محمد نوري جواد - الضمير والنص والمتلقي..

عودة الضمير تقنية تدعو المتلقي أن يسلك مسار الاستدلال, والاستدلال يبحث عن مرجعية الضمير؛ لأن مرجعياته تختلف في مواقعها, فالأكثر هو تقدم المرجع على الضمير, وقليلا ما يأتي لاحقا, وقد تكون مرجعية الضمير مقامية أي: خارج النص, فالاستعمال هو الذي يحدد نوع إحالته, وانفتاح النص على أكثر من مرجع للضمير يدخل النص في مجال التأويل وذلك يبقي أفق الحركة الدلالية مفتوحا لقراءات جديدة, مثال ذلك قوله تعالى ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ). إذا نظرنا إلى الضمير الهاء في كلمة (صرفناه) متبعين ما جاء قبل هذا الكلام قلنا أن الهاء تعود إلى كلمة (الماء), فيكون التصريف للماء, والمراد هنا تغيير أحواله, والمعنى: أنزلنا المطر في جهات ومناطق مختلفة من الأرض، ووزعناه بين الناس ليتذكروا هذه النعمة العظمى, وقال بعضهم هو عائد إلى كلمة (الريح) التي سبقت كلمة (الماء), والمعنى: صرفنا الرياح, وفي ذلك عودة الضمير على اسم سابق.
وإذا استكملنا النص وجدنا إحالة أخرى للضمير في قوله تعالى (وَجَاهِدْهُم بِهِ) فهو لا يجاهدهم بالماء وإنما بالقرآن الكريم, أي: قمنا بالنظر إلى النص كله, والمعنى: صرفنا القرآن, ويؤيد هذا المعنى هو أن هذا التعبير (بصيغة الفعل الماضي والمضارع) ورد في عشرة مواضع من القرآن المجيد، حيث أُرجع في تسعة مواضع إلى آيات القرآن وبياناته صراحة، وأُتبع بجملة (ليذكروا) أو ما يشابهها في موارد متعددة. وهذه حالة فرضها السياق اللاحق للضمير.
إن كلمة (الماء) ودلالاتها جزء من المعاني التي وردت في القرآن الكريم, وتحتوي كلمة الماء على التطهير المادي, والقرآن الكريم على التطهير الروحي؛ لذا قال بعضهم إن الضمير يعود على كل ذلك .
وقد تكون مرجعية الضمير مقامية خارج النص كقوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ومعناه: قبض وجهه وأعرض , وليس المراد هنا من هو على خلق عظيم, وإنما جاء هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى