْ يُجَرَّ عُنقُ النَّدَى لِلْمِقصَلَةِ
أَنْ تُهرَقَ بكارةُ الوردةِ
أَمَامَ عَاشِقِها
وَأَنْ تُبَاعَ اليَنَابِيعُ
في سوقِ النُّخَاسةِ
كُلُّ هذا مُحَبَّبٌ وجَائِزٌ
في أبجَدِيَّةِ العَمَائِمِ والمُلَثَّمِيْنَ
والعَنَاصِرِ المُدَجّجِينَ بالتَّطَرُّفِ
البَغِيضِ.*
إسطنبول
* وَيَنْبَعِثُ الخَرابُ..
وَكَأَنَّ الماءَ تَيَبَّسَ
على أغصانِ صوتي
أنادي على عطشِ عُمري
فَتَخُونُ القصيدةُ دَمعِي
وَتَرتَقِي إلى أفُقٍ ضَائِعٍ
وَتَغُورُ في أُخدُودِ جُرحِي
يَشْرَبُنِي المكانُ
يأكُلُنِي الزَّمانُ
وأنا أعاتبُ السِّكينَ التي غَدَرَتْنِي
وأشكو للندى احتراقي
تَمُوتُ لُقْمَتِي
في جوفِ الغُربَةِ
وجوعي للهواءِ النَّقيِّ
يَمْلأَ الفضاءَ اختناقاً
وتمشي بي حَسْرَتِي
وَتَصعَدُ نحوَ مَشارِفِ الحَنينِ
وَهُنَاكَ..
عندَ شَلالاتِ اللهفَةِ
أَرَانِي أتَضَوَّرُ وحشَةً
ولا ضَوءَ يَطرُقُ بابي
ولا مطراً يَتَفَقَّدُ غِيَابي
سوى قبرٍ يُلاحِقُنِي
ويراقِبُ سَكْنَاتِ خَيبَتِي
مُتَتَبِّعاً انتظاري
فيا قلبُ لَملِمْ دُرُوُبَكَ
وخبِّئْ أغانيكَ الوَارِفَاتِ
في حُفْرَةِ التَّنَهُّدَاتِ
غداً تَعُودُ الأرضُ لِلخُطَواتِ
حِينَ تَنهَضُ الحَياةُ
ويَنبَعِثُ الخرابُ وَطَناً
يُرَفْرِفُ لِلنَدَى ولِلحَمَامِ.*
إسطنبول
* ولـكِ أن تختــاري..
لعلّكِ لا تقرئينَ احتراقي
ولا تحسين بعذاباتي
قلبي ليس من حديد
ليحتمل ظلمتَكِ
تآكلت روحي من آهتي
وأنتِ تتسترين بالابتعاد
ويلٌ لصمـتِكِ ماذا فعل بي؟!
ويلٌ لقلـبِكِ الذي لا يرقّ
كم موتاً عليّ أن أموتَـهُ؟!
وكم قصيدةً ينبغي أن تنزفَـني؟!
وكم كوناً عليه أن يتسعَ
لِـدمُوعي؟!
ضاقت جراحي من الجراحِ
وسكنَ القهرُ أنفـاسي
أعطني قلبي لأمضيَ
بعيداً عن قيودِكِ
و رُدي إليّ روحي
المغروسةَ في أرضِكِ
أطالبُكِ بكـاملِ عمـري
سَرقتْـهُ جداولُ سرابِـكِ
هـاتي لي نبضي
لملميهِ عن أسوارِكِ
وأجهِـزي على شَغَفي
أَحرقي لهفتيَ الممدودةَ نحوَكِ
وابتـُري لي أصابعي
كي لا تكتبَ عنكِ
ضعي لموتي فيكِ حَـدّاً
أَسكِتي نوافذَ أحلامي
وأغلقي عَلَـيّ قبـري
ربما بَعـدَ ألـفِ سنـةٍ
يهدأُ حبُّـكِ بداخلي
وتنبتُ أشجـارُ النـدى
مِن تربـةِ حنيني
خُـذي سقوطي واْستَنِـدي عليـهِ
خُـذي أحـرُفي وَقُـوداً
وتَدفّئي..
ليـت قلبَـكِ يعرفُ الأبجديةَ
وكم أشتهي أن تكونَ لروحِكِ
آذانٌ..
تسمعُ دَوِيَّ اْنهزامي..
هذا المَدى لن يدومَ لـكِ
سيرحلُ معَ حطامي
هذه الأرضُ ستُـنـبِـتُ لـكِ الشـوكَ
في حالَ اْندثاري
سينتقمُ لـيَ الزمـانُ منـكِ
سيجعلُـكِ مَنسـيّةً
أنا مَن سـاقَ الشمسَ
إلى بابِـكِ في النهـارِ
ومَن علّقَ القمرَ
قُبالةَ نـافذتِـكِ طِوالَ الليـالي
أجهِـزِي عَلَـيّ..
أريحيني
أو أَقْبِـلي
وعانقيني
ولـكِ أن تختاري.*
إسطنبول
* أَفترِضُ..
أُودِّعُ حبَّكِ
وأُغلقُ البابَ على حياتي
لن أعاودَ السّؤالَ عنكِ
سأفترضُ أنّي لم أعرفْكِ
ليسَ من الضّروةِ
أن تكونَ في الدُّنيا شمسٌ
هناكَ مخلوقاتٌ كثيرةٌ
تعيشُ في الظّلامِ
وسأفترضُ أنَّ في الأرضِ
لا توجدُ ورودٍ
يمكنُ للمرءِ أن يتأقلمَ في الصّحراءِ
وسأفترضُ أنَّ لا ماءَ
على هذا الكوكبِ
معظمُ المواكبِ وُجِدت دونَ ماءٍ
وسأفترضُ
أنَّ الهواءَ هنا معدومٌ
قد يحدثُ هذا في هذا الكونِ
سأفترضُ
أنَّني لم أُولدْ
أو أنَّكِ مجرَّدُ وهمٍ
أو أنَّنا أتينا في أزمانٍ مختلفةٍ
سأفترضُ
أنَّني لا أعرفُ كتابةَ الشّعرِ
أو أنَّكِ تجهلينَ لغتي
أو أنَّ الحبَّ في الأساسِ
لا وجودَ لهُ
أو أنّي أعمى لم أبصرْ جمالَكِ
أو كنتُ أصماً لم أسمعْ صوتَكِ
أو غبيّاً لم أهتمَّ لوجودِكِ
أو أنّي جبانٌ
وأنتِ ملكةٌ
سأفترضُ
أنَّ عطرَكِ لم يجذبْني
وأنَّ عينَيكِ خاويتانِ مِنَ السِّحرِ
وأنَّ ابتسامتَكِ شحيحةُ الضّوءِ
سأفترضُ
أنّني متُّ منذُ زمنٍ
وأنّي أعيشُ في قبري
من دونِ ذكريات.*
إسطنبول
* مُكَابَرَة..
أَتَعَرَّى مِنَ الكَلِمَاتِ
فَأَبدُو قَطرَةَ دَمعٍ
على ضِفَافِ الحَنِينِ
تُحِيطُنِي مَجَاهِيلُ الدُّرُوبِ
أَتَطَلَّعُ إلى أُفُقٍ يَابِسٍ
مَحنِيّ الظَّهرِ
شَائِبِ الغَيمِ
مُكفَهَرِّ النَّبضِ
أَسأَلُهُ عَنْ أَحِبَّتِي
فَتَنهَارُ مِنهُ عُكَّازُهُ
وَيَستَدِيرُ عَنِّي
أَتَوَجَّهُ لِلرِّيحِ
أَمُدُّ لَهَا ضَعفِي
لأَتَمَسَّكَ بِصَفِيْرِهَا الأَصفَرِ
فَأَنزَلِقُ دَاخِلَ جُرحِي
حَيثُ عَتمَةُ الأَنفَاسِ
وَسَعِيرُ الانتِظَارِ
طَالَ الاحتِرَاقُ
على شَوَاطِئِ العَطَشِ
وَجَعِي يَحُدُّ الكَونَ
بِلا وَطَنِي
أنا دُودَةٌ في صَحنِ العَدَمِ
بِلا وطَنِي
تَدُوسُنِي حَوافِرُ العُنجُهِيَّةِ
كَلِمَاتِي سِتَارُ رُوحِي
تُخفِي عَورَةَ الأَنِينِ
وَتَحجُبُ عَنْ قَتَلَتِي
هَزِيمَتِي.*
إسطنبول
* مَقَامُ القَصِيدَةِ..
وَكَمْ كانتِ الذُّكرياتُ
تَقضُمُ من روحي
وَتَعُضُّ دمعتي
وتُشعِلُ في وقتي
ليلَ اختناقي
تُثَوِّرُ مَطَرِي
وَتَقصُفُ أنفاسي
يَسحَلُنِي البرقُ
وَيَتَدَاعى رعدُ جنوني
أصرُخُ ملءَ جُرحي
تعالَ يا دربُ
تَسَلَّقْ أكتافَ الانتظارِ
سَأَحمِلُكَ
حينَ يَعتَزِمُنِي الرَّحيلُ
وأعودُ إلى حَلَبَ
بَلَدِ الأراجيحِ النَّاعِسَةِ
والأغاني السَّاهِرَةِ
والحُبّ الذي لا ينامُ
سَأَبنِي من فرحَتِي
جَنَّةَ العُشقِ
وَأُسَيِّجُ السَّماءَ بالقُبُلاتِ
وأزرعُ في حُقُولِ التَّعَطُّشِ
أشجارَ النَّدَى المُزهِرِ بالغرامِ
أُحِبُّ عينيكِ
لأنِّي أبصَرتُ فيهما اللهَ
وفي حُضنِكِ
تَجَلَّتْ ليَ القَصِيْدَةُ
في غُربَتِي عَنكِ
كُنتِ تُقَشِّرِينَ ليَ الأسئِلَةَ
وكانتْ عِظَامِي تَحِنُّ
إلى راحَتَيْكِ
حيثُ تَهجَعُ أجنِحَتِي المُتعَبَةُ
سَأَعُودُ يا حَلَبُ
وَلَوْ أنَّ القمرَ صارَ غُبَاراً
سَأَعُودُ يا حَلَبُ
لَوْ أَنَّهُمْ نَصَبُوا مِشنَقَتِي
مِنْ حِبِالِ أَورِدَتِي
سَأَعُودُ إلى تُرَابِكِ
وَلَوْ كَانتْ جُثَّتِي مُتَآكِلَةً
وَعِظَامي نَخَرَهَا الحَنِينُ
سَأَعُودُ..
حِيْنَ يفتحُ الياسينُ لي
أبوابَكِ
وَيُرَفرِفُ الأمانُ
فَوقَ قَلعَتِكِ الخالدةِ
ونَلتَقِي بَعدَ مَوتٍ كَثِيْرٍ
حَجَبَ ضَوءَ الشَّمسِ
وَضَلَّلَ قُلُوبَ الغافِلِيْنَ. *
إسطنبول
* وصـايا الجرح..
وأراني أنزلقُ
تحتَ رمالِ غصَّتي
يأخذني القهرُ
إلى حضنِ الجمرِ
فأكتوي بأنفاسي
وأذوبُ في شرنقةِ الدّمعِ
قصيدتي أسفـاري
وخطايَ تصطحبُ التَّشرُّدَ
أمضي إلى ظلالِ الخيبةِ
أبحثُ عن مأوى لسقوطي
بعيداً عن نحيبِ المسافاتِ
وعن كلِّ زاويةٍ
ترابضُ لي بالأسئلةِ
وتقولُ لي مرارةُ النَّدمِ :
- كلَّما اتَّسعتْ قائمةُ الأصدقاءِ
ازدادَ احتمالُ الغدرِ
ظهرُكَ على مذابحِ الغيرةِ
يحسدونَ مايحملهُ دمُكَ
من ورودٍ وندى
يريدونَ أجنَّةَ رؤاكَ
وأجنحةَ حروفِكَ
وخبزَ وميضِكَ
فخذْ من وحدَتِكَ فضاءً
دعْ شمسَكَ تبزغُ
فوقَ أفئدةٍ تُنْبِتُ الحبَّ
دعْ قصائدَكَ تخاطبُ
ضفائرَ السَّماواتِ
وابتعدْ عَنِ الابتساماتِ الشَّائكةِ
وعَنْ أصابعَ هجرتها الرَّحمةُ
وعيونٌ تطفحُ بالحقدِ.*
إسطنبول
* ما يحدثُ الآن..
تَتَقَاذَفُنِي أفكَارِي
وَيَلُوكُنِي الصَّمتُ
الصَّبَاحُ لَمَّا يَنهَضْ بَعدُ
والليلُ بَدَأَ بِخَلعِ ثِيَابِهِ
وَسَرِيري مَا يَفتَأُ يَتَمَلمَلُ
مِنْ تَحتٍي
وَيَكشِفُ عَنْ هَوَاجِسِي الغِطَاءَ
هَلْ سَتَنتَهِي الحَربُ؟
قَبلَ أن يُقتَلَ آخِرُ سُورِيٍّ؟!
مَاذا سَتَقُولُ عَنَّا الأرضُ؟!
حَمقَى!!!
اقتَتَلُوا حتَّى يَرضَى عَنهُمُ
الأعدَاءُ؟!
أغبِيَاءُ!!!
ماتُوا مِنْ أَجلِ غَايَةٍ
لا تَخُصُّهُم؟!
أدخَلُوا عَلَيهِمُ الغُرَبَاءَ
لِيَصِيرُوا فِي وَطَنِهِم
غُرَبَاءَ؟!
استَقدَمُوا السِّلاحَ
لِيَفتكَ بِأهلِهِم
وَيَهدِمَ بُيُوتَهُم
مَا كانَ السُّورِيُّ غَبِيَّا يَومَاً
فَمَنْ أَعمَى بَصِيرَتَهُم ؟!
وَمَنْ زَيَّنَ لَهُمُ الانتِحَارَ؟!*
إسطنبول
* وتقولُ لي الأيّام..
وتقولُ ليَ الأيَّامُ
تعلَّمتُ مِنكَ
فنَّ الصَّبرِ
وحِكمةَ مُجالَسَةِ الانتظار
وزراعةَ الأملِ
في صحارى الدَّمعِ
وحقولِ الرَّمادِ
بكلماتٍ تُعتَصَرُ من الحنينِ
أنا لَنْ أذهبَ
دُونَ أن أتركَ أثراً
على دروبِ الفناءِ
سأُعلِّمُ الغيمَ أفانينَ البرقِ
وأعلِّمُ الفراشاتِ
أن تُرَوِّضَ النَّارَ
والوردَ أن يُدَجِّنَ الموتَ
تَعَلَّمتُ مِنكَ
أن أوقِدَ أمواجي
كلَّما الجفافُ اقتربَ منِّي
و أوسِعَ فضائي
كُلَّما هبَّتْ عواصفُ الاختِناقِ
وأنْ أُولِّعَ ظُلمتي
لِيُبْصِرَنِي النَّهارُ
وأنا أوزِّعُ نزيفي ندىً
على القلوبِ المُحَطَّمَةِ
تَعَلَّمتُ مِنكَ
ألَّا أُفَرِّطَ باسمي
وألَّا أُقَايضَ أجنحتي
بالقصورِ
ولا أستَبدِلَ وطني
بِجَنَّةِ الأغرابِ.*
* آخرُ الكلماتِ..
يَدِي..
فقدَتْ شَهِيَّتَها عنِ الحُلُمِ
ما عادتِ
الكلماتُ تطرُقُ أصابِعَهَا
ولا عادَتِ
السَّماءُ تهجعُ في نبضِها
والبحرُ غادرَ راحَتَها
مكسورَ الخاطرِ
الشَّمسُ بكتْ حينَ غادرَتهَا
والقمرُ اختنقَ بِغُصَّتِهِ
المطرُ فاضَ بالحُزنِ
والشَّجرُ رمى بأغصانِهِ للنارِ
والدُّروبُ تاهَتْ عن نهايتِها
كلُّ الدُّنيا تَيَبَّسَتْ بَهجَتُهَا
وصار النَّدى تُرَاباً
وانتحرتْ موسيقا الليل
يَدِي..
تَهَالَكَتْ عن فتحِ البابِ
القصيدةُ صَعَدَتْ إلى الصَمتِ
والموتُ
يَنهَشُ أنفاسَهَا الأخيرةَ
وَظَلَّتْ على سُبابَتِهَا كَلِمَةٌ
عَصيَّةٌ عنِ الغيابِ
سامِقَةَ النُّورِ
واسِعَةَ السَّماواتِ
حُرُوفُهَا من أرواحٍ
إنَّهَا أولى الكلماتِ
وآخِرُ ما يهتفُ لَهُ القلبُ
وطني.*
إسطنبول
* تاجُ السَّرابِ..
جَسَدِي هُنَاكَ
وأنا هُنَا
وهُنَا امتِدَادُ الرَّحيقِ
وهُنَاكَ صَقِيعُ الظُّلِّ
الشَّمسُ تُشرِقُ مِنْ عَطَشِي
المَطَرُ يُطِلُّ من أصابعِ صَمتِي
والأرضُ تَحبُو على دُرُوبِي رُوحِي
مَا مِنْ مَوتٍ إلّا وَكُنتُ
بَعضَاً مِنهُ!
مَا مِنْ سُقُوطٍ إلَّا استَنَدَ عَلَيَّ!
الشَّهوَةُ تَفتَرِسُ جَحِيمِي!
وأنا أتَسَلَّقُ صَهِيلَ التَّفَجُّرِ
لِأعلِنُ عَنِ إنتِهَاءَ مَرحَلَةٍ
مِنَ التَّنقِيبِ عَنْ لُغَتِي
فَقَد وَجَدتُ في آخرِ سَطرٍ
مِنْ غُربَتِي الحالِكَةِ
أنَّ خُطُوَاتٍي قَدْ أثمَرَتْ مَقبَرَةٍ
وكانَتْ دُمُوعِي تَعوِي مِدرَارَاً
في أصقَاعِ الوِحشَةِ المُتَحَجِّرَةِ
تَرَكتُ دَمِي على أرصِفَةِ الصَّدَى
وَحَمَلتُ على ظهرِي سُخرِيَةِ العَدَمِ
وَرُحتُ أدُقُّ أبوابَ الظُّلمَةِ
عَلَّ بَصِيصٍ يَأخِذُ بِيَدِ شَهقَتِي
أو أنَّ نَافِذَةٍ تُكَسِّرُ لِيَ اختِنَاقِي
لَكِنَّ الماءَ غَافِلاً عَنْ حُنجَرَتِي
والرَّغِيفُ يَسُوطُ لِي جُوعِي!
إنِّي أُعلِنُ عَنْ انتِمَائِي
لِبَحرٍ سَرَقَتْ مِيَاهِهِ الأشرِعَةُ
وَتَرَكَتْ على رِمَالِهِ
طُفُولَتِي المَحشُوَّةِ بالمُلحِ والذَبَدِ
لِتَهتُكَ الضَّوَارِي بِقَصِيدَتِي
وَيَرتَسِمُ فَوقَ جُمجَمَةَ النَّدَى
تَاجُ السَّرَابِ العَظِيمِ.*
إسطنبول
* لستِ لي..
أَنتَبِذُ الجهَاتَ
أَدفَعُ الأَرضَ عنِّي
وَأَهُشُّ المَدَى
وَأَقُولُ لِلهَوَاءِ
دَعنِي في خَلوَةِ الجرحِ
لا يَقتَرِب منِّي ضَوءٌ
ولا مَاءٌ
أو حتّى صَوتٌ
أنا أَعلَنتُ اْنفِصَالي
عَن هَمسِ الأَمكِنَةِ
وُسَأَرحَلُ إلى مَخبَأٍ
لَم يَمَسَّهُ زَمَنٌ
أو يَدخلْهُ حَرَاكٌ
أو يَعرفْهُ مَوتٌ
سأَذهَبُ إلى حَيثُ
لا أَجِدنِي
ولا تُوَسوِس لِي قَصَائِدُ
ولا أَخضَعُ لِقَلبٍ
عَارُمِ الوَجدِ
سأَتَنَحَّى عَن نَبضِي
وَأَتَبَرَّأُ مِن أَشواقي
وَأَكُفُّ عَن التَّفرِّدِ بِي
وَأُقِيمُ الحَوَاجِزَ بَينِي وبَينِي
حتّى إِذا أَرَادَت أَصَابِعِي
أَن تَكتُبَ
لا تَجِدُ مِن لُغَتِي
سوى جِلدِهَا المُقَدَّدِ
وَأَقُولُ لِأَوجَاعِي الَّتِي
مَا تَنفَكُّ أَن تُوجِعَنِي
تَجَلَّدِي
هُنَا لَن يُدرِكَنِي الحُلُمُ
وَلَن يَقهَرَنِي الحَنِينُ
ألقَيتُ على الجمرِ شَتَاتِي
وَرَمَيتُ بِلُهَاثِي
إلى شَواطِئِ النّسيَانِ
هُنَا..
لَن يَدُقَّ بابي
عَذابُها
هُنَا..
سأَتَحَرَّرُ مِن سَطوَةِ
اْنتِمَائِي لِوَردِهَا
سأُفرغُ شَرَاييني من تُرابِها
وَأَنفضُّ عَن باصِرتي
تَوَهُّجَ اْسمِهَا
لَن أَرَى غَرَقِي
في مَوجِ فِتنَتِها
لَن أَسمَعَ اِستِغَاثَاتِي
وأنا أَتَقَهقَرُ عَنِ اللِحَاقِ
بِطَيفِها
أَدرَكتُ ما آلَ بيَ الجنونُ
لَن أَناَل مِنهَا
غَيرَ الهَلاكِ
سَأَنزَوي في رُكنٍ قَصِيٍّ
خَارِجَ هَذَا الكَونِ
سَأَمنَعُ النّجُومَ أن تَأخُذَ
دَورَ الوَسِيطِ
وَسَأُفشِلُ أيَّةَ مُبَادَرَةٍ
مِن الأُفُقِ
لِتَقرِيبِ وَجَهَاتِ النّظَرِ
لَستِ لِي
مَهمَا نَثَرتُ على النَّدى القَصَائِدَ
لستِ لي
مَهمَا تَوَّسَّلَ لَكِ اللَيلُ
وَحَدَّثَكِ عَن بُكائِي
لستِ لي
حتّى لو تَسلَّلتُ لِعِندِكِ
في جَيبِ وَردَةٍ
لستِ لي
وإِن خُلِقتِ مِن ضُلوعِي
وَأَلبَستُكِ النُّورَ
وَأَطعَمتُكِ الخُلُودَ
أَنتِ خُطا المَوتِ
جاءَ لِيُنَفِّذَ المَهمَّةَ.*
إسطنبول
* مَطَرُ الخِيَانَةِ..
كَانَ المَاءُ يَصرخُ
مِلءَ جَنَاحَيهِ
أَغِيثُونِي بِجُرعَةِ نَارٍ
لِتَنطَفئَ دُرُوبِي
أنَا طَائِرُ القَحلِ
أحَلِّقُ فَوقَ البُكَاءِ
أنتَشِلُ السّحَابَ المُتَفَحِّمَ
مِن حَنجَرَةِ الحَجَرِ
أَخمِشُ وَجهَ الزَّمهَرِيرِ
وَأَحتَالُ عَلَى صَحَارَى اللَيلِ
لِأَسكُبَ فِي القَصِيدَةِ
ظِلَالَ الجِهَاتِ التَّائِهَةِ
فِي الأُفقِ جَنَازَاتُ المَطَرِ
فِي الأَرضِ أَورِدَةُ الشِّتَاءِ
وَفِي فَضَاءِ المَسَافَاتِ
تَتَجَمَّعُ أَسرابُ التَّكَهُنَاتِ
قَلبٌ يَبحَثُ عَن شُبَّاكِ الحَبِيبَةِ
أصابعُ تَزحَفُ فَوقَ
رَمَادِ الشَّوقِ
شِفَاهٌ تَهفُو لِعُنقِ الهَمَسَاتِ
وَرُوحٌ تُفتِّشُ عَن ثِيَابِهَا
وَعِواءُ الضَّغِينَةِ يَنبَحُ
عَلَى تَمَرُّدِ العَطَشِ
هَذَا السَّرابُ بِلَا أَبوَابٍ
يَنكَشِفُ عَلَى لُهَاثِ الأََحصِنَةِ
وَالجُرحُ يَصهَلُ بِنَزِيفِهِ
تَتَطَايَرُ أَغبِرَةُ الوَجَعِ
تَسُدُّ دُرُوبَ الضّائِعِينَ
فِي قِفَارِ الهَزِيمَةِ الحَمرَاءِ
وَطَنٌ تَدَاعَت شُمُوسُهُ
أَشجَارٌ فَرَّت مِن جُذُورِهَا
أَغصَانٌ تَكَسَّرَت فِتنَتُهَا
وَثِمَارٌ وَقَعَت فِي كَفِّ
العَفَنِ
مَن يُنقِذُ مَا لَا يُنقَذَ؟!
وَمَا لَم يَتَبَقَّ؟!
مَن يَحمِي بَيَاضَ اليَاسَمِينِ
مِن سَوَادِ الرُّوحِ العَميَاءِ؟!
دَمٌ يَهطِلُ
مِن أَجفَانِ بَسمَتِنَا
خَرَابٌ يَتَزَاحَمُ في رِئَاتِنَا
قُبُورٌ تَحفُرُ فِي اتِّسَاعِ دَهشَتِنَا
وَمَوتٌ صَفِيقُ النَّظَرَاتِ
يَسرُقُ مِنَّا حِبرَ الحَياةِ
إنَّها ثُورَتُنَا اليَتِيمَةُ
الّتِي أَمطَرَتنَا بِالخِيَانَاتِ.*
إسطنبول
* معزوفاتُ الليل..
أنا والليلُ ما عدنا نتّفقُ
سأطردُهُ من غرفتي شرَّ طردةٍ
وسأرمي مايخصُّهُ عندي
في وسطِ الطّريقِ
كفاني منهُ ما لقيتُهُ
سنواتٍ طويلةً عشتُها بصحبتِهِ
وأنا صابرٌ عليهِ
ضوضاؤهُ وضجيجُهُ وفوضاهُ
يمنعونَ النّومَ عنّي
يبكيني ساعةَ يشاءُ
يتدخّلُ في كتابةِ أشعاري
يخاطبُني بدونِ لباقةٍ
يصوّرُ لي خيالاتٍ لا أريدُها
وفجأةً يصمتُ عن الكلامِ والحركةِ
مهما ناديتُ عليهِ أو هززتُ كتفيهِ
يرى ناري تلتهبُ في قلبي
ولا يطفِئُها أو يسعفُني
باردُ المشاعرِ
خبيثُ الأفعالِ
ما عدتُ أثقُ بِهِ
كم من مرّةٍ كذبَ عليَّ
وصوّرَ ليَ الآمالَ بأبهى صورةٍ
ثمَّ يعتذرُ
حينَ تتلبَّسُني الخيبةُ
ينفردُ بي لساعاتٍ طويلةٍ كلَّ يومٍ
يتناقضُ في كلامِهِ ومواقفِهِ
مرَّةً يزودُني بالأحلامِ العظيمةِ
ومرّةً يقذفُني بالمرارةِ الشّديدةِ
لا يثبتُ على رأيٍّ
يتملَّصُ من وعودِهِ
وأحياناً يسخرُ منّي بجلافةٍ
دونَ أن يراعيَ مشاعري
يصرخُ بوجهي وكأنّي طفلٌ
يقولُ:
- متى تكبرُ وتفهمُ الحقيقةَ؟!
حبيبتُكَ ليست لكَ
كفاكَ وهماً وجنوناً
توقّف عن كتابةِ القصائدِ
فلقد ملَّت من سخافاتِك.*
إسطنبول
* أمُّ الأكوانِ حلب..
أنهزمُ أمامَ اْنهزاماتي
أختبئُ وراءَ اْنتصاري
الّذي تذروهُ الرِّيحُ
أقتفي خطا جرحي
أدوسُ على الهاويةِ
لأعبرَ صوبَ قامتي
وفي دمعتي تسكنُ دروبي
دروبي أكلَتْها الصّحراءُ
والصّحراءُ تمطرُني بملحِ السّرابِ
أركضُ في سهوبِ لوعتي
ألهثُ وأنا أصعدُ
إلى آهتي
أنادي عواءَ التّخومِ
أقفزُ .. أتقرَّبُ
أدنو من أسوارِ التَّهدُّمِ
أريدُ جُرعةَ فضاءٍ
رشفةَ ضوءٍ
عُنقودَ ندى
والأرضُ تهرشُ ظلِّي
وتعضُّ حنيني
وجبالُها تمتطي عَجزي
فَمَن يحملني إليكِ
يا أمَّ الجَنَّةِ؟!
مَن يوصلني إلى عرشِ السَّكينةِ؟!
لأحيا في كنفِ عِشقِكِ
أرضعُ من أصابعِكِ رحيقَ الرَّحمةِ
وأشربُ من ينَابيعِ ظلِّكِ
نسائمَ الآفاقِ
مَن يأخذُني إليكِ؟
لأُعطِيَهُ ألفَ سنةٍ من القصائدِ
وألفَ بحرٍ من الفرحةِ
وألفَ عمرٍ من طاقةِ الشّمسِ
دُلِّيني على كنوزِ اللهِ لأراكِ
على مهدِ الملائكةِ لأجدَكِ
على مسكنِ الخلودِ لأعرفَكِ
على بوّابةِ الكونِ
لأقولَ وجدتُكِ
وأدخلُ محرابَكِ بخشوع.*
إسطنبول
* نَمُوتُ لِنَبْقَى..
سَنَنْتَظِرُ طَوِيلاً
وَنَمُوتُ كَثِيرَاً
وَنَحيَا على فُتَاتِ الأَمَلِ
حَرَائِقُ قَهرِنَا تُضِيءُ البَصِيرَةَ
تَجُوعُ خَطُوَاتُنَا لِلدُّرُوبِ
وَنَجُوبُ زُرقَةَ السَّماءِ
نَبحَثُ عَنْ غَيْمَةٍ بَيضَاءَ
نُنْصُبُ عَلَيْهَا خِيَامَنَا العَارِيَةَ
لِنُسكِنَ فِيهَا دُمُوعَنَا النَّخِرَةَ
وَنَقُولُ لِلرَبِّ:
- طُرِدنَا مِنْ فِردَوسِنَا
وَلَمْ نَقطِفِ التُّفَّاحَ
وَلَمْ نُصَادِقِ الشَّيطَانَ يَومَاً
إنَّما الطَّاغُوتُ
أَجَازَ إعدَامَ الصَّهِيلِ
يَومَ اكتَشَفنَا
أَنَّ لِأَروَاحِنَا أَجنِحَةً
فَتَحَ لِلمَوتِ أَبوَابَ المَدَى
وَأَدخَلَ على يَاسَمِينِنَا الجَرَادَ
صَارَ الوَطَنُ مِقصَلَةً
وَتَحَوَّلَ الفَضَاءُ
مُجَمَّعاً لأشلائِنَا
وَأَلْقَتْ بِنَا الأرضُ
إلى بُحَيْرَاتِ التِّيهِ
لِتُنقِذَ مَا تَبَقَّى من أعشَابِنَا الخَضرَاءِ
فَنَحنُ النَّاهِضينَ مِنَ الحُطَامِ
والقَادِمينَ مِنْ نَوَافِيرِ الدَّمِ
نُعلِنُ عُصيَانَنَا على المَوتِ
نَمُوتُ
ولا تُقَسَّمُ البِلادُ
نَمُوتُ لِنَبقَى
وَنَبقَى لِنَمُوتْ.*
إسطنبول
* إشفَاق..
في لُغَتِي جُوعٌ لِلفَضَاءِ
وَلِلغِنَاءِ
على رُؤُوسِ الغَائِبِينَ
صَوتِيَ أَموَاجُ العِشقِ
إلى نَايٍ يَفتَحُ الدَّربَ
لِلقَمَرِ
التَّائِهِ في دَهشَتِهِ
بَعدَ أَنْ ضَاعَ
في بَيَاضِ الغَيمِ
وَغَابَ عَنهُ وَجهُ الأرضِ
وَظَلَّ طَوِيْلاً يَبحَثُ
عَنْ هَمسِ اليَاسَمِيْنِ
أنا مَنْ دَلَلتُ عَلَيهِ صَوتَ النَّدَى
وَأَخبَرتُ الصَّدَى عَنْ شَهقَتِهِ
وَنَبَّهتُ أَشرِعَةَ الليلِ
عَنْ دَمعِهِ الأخرَسِ
وَحُرقَةِ أَنفَاسِهِ
كَانتِ الرِّيحُ تَمحُو أَثَرَهُ
أَوشَكَتِ السَّمَاءُ أَنْ تَخطُفَهُ
والمَوتُ تَوَقَّدَتْ شَهوَتُهِ
قُلتُ لِلأَشجَارِ عَنْ مُحنَتِهِ
وَطَلَبتُ مِنَ العَصَافِيرِ مُنَادَاتِهِ
حتَّى أَنَّ التُرَابَ
أرسَلَ إلَيهِ إشَارَاتِهِ
أَشَفَقْتُ على غُربَتِهِ
فَأنَا مِثْلُهُ
في هذا الكَونِ المُزدَحِمِ
بِالحُرُوبِ
وَبِأَيَادِي اللُصُوصِ.*
إسطنبول
* الرُّوحِ..
تَتَسَلَّقُنِي المَسَافَاتُ
وتَمتَطِيني الجهَاتُ
وأنا أُشَيِّدُ جِدَارَ الهَزِيمَةِ
مِن حَجَرِ الرُّوحِ
أَلُوبُ على الجرحِ
أحدِّقُ في حَشرَجَةِ خُطَايَ
أَكَادُ أَتَهاوَى في شَهقَتِي
أَتَمَسَّكُ بِحِبَالِ آهَتِي
وأََصرُخُ في أذُنِ الرِّيحِ:
- أُعطِيكِ أَجنِحَتِي مُقَابِلَ نَجَاتِي
مِن غُربَةٍ تَلبَّسَتْنِي
وَأَقعَت في دَمِي
تَشرَبُ صَبَاحِي
أُنادِي على الأرَضِ
الّتي تَفتَّحَت في خَاصِرَتِي
كَم عليَّ أَن أَزحَفَ
فوقَ رُؤايَ؟!
كَم عَلَيَّ أَن أَجُوبَ صَحَارى
دَمعَتِي؟!
وَأَلعَقَ سَرَابَ الانحِدَارِ؟!
أَتَوَغَّلُ في نُخَاعِ الرُّكامِ
أَتَمَترَسُ بِغُصَّتِي
وَأَحفِرُ في بَاطِنِ السَّدِيمِ
عَلَيَّ أن أَدفُنَ جَهَنَّمِي
في أَحشَاءِ الوَقتِ
أبتغي مِن لُغَتِي كَفَنِي
وَمِن قَصِيدَتِي مِقبَرَتِي
وَمِن حُرقَتِي النّدى
وَأَسألُ أَزَاهِيرَ أَصَابِعِي
أَن تَفتَرِشَ ليَ الطّرِيقَ
لأطلُبَ من جِيادِ ارتِعَاشي
في لُجَجِ الدُّخَّانِ
أَن تَثِبَ وَتَصهُلَ
وُتُحَلِّقَ صَوبَ عَطَشِي
أنا عكَّازُ الخَرِيفِ الخَائِفِ
أنا نَحلَةُ العَلقَمِ
وَنَزَقُ الفَجِيعَةِ
أَُسلِمُ نَفسِي لِسَيّافِ المَنفَى
دُونَ مُقَاوَمَةٍ
أُسلِمُ عُنُقِي
لِمَخَالِبِ الأَشوَاقِ
وَتَكبُرُ بِداخِلي دَمعَتِي
لِتَكُونَ بَحرَ الانتِظارِ
أُعَارِكُ خَيبَتِي بِضَراوَةٍ
أُرِيدُ أَن أُهَدِّمَ أَسوَارَ
هَزِيمَتِي
أُرِيدُ أَن أَلعَنَ أَحوَالَ
الطّقسِ
القَادِمِ على الإِذلَالِ
والمَاطِرِ على التَّشَرُّدِ
في أَصقَاعِ العَارِ
يا أمَّةَ العُنفُوانِ
كيفَ آلت أُمُورُ المَجدِ
للعَبِيدِ والخِصيَانِ؟!
اِعتلوا قِلاعَ شُمُوخِنَا
وَسَاقوا
إِلينَا الخُنُوعَ والهَوَانَ!!*
إسطنبول
* مَشَارِفُ النَّدَى..
بُحَّ دمعي
وصليلُ الشَّوقِ يُنادي
نارٌ في فؤادي
وأوجاعٌ تُهَاجِمُ وحدتي
وعصافيرٌ تَتَقَافَزُ في دمي
وصُراخٌ يشهَقُ في رمادي
خُذْنِي يا دربُ
إلى مَشَارِفِ أُمِّي
إلى ندى بلادي
الموتُ أرهَقَ كاهلي
تَسَلَّقَ أنفاسي
واستحكمَ منِّي الخُطَواتِ والأيادي
والحنينُ لا يبرحُ روحي
أينما تَواجدتُ
تمسكُ بي أصفادي
أركضُ إلى حُضنِ حُرقَتِي
السَّرابُ مشربي
والعلقمُ زادي
يا أُمِّي تَعَثَّرتُ بِغُصَّتِي
وارتمتْ منِّيَ السَّماءُ
وَتَبَعثَرتْ في الرِّيحِ
أوراقُ عُمُرِي ومدادي
زَرَعتُ في الصَّحراءِ
آياتِ قَلبِكِ
وأسمَ أبي وأجدادي
عساها تمطِرُ أنوارُكِ
وينبثقُ علينا السَّلامُ
وَتُرَدُّ إلَيَّ جِنسِيَّتِي
وشَهادةُ ميلادي.*
إسطنبول
* عَطَشُ الصَّدَى..
أَرتَمِي على ذِكرَياتي
أحتَضِنُ مَا قَد مَضَى
وأترُكُ دَمعَتي تَسقِي عَطَشَ الصَّدى
كَانَ الوَردُ يَتَفَتَّحُ في ضَحِكَاتِنا
كانَ النَّدى يُرَفرِفُ فَوقَ قُلُوبِنا
وكانتِ الأرضُ تهمسُ قَصِيدَتَها
وَتَشُدُّنا مِن عُشبِ نَبضِنا
وتُبحِرُ في أنفاسِنا
وَكُنتُ أُدَاعِبُ ضَفَائِرَ النّسَمَاتِ
وأُقَبِّلُ وَجهَ اللَحظَةِ
وأقطِفُ عَناقِيدَ النَّشوَةِ
حينَ أصابعُ البوحِ
تمتدُّ نحوَ أغصَانِ رُوحِي
لَم تَكُن فَرَاشَاتُ أيَّامِنا
تَشعُرُ بِخَطَرِ اللَّهَبِ
والعَصَافِيرُ لَم تَكُن تُدرِكُ
أنَّها مُهَدَّدَةٌ بالإبادَةِ
زُلزِلَ المَكَانُ
تَطَايَرَ الفَرَحُ
شَبَّ السَّعِيرُ
وجَفَّتِ اليَنَابِيعُ
وَصُرنا خَلفَ المَدَى
تَنَاثَرنَا فَوقَ الرَّمَادِ
وَتَبَعثَرنا في أقاصِي الغِيَابِ
أَرضُنَا أَجهَشَت بالخَرَائِبِ
وامتَدَّت أَيَدِي الأخَطَبُوطِ
تَغرِزُ في قُلوبِنا أنيابَ المَوتِ
نارٌ تَنهشُ الماءَ
تَنقَضُّ على الهَواءِ
وَتَشوي تَارِيخَنا
وتَمَّ إعدامُ الأمَانَ
يَذبَحُنا كُلُّ مَن يُصَادِفُ عُريَنا
وانكِسارَنا
وارتِعاشَاتِ حَناجِرِنا
صَار المَوتُ يُعَلّبُنا بِلا أَكفَانٍ
وَأَصبَحَ العَالَمُ بِلا أَجفَانٍ
يُطَارِدُنا مَن كُنّا نَأنَسُ لَهُ
وَنَتَقَاسَمُ مَعَهُ خُبزَ أُمِّنَا
دَمُنا يُسَابِقُنا
أرجُلُنا تُلاحِقُنا
وأنفَاسُنا تَتَخَلَّى عَنَّا
تَقطِفُنا الأَشجَارُ مِن تَحتِ ظِلالِها
تَرجِمُنا السَّمَاءُ
وَتَخطُفُنا الضّواري
والمطَرُ يَزدَرِدُ شِفَاهَنا
والأرضُ مِن تَحتِنا
تَغُوصُ في شَدَقِ الانحِدَارَاتِ
كُلُّ شَيءٍ يَنحَدِرُ بِنا
إلى قِيعَانِ التَّوَحُّشِ
وَكُلَّمَا بَزَغَ ضَوءٌ
في رَحَى الفَجِيعَةِ
اِمتَدٌَت إِلَيهِ ألسِنَةُ العَتمَةِ
لا شَيءَ يُؤوي لُهَاثَنا
لا شَيءَ يُشفِقُ على ذِكرَانا
صُرنَا..
وَكَأنْ لا وُجُودَ لَنَا
لا أدِلَّةَ عِندَنا
على أنَّنا مِن خَلقِ اللهِ
الأُخوَةُ العَرَبُ يَتَشَاجَرُونَ
وَيَختَلِفُونَ وَيَتَقَاطَعُونَ
وَيَتَوَزَّعُونَ على أَحضَانِ الأَعدَاءِ
لِأنَّهُمُ اْختَلَفُوا فِيمَا بَينَهُم
على طَرِيقَةِ قَتلِنا وَمَوتِنا وَتَشَرُّدِنا
أَنَذبَحُ بِالسِكِّينِ أَم بَالسَيفِ؟!
أَنَمُوتُ عَطَشَاً أَم جُوعَاً؟!
أَنَغتَصِبُ الرّجَالَ أوَّلاً
أَمِ النِّسَاء؟!
لا أَمَلَ لنا في الإنسَانيَّةِ الجّوفَاءِ
بَعَدَ هَذَا اليَومِ
أَغِيثُونا يا ملائِكَةَ اللهِ
أَو يا شَياطِينَ الجَحيمِ
فَأنتُمُ مَلاذُنا الأَخِيرُ
وَأَنتُمُ المُرتَجَى لِخَلاصِنا
نَحنُ أَبنَاءَ سُورِيٌةَ
الأَبِيَّةَ وَالعَصِيَّةَ.*
إسطنبول
* سُورَةُ الهَوَانِ..
بَعدَ قَليلٍ
تُعِدُّونَ الرِّحَالَ
وتُغادرونَ الكَوكبَ
هُنا الآن..
في حَضرَتِنا قادَتُكُم
نَعقِدُ مَعَهُم الصَّفقَةَ
مُقَابِلَ بُضعَةِ أقراصٍ مِنَ (الفياغرا)
سَتَترُكونَ لنا هذا التّرابَ
الذي يُغَبِّرُكُم
سَتَترُكونَ لنا هذهِ المِياهَ
التي تُبَلِّلُكُم وتُضايِقُكُم
سَتَترُكونَ لنا هذهِ الأشجارَ
التي تُسقِطُ أوراقُها وسخَكُم
سَتَترُكونَ لنا هذا الهَواءَ
المُضَمَّخَ برائِحةِ أثمالِكُم
وَترحَلونَ إلى حيثُ
يأمرُكُم قادَتُكُم
سَتَقولونَ بصوتٍ جَهْوَرِيٍّ
مُوَحَّدٍ.. لا نشازَ فيهِ
سَمعَاً وطَاعَةً يا أسيادَنا
الأذلّاءَ
النّابضينَ بالخيانةِ
سَمعاً وطاعةً يا مَن باعُونا
وَفَرَّطوا بسيادةِ البلادِ
سترحلونَ من هُنَا
بلا الأكفانِ
تعيقُ تشرُّدَكم
بلا توابيتَ
تحتاجُ لمن يحملُكم
بلا قبورٍ
لن تجدوا مَن يحفرُها لكم
ويدفنُكُم
سترحلونَ غيرَ مودّعينَ
سوى تلويحةِ التّشفِّي منَّا
تصطحبونَ خيباتِكُم دليلاً
تمتطونَ ظهورَ دمعاتِكم
وتتّجهونَ إلى أقاصي الفناءِ
وكلُّ هذا العراءِ
الممتدِّ أمامكم
هو بالتأكيدِ سيكون لكم
حُدُودُكم تَمتَدُّ
من هضابِ التَّلاشي
إلى براكينِ العَدَمِ
يَحُدُّكُم من كلِّ صوبٍ
الموتُ والهلاكُ
تزرعونَ السَّدِيمَ
تشربونَ نارَ النّيازِك
تتكاثرونَ في الثّقوبِ السّوداءِ
تفترشونَ سخطَ الله
وتنامونَ على خوازيقِ الرِّيحِ
تكتبونَ قصائدَ الغزلِ العُذريِّ
بلغةِ البرزخِ الأصَمِّ
لكُم فضاءُ الظّلماتِ
وبحارُ الكربِ
فلا جزيَّةَ هناكَ تدفعونَها لنا
لقد أعفيناكم منها
لأنَّكم بلا ملامحَ ولا أسماءَ
أولادُكُم ليسوا بأبنائِكُم
لا أبوابَ لكم لتغلِقوها
لا نوافذَ عندَكم
لتحتاجوا إلى ستائرَ
أنتم رمادُ هذا الكونِ
قشورُ ما مضى من أزمنةٍ
عَرَبٌ أنتم
تَدَاعَتْ منكُمُ لغةُ الضّادِ
عرباً كُنتمُ
وتَرصّعت أقدامُكُم وأيايدكُم
بالأصفادِ
عَرَباً ِ ادّعَيتُمُ
لكنّكمُ أضحيتُمُ الآنَ
بلا أوطانٍ أو بلادٍ
كانتِ القدسُ لكمُ
وكانَ الجولانُ لَكمُ
وكانت لكمُ الأمجادُ
واليوم..
ما عاد صلاحُ الدّينِ فيكمُ
لِنَخافَكُم.. ونهابَكم
ونحسبَ لكمُ الحسابَ
لا عمرَ بينَكم.. ولا خالدَ
ولا طارقَ بن زياد
فما ذنبُنا نحنُ بني صهيونَ
وأنتم مَن رضختم
لحكامِكُمُ الخَونَةِ
والأوغاد
لا ذنبَ لنا
إن وجدناكُم خارجَ التَّاريخِ
عربٌ أنتم
تسكنُكمُ الضَّغائنُ
والأحقاد
بلا حربٍ نخوضُها
وبلا مجنزراتٍ أو أحصنةٍ وجياد
وجَدْنا ظهورَ حكامِكم
تنحني لنا فامتطيناها
وسقناها أمامَ العباد
وأعلَنَّا أنَّنا الأسياد
فما ذنبُنا نحنُ يا عربُ؟!
إن أنتم نسيتم
وتخلَّيتم بإرادتكم
عن وصايا رسولكم
ونخوةِ الأجداد
وصرتُمُ من أتفَهِ الأولاد
ومن أحقرِ الأحفاد
غادروا هذهِ الأرضَ
ماعادَ لكم ببننا
مكاناً أو مقاماً
الوطنُ العربيُّ
صار لنا أرضَ المِيعَاد.*
إسطنبول
* أسوارُ الحرائق..
سَأَكُفُّ عَن مُطَارَدَةِ الوَقتِ
فَقَد أَنهَكتُ الزَّمَانَ
مِنَ الهُرُوبِ مِنِّي
وَأَتعَبتُ اللَّيَالِي
مِنَ التَّخفِّي عَنِ النّومِ
النَّهَارُ اْحتَرَقَت رُمُوشُهُ
وَهُو يُحَدِّقُ بِصَرخَتِي
الفُصُولُ انكَمَشَت عَلَيهَا الأَرضُ
والجِهَاتُ تَكَوَّمَت تَحتَ غُربَتِي
البَحرُ خانَ مَاءَهُ
المَوجُ رَمَّدَ رَذَاذَهُ
الشّطآنُ اغتَالَت رِمَالَهَا
وَسَمَكُ القِرشِ يَنهُشُ ضحكَتِي
كُلُّ الأَسمَاءِ تَدَاعَت مَعَانِيهَا
والقَصِيدَةُ أَوقَعَتنِي فِي شِبَاكِ الصَّمتِ
صَارَت لُغَتِي وَبَالاً عَلَى لِسَانِي
تَتَرَصَّدُنِي الأَحرُفُ
فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِن زَوَايَا حَنِينِي
السّمَاءُ صَحنٌ مِنَ البِلَّورِ
تَهَشَّمَ فَوقَ شَهقَتِي
وَالغَيمُ يُهَاجِمُ ضَيَاعِي
وَالمَوتُ
هَذَا المَخلُوقُ الأَسوَدُ
يُبَاعُ وَيُشرَى فِي بِلَادِي
الَّتِي صُلِبَت أَسوَارُهَا
عَلَى أَعمِدَةِ الخَرَابِ.*
إسطنبول
* هل كان؟!
هل كانَ عُمري لِي
أم كنتُ أحيا من دونِهِ؟!
وهل كنتُ أملِكُ
من حياتي سوى موتي؟!
كَمْ كنتُ أحتاجُ إلى جسدي
وأنادِيهِ فلا ألقاهُ
أفتِّشُ عن قلبي
في رمادِ الحنينِ
وأبحثُ عن دمي
في نزيفِ الرُّوحِ
أنا عِشتُ من دونِ
أن أكونَ
ما وجَدتُني أحضُنُ صوتي
وأغفو
على همساتِ الأصابعِ
ولا بَلَّلَ النَّدى ناري
كنتُ أحمِلُ أحجارَ مَرارتي
لِأُشَيَّدَ مِنها قصيدتي
وكانَ الظَّلامُ يداهِمُ
نوافِذيَ العمياءَ
لم أحظَ بالفرحَةِ
إلَّا وتناثرتْ على أرصِفَةِ
البُكَاءِ
لَمْ أَتَلَمَّسْ دربي
إلَّا وَتَآكَلَتِ الجهاتُ
والقُبلَةُ
وَقَفَتْ على بابي
ثُمَّ تَكَسَّرتْ عندَ العَتَبَةِ
لا الحبُّ ينساني
ولا أنا أطالُهُ
فكم موتاً أنا عَرَفتُ
وذاقَ مِنِّي طَعمَ أحلامي
الحُرمانُ كانَ يُعَرِّشُ
في سمائي
الجوعُ كانَ يَسكُنُ
خطواتي
والغُربةُ كانت عُنواني
بلا وطنٍ صارَ وطني
وبلا عماراتٍ أمسَتْ مَدِينتي
وبلا شعبٍ
ظَلَّ الخرابُ يَنمُو.*
إسطنبول
* زَغَارِيدُ الزَّيزَفُونِ..
تَهْوِي عَلَيَّ المَسَافَاتُ
تُبعِدُنِي عَنْ جُذُورِي
تَقْتَلِعُ سَمَائِي مِنْ أَيدِي أُمِّي
وَتَنْثُرُ أيَّامِي على صَحرَاءِ الجَحِيمِ
وَأَرَى دَمِيَ خَارِجَ أَورِدَتِي
يَشقَى..
وَيَبحَثُ عَنْ رِكنٍ ظَلِيلٍ
أو جِدَارٍ رَحِيْمٍ
يُطعِمُ مَوتِي نَبضَ النَّدَى
وَيُجِيْرُنِي مِنْ عَاصِفَةٍ تَكرَهُنِي
تُرِيدُ أنْ تَصلُبَ لُغَتِي
وَتَخبُزَ حُلُمِي
لِتُطعِمَهُ لِسَنَابِكِ الخَرَابِ
الَّذي يُلاحِقُ هَوِّيَتي
أَينَمَا أَشعَلتُ أَموَاجِي
وَأَعدَدتُ مَرَاكِبَ غُيُومِي
النَّارُ تُقَشِّرُ لَهفَتِي
وَتَكتُبُ اسمي على قَوسِ الهَزِيمَةِ
فِي وَطَنِي..
كَانَ النَّهَارُ أَبيَضَ
وَكَانَ المَاءُ يُبَلِّلُ الرُّوحَ
وَلَمْ يَكُنْ
اليَاسَمِيْنُ مُظلِمَ الرَّائِحَةِ
فِي وَطَنِي..
كَانَتِ الأرضُ تُغَنِّي لِلخُطَى
وَمَا كُنَّا نَتْعَبُ مِنْ حَصَادِ
القُبُلاتِ
في مَوَاسِمِ العِشقِ النَدِيَّةِ
إنَّمَا وَيْلاتُ الحَربِ
اجتَاحَتْ زَغَارِيدَ الزَّيزَفُونِ
وَتَدَفَّقَ المُوتُ
على رِحَابِ وَطَنِي.*
إسطنبول
* رايتي البيضاء..
حينَ أهربُ منكِ
تصطادُني خطايَ
وتعيدُني إلى زنزانةِ حبِّكِ
لا أقوى على الابتعادِ
عنكِ..
ولا يجرؤُ قلبي على التّوقفِ
عن الخفقانِ باسمِكِ
أنا أسيرُكِ
من دونِ حربٍ
وجدتُني أسلمكِ نفسي
شيَّدتُ بقصائدي سجنَكِ
بإرادتي أوثقتُ روحي
وجعلتُ من نفسي
مخبراً سرِّيَّاً لصالحِكِ
أتجسّسُ على تمردي عليكِ
وَوَكَّلتُ خلايايَ بمراقبتي
وحينَ أتوجَّسُ من نفسي
أُفشي بأسراري إليكِ
سأظلُّ مرهوناً بهذا المعتقلِ
ولن أطلبَ من أحدٍ
أن يفكَّ أسري
حتى إن وهنت عظامي
خارجَ عتمتِكِ أنا لا أبصرُ
بعيداً عن نوافذِكِ المغلقةِ
أنا لا أستطيعُ التّنفّسَ
حرّيتي في احتجازي عندكِ
حياتي في موتيَ الشّهيِّ
في مقبرةِ سطوتِكِ
نارُكِ عالميَ الأثيرُ
عذابُكِ فرحتي القصوى
وهجرُكِ هو المدى
الذي أدقُّ بابَهُ
أهديكِ عنقي لتذبحيهِ
ودمي لتسفحيهِ
وقصائدي لتستندي
على حروفِها حينَ تشيخينَ
أعطيكِ من عمري
كلَّ الشّموعِ
ومن اخضراري
ما يجعلُكِ تثمرينَ
ومن مائي
ما تروينَ به يباسَ قلبِكِ
أحبُّكِ..
والكلماتُ أغرورقت بحنينِها
يا قاتلتي
من يومِ أن تفجّرت عندكِ
أمواجُ الأنوثةِ
وكنتُ عندَ الشاطئ
أصطادُ السّحرَ واللازوردَ
فتاهت مراكبي
وتهافتت أشرعتي
وصرتُ عصفوراً في قفصِكِ
لا أرغبُ بالطيرانِ
ما عدتُ أطيقُ أجنحتي
حيثُ رميتها على رملِكِ
وأقفلتُ بابَكِ
على حلمي
لأبقى في قبضتِكِ
إلى الأبدِ.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - نجم
02 - أنا لا أغيب
03 - صفيح الغربة
04 - أنا السّفاح الأول
05 - تأبد الخراب
06 - إمارة
07 - وينبعث الخراب
08 - ولكِ أن تختاري
09 - افتراض
10 - مكابرة
11 - مقام القصيدة
12 - وصايا الجرح
13 - ما يحدث الآن
14 - وتقول لي الأيام
15 - آخر الكلمات
16 - تاج السراب
17 - لستِ لي
18 - مطر الخيانة
19 - معزوفات الليل
20 - أمّ الأكوان حلب
21 - نموت لنبقى
22 - إشفاق
23 - الروح
24 - مشارف الندى
25 - عطش الصدى
26 - سورة الهوان
27 - أسوار الحرائق
28 - هل كان؟
29 - زغاريد الزّيزفون
30 - رايتي البيضاء
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى