بسام علي الربابعة - الترجمة والمثاقفة

لا شك أن الترجمة بين اللغات المختلقة - التي كانت على مر العصور والأزمان أهم وسيلة للمثاقفة بين الأمم والشعوب - أضحت تحظى بمكانة مرموقة وتضطلع بدور كبير في معرفة الآخر والانفتاح عليه؛ فليس من المعقول أن نبقى في منأى عن الآخرين و نحن نعيش في قرية صغيرة، بل يجب علينا أن نبادر إلى التواصل مع الأمم والشعوب الأخرى، ومعرفة لغاتهم وثقافاتهم وآدابهم وعلومهم المختلفة، والاستراتيجيات التي ينتهجونها والطريقة التي يفكرون بها، وكل هذه الأمور توجب علينا أن نبادر إلى فتح الأبواب الموصدة والانفتاح على الآخرين، وهذا لن يكون إلا بالترجمة، التي أصبحت تحتل دورا كبيرا في الحراك الثقافي ومعرفة الآخر والتواصل معه.

إن حركة الترجمة بين العربية والفارسية التي بدأها عبد الله بن المقفع بترجمة كتاب " كليلة ودمنة" أثمرت عن ترجمة العديد من الكتب منذ ذلك الزمان وحتى أيامنا هذه، إلا أن حركة الترجمة هذه تعاني الكثير من العلل، ويعترض طريقها العديد من المعضلات؛ وفي النتيجة فإن عدد الكتب التي تترجم من اللغة الفارسية إلى العربية قليل جدا، وهذا يعود إلى جملة من الأسباب لعل أبرزها القطيعة السياسية، وسبب جوهري آخر ألا وهو أن القلة القليلة من العرب هم وحدهم الذين يعرفون اللغة الفارسية، على الرغم من كوننا الأقرب تاريخيا وثقافيا وجغرافيا إلى الفرس ولغتهم.

حقيقة إن في الثقافة الفارسية وآدابها الكثير من الكنوز والروائع الأدبية التي تستحق الترجمة والنقل إلى اللغة العربية؛ فالأدب الفارسي أدب غني وجميل سواء كان الأدب الكلاسيكي أو الأدب المعاصر الذي نكاد نجهله في عالمنا العربي، والذي غفلنا عنه في الجامعات العربية، ومن هنا فإنني أرى أن الكتب الأدبية والثقافية هي الأكثر إلحاحا، والتي آمل أن نعنى بها عناية خاصة.

إن الترجمة والنقل عن اللغات الأخرى ونقل المعرفة والمساهمة في المثاقفة بين الأمم والشعوب الأخرى أضحت مطلبا حضاريا وفكريا، ونحن ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى الدور الكبير والمهمة العظيمة، التي تقع على عاتق الترجمة في المثاقفة وتلاقح الأفكار وتلاقيها وصقلها من خلال فكرة حوار الحضارات لا صراعها، ومن ثم فإن الترجمة تشكل نطفة جديدة في عالم العولمة وحوار الحضارات وتواصلها وتلاقيها لا تناحرها وتصارعها.
مما لا شك فيه أن هنالك فجوة كبيرة في الترجمة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية؛ إذ إن كل ما يترجم في العالم العربي لا يكاد يذكر مقايسة مع ما يترجم في الدول الأخرى، ومن هنا ونظرا للحاجة الماسة إلى انعاش حركة الترجمة في العالم العربي فقد أنشئت في مطلع هذا القرن مؤسسات ومنظمات وهيئات مختلفة عنيت بالترجمة، وأخذت على عاتقها مهمة الترجمة والنقل إلى العربية من اللغات الأخرى، وهذه المشاريع الكبيرة تستحق الشكر و التقدير والثناء،وهي نقطة لافتة في حركة إحياء الترجمة في العالم العربي في القرن الحادي والعشرين، نتمنى لها الدوام والاستمرار والتوفيق في هذه المهمة الشاقة التي تضطلع بها، ومن المؤكد أن هذه المشاريع تستنهض همم المترجمين، وتحثهم على المشاركة فيها وإغناء حركة الترجمة في العالم العربي التي أصيبت بمعضلات كثيرة، ورفدها بالكتب النافعة المفيدة في شتى المجالات حتى تسد فراغا كبيرا في المكتبة العربية، ومن ثم المساهمة في حوار الحضارات ومعرفة الآخر والانفتاح عليه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى