ياسر أنور - دلالات أسلوب الاشتغال في النحو

شغلت قضية الاشتغال في النحو الكثيرين منذ نشأة علم النحو وإلى الآن، ولكنها أي قضية الأشغال كانت محصورة في المستوى التركيبي و أجزائه، و في العامل و أنواعه، وكذلك حالات الإعراب. ومع ذلك، فقد كان الاهتمام البلاغي بأسلوب الاشتغال ودلالاته قليلا بشكل ملحوظ، كما جاءت الدراسات التي تناولت فكرة دلالات اسلوب الاشتغال على طريقة صب الخمر القديمة في زجاجات جديدة، فهي لم تتجاوز عبارات التأكيد و التخصيص وغير ذلك من الكليشيهات البلاغية التي لا تضيف شيئا ذا بال. فهل يمكن أن نعيد قراءة هذا الباب، ربما نستطيع أن نضيف شيئا يتعلق ببعض دلالات الاشتغال؟ لكن لكي نبحث عن الدلالة بشكل عام، لابد أن نتفق على أن الجملة العربية لا تصاغ من طرف واحد هو المتكلم فحسب، بل تصاغ من خلال طرفين هما المتكلم و(القارئ الضمني)، أو( المستمع الضمني)، وهو ما يسمى المخاطب. فجملة مثل: اشتريت الكتاب، تختلف عن جملة الكتاب اشتريت، وكلاهما تختلف عن جملة الكتاب اشتريته، وهذه الأخيرة هي جملة الاشتغال التي تتميز بتقديم الاسم (الكتاب) على الفعل (اشتريت) مع وجود الضمير (الهاء) في جملتنا هذه. والآن نعود إلى قضيتنا وهي الفرق في الدلالة بين الكتاب اشتريت، والكتاب اشتريته بنصب كلمة الكتاب ف الجملة الثانية، وهي الحالة التي نتعرض لها في هذه المقالة. في الجملة الأولى وهي حالة تقديم المفعول على الفعل والتي تفيد وفقا التخصيص كما يسميها علماء البلاغة ، وهو مصطلح دقيق بلا شك، التخصيص (مع إقحام المستمع الضمني أو القارئ الضمني في الحوار مع المتكلم)، يعتي أن المتوقع هو أن ذلك الضمني (يعرف) ان ثمة بدائل تتعلق بالاسم كانت أمام المتكلم مع وجود فعل واحد هو يشتري، وهي(البدائل) مثلا أن بشتري قلما أو كراسة أو كتابا، فجاء الرد من المتكلم بأن الكتاب هو الذي وقع عليه فعل الشراء، فالبدائل هنا في الاسم أو المفعول، أما في حالة : الكتاب اشتريته، فإن المخاطب هنا أو المستمع الضمني، يعرف أن الكتاب هو مقصود المتكلم، لكنه يحار في بدائل الفعل، و كأن المعنى جاء ردا على سؤال : الكتاب، ماذا فعلت به؟ تركته - وضعته - أعدته- اشتريته؟ فتجيء الإجابة : الكتاب اشتريته. ويمكن فهم بعض آيات القرآن من خلال تلك الدلالة في قوله تعالى مثلا : والأرض بعد ذلك دحاها، كأنها جاءت ردا على سؤال : وماذا عن الأرض، ماذا فعل الله بها؟ فجاء الرد :و الأرض بعد ذلك دحاها. فالأرض كانت موجودة في ذلك الوقت عند بناء السماء، و ما حدث لها هو أن الله تعالى دحاها. ويمكن أن نستنتج من ذلك أنه في حالة النصب هذه لا يمكن نصب كلمة الأرض بعامل يفهم من الفعل دحا كما قال كثير من النحاة، فلا يصح أن يكون المعنى هو دحا الأرض. دحاها، العامل هنا فعل لكن لا يمكن تعيينه لأن القارئ الضمان ينتظر من المتكلم بيان هذا الفعل من مجموعة أفعال ملهمة، وعدم القدرة على تعيين هذا الفعل انتصار لابن مضاء القرطبي في بعض ما يذهب إليه في قضية حذف العامل. وفي النهاية، فإن هناك الكثير من الآيات التي يمكن قراءتها من خلال هذه الدلالة.
و أخيرا، فإن باب الاشتغال لم ينل ما هو جدير به من دراسات بلاغية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى