نصوص بقلم كفاح الزهاوي

بدأت استار الليل تهبط رويدا رويدا، والغرفة مظلمة قليلا في هذا الوقت من الغسق. أخذت أصوات زقزقات العصافير تسكن شيئا فشيئا في عتمة الليل وتختفي من الأفق، وتوارت عن الأنظار واختبأت في مضاجعها لتأخذ قسطا من الراحة في أعشاشها،بينما نشيج الثكالى تقذف من عمق الفؤاد تراتيل من الهموم لتسكن في أعماق...
كانت عيناها، ممتلئة بالدموع، وتصرخ كالطفل الرضيع، توقا، لثدي أمها، ونظراتها القلقة، لم تفارق تلك اللوحة، المعلقة على الجدران الممزقة من هول الرطوبة، التي كادت ان تنخر أحشاء البيت... كانت الأمطار الغزيرة، تهطل كأفواه النوافير، وتتسرب عبر ثقوب النافذة العتيقة، لتحول إطار النافذة، الى ساقية...
كان الغسق رمادي أزرق في الهزيع الأول من الليل. قطرات الندى تستكين في مضجعها على الوريقات المتساقطة من اغصان الاشجار المبعثرة في غابة من النسيان. والاضواء الخافتة من الاعمدة المتراصة على جانبي الطريق، تعكس بنورها في تلك الحفرة المتروكة على حافة الرصيف، حيث امتلأت بمياه الأمطار التي اجتاحت المدينة...
في الوقت التي تنشر فيها أشعة الشمس ، شهر نيسان ، ألوانها الدافئة ، كانت ساعات الزمن ، تتضاءل مع هبوط الليل. تتحرك الأجساد ، في حذر ، وحيطة ، تلاحقها العيون المزروعة ، في كل شارع وأزقة ، تشعر بكابوس مخيف ، يوقف حركة الحياة ، يداهم الاجساد ، يجثم على الانفاس ، يشل الطاقات المنتجة ، وكأن الوجود...
كانت الغيوم المتناثرة في فسحة السماء، عاجزة عن حجب حضور الشمس وظهورها، وهي تصب بأشعتها البنفسجية على أجساد الكون العارية. والصخور القابعة منذ آلاف السنين في تلك البقعة النائية تفرز من أجسادها مخزون الحر، حيث تبدو على مرمى البصر كأنها ألسِنة نيران بيضاء أو أبخرة ماء مغلي قد انبلجت وتصاعدت رويدا...
كانت شمس الصباح الساطعة بدفئها الخجول، ترسل أسارير ضياءها، عبر كوة النافذة العتيقة، الى داخل الغرفة الباردة. وخرير الماء المتدفق، من بين اخاديد الصخور الازلية، يتسلل عبر الاثير، الى الاذن كصوت تصدع الجبل، بينما هزيز الريح، يرن كطنين الذباب، في مسامعه، مما أعاقه من الاستمرار في حلمه الفريد...
لم أشعر بالرهبة من خطوتك الاولى نحو غابات هواجسي لكن رياح سطوتك امحت من ذاكرتي هربت من صخب الزمان نحو واحة الامان كي اجد في هواكِ راحة البال لا السنة نار تضرم أوصالي سئمت متاهات الدهر و أنين...
البلابل تجمعت في لوحة سريالية تسكب الحانا لتروي عطش الحياة وغريب منسيٌ يقبع على ساحل موحل يمسك الناي بحرقة وانين يعزف لحنا يحرك البحر الساكن فترقص الامواج عصفور يبحث عن ملجأ في الفراغ يلتقط نغمات هادرة يتهاوى رنين شدوها الى مسامعه يسقط...
سارعت أسراب من خفافيش الليل، باقتحام السماء وقت الغروب، وهم يتحلقون في فضائها، كطائرات الشبح في سرب غير متجانس، تبدو للناظر، كأنها لوحة متشابكة المعالم، لفنان اربكه صخب الزمان، فغطى الورقة البيضاء، بصبغة سوداء، ومن اجنحة الخفافيش المتراصة صُنعت جداراً صار فاصلاً بين السماء والأرض، فحجبت الغسق...
هواجس كئيبة كفاح الزهاوي كان يصف نفسه رجلا مبهما يطارد الظلال، يبحث بين طيات الأسفار ضياع ساعات العمر. بحور من الجروح، تسبح في عالم الانين، تتنفس نسمات من الهواء الشجن، عبر جمرات المحن . القطارات القديمة، تتسابق مع الريح عبر تلك الغابات المنسية، تصدر ضجيجا ثقيلا، يصطدم...
كنا أطفالا صغارا ننام على السطوح المنبسطة لبيوتنا في الصيف ليلا، ونرى النجوم المتناثرة فوقنا في السماء ، تتلألأ ببريقها، مع ضوء القمر. ما ان ارتفعت الشمس في السماء صباحا حتى تفيض وتنشر بحرارتها على سطوح المنازل، فتغرق الوجوه والأجساد. فتدب فيها الحياة، واستيقظ في وهج وردي. اذهب الى المدرسة،...
في غمرة التلهف للقاء القمر، بعد أن غاب عن الظهور دهراً من المحن. يتصاعد شوقي متناغما مع القلق كلما تسربت خطوط ضوء القمر، عبر تناثر الغيوم المتفرقة في سماء عاتية، نحو تلك الحدود المسيجة بأسوار الشجن، تصبح الصورة واضحة المعالم في دجى الليل. كنت أشعر بأن حياتي قد ابتدأت، وان ذكرياتي المدفونة...
أقبل الخريف فجأة، بعد ان تنحى الربيع والصيف عن دورتهم، وتركوا بصماتهم على سطح الأرض، من السحر، والجمال، والماء العذب، وعبق رائحة الأرض، حيث زرعوا البهجة، والحياة الخضراء، للإنسان، والزهور، والطيور، والعصافير المغردة، و تمتعت الحيوانات البرية، وهي تمرح، وتسرح، في المراعي، و الأدغال، والسهول،...
أعلى