جمال الدين علي الحاج

وأنت تمشي وحدك في العتمة مختالا كشمعة; تتلاعب بك ريح النشوة وعلى شفتيك يسيل طعم القبلة التي ارتشفتها خلسة من فم العدم. لا تكترث بالكلب الذي كشر عن أنيابه وبدأ متأهبا للدفاع عن حرمة الشارع. ذلك الكلب المتحفز عندما مررت به وسمعك تترنم بمقطع أنشودة الجن( قم يا طرير الشباب غني لنا غني وأعصر لي...
كان الوقت هزيع ليل والظلام قد أنهى للتو لف القرية بثوبه الأسود. وكان السكون الواقف على أهبة يصب مزيدا من العتمة كلما تناهي الى مسامعه شخيب الطلمبات وهي تشفط مياه النيل بتواطو تام مع القمر الذي غاب عن الحضور متحججا بسوء الاحوال الجوية. في هذا الجو الكئيب المنذر بقدوم العاصفة يقاتل حميدة وحده...
بعد أن اختطفتني عنقاء الغربة وحملني جناحاها الأسطوريان وحلقا بي في سموات بعيدة. شرقية وغربية. لعقت شفتيها وقد امتصت رحيق عمري ومن ثم فتحت نافذة زمن الضياع ورمتني منتوف الأعضاء مثلما تسقط الحديا ريش العصفور الصغير. وجدت نفسي أقف أمام باب الدار التي نشأت وترعرعت فيها. دار جدي لأمي محمد ود عوض...
ذات يوم صنعت لي أمي دمية صغيرة من سيقان الذرة اليابسة . صممت الهيكل كما يجب . رأس مستدير ومرفوع لأعلى . اليدان مشرعتان والساقان طويلان ومستديران . انتزعت أمي خصل من شعر رأسها كانت ملتصقة بالمشط وثبتتها برأس الدمية فأصبح لها شعر طويل . بقلم الفحم رسمت أمي على رأس الدمية عينين سوداوين واسعتين . و...
ها نحن أخيرا. أنا وأنت فقط وسط هذا الصمت المهيب. لقد رحلوا جمعيا وتركونا وحدنا. لا. لسنا كذلك; ثمة أجساد ممددة في أسرتها الباردة الخالية من الأحلام. لا تقلقي حبيبتي لن يسببوا لنا أي ازعاج; أعدك بذلك. هم منشغلون الآن في عالم ثان. لا داعي للعجلة سننضم إليهم بعد قليل. بعد أن أرتشف رشفة من...
تريدون قصة; حسنا إليكم ما حدث ولكن لا يجب أن تعولوا كثيرا على الترهات التي سأوردها هنا; اذ لا تأكيد على مصداقيتي البتة; عليكم بمشاهدة الحدث مباشر في نشرة المساء; فأنا بعد الذي وقع بت أنظر للأشياء من حولي بما فيها الحياة باحتمالية وليس يقين. ربما كنت أهذي; عن نفسي لم أكن مدركا لما كان يحصل معي...
لا أدري. هكذا هبط النصيب فجأة من السماء في شكل رجل طويل ونحيل وقد جاء خاطبا يدها. أسبلت عينيها بحركة لا إرادية; حين سألها أبوها عن رأيها في العريس. - لقطة. أجابت أمها نيابة عنها. أما هي; فلم تتب عيناها من هذا الفعل المنكر أو أنها أدمنت الانكسار في مواجهة سطوة الجسد ومتطلباته البيلوجية. كررت...
حين كانت كافتريا هافانا بالخرطوم تقدم عصير جوز الهند بنفس طعم رقصة السالسا في شوارع هافانا. ويقدم مطعم بابا كوستا النبيذ اليوناني الفاخر بنفس نكهته المعتقة في حانات أثينا. وتعزف فرقة جاز الديم معزوفة (جيني كي) أقبل الليل من ردهة مطعم الهابي لاند العائم على سطح النيل الأزرق فيطرب سكان مدينتى كوبر...
هذا ما حصل بالضبط وليخسف بي الله إلى سابع أرض. مارادونا قال في تلك اللعبة أنها يد الله أما هو فقد قال أنه يد الله ولم يرف له جفن. لا أعرف أين أنا وما الذي أتى بي إلى هنا بل لا أعرف كم من الوقت مضى وأنا أعب زجاجات الخمر في خيالي حتى ثملت تماما وبات عقلي مشوشا و لساني ثقيلا. تتراقص الجدران بنظري...
تمددت على ظهري بالشط محدقا في السماء. وماخوذا بالسكون القادم من ضوء القمر و النجوم دون أن أفكر بأي شيء. كنت وحيدا بين النيل والليل. وكان القمر يسبح في الفضاء بلا هدف. فراحت عيناي المأخوذتين تراقبانه. يشدهما اليه بخيط رفيع من النور. أذناي ترهفان السمع لضرباته علي سطح السماء. فلا تبصر عيناي سوى...
صرخة الصبي ايفان المدوية; روعت سرب غربان القيظ الرابض بالشاطئ في انتظار هبوب رياح الخريف لتسوقه معها في هجرتها الموسمية غربا الى سهول أوربا العطشى; و التي تنتظر وصولها في كل موسم بفارغ الصبر. وهرول نجار المراكب العجوز ميخائيل برفقة مجموعة من الصيادين الذين كانوا منهمكين منذ الصباح الباكر في...
الأفكار الشريرة تطّن في رأسه كذبابة مزعجة; لم تفلح الريح التي صفقت النافذة في طردها. يفصله عن تجرع طعم المرارة غصة وقفت في حلقه. كلمات أمه المواسية ( أنسها يا ولدي; غدا سأجد لك أجمل منها). تزيد من حنقه على الدنيا. لماذا تفعل الحياة هكذا معي؟ يتساءل و الأحاديث القديمة التي كان يسمعها وهو صغير...
في محطة سير القطار المتجه من جنوب فرنسا لجبهة القتال الشرقية; توقف القطار المعبأ بالجنود والآت القتل. الرجال على الرصيف يهتفون. والنساء ينثرن صلواتهن ودموعهن مع حبات الأرز وزهور الفل. والجنود من النوافذ يلوحون بقباتعهم بيد; وبأصابع اليد الأخرى يرفعون علامة النصر. وأسلحتهم قلادة قتل تتدلى على...
بعد أن اختطفتني عنقاء الغربة وحملني جناحاها الأسطوريان وحلقا بي في سموات بعيدة. شرقية وغربية. لعقت شفتيها وقد امتصت رحيق عمري ومن ثم فتحت نافذة زمن الضياع ورمتني منتوف الأعضاء مثلما تسقط الحديا ريش العصفور الصغير. وجدت نفسي أقف أمام باب الدار التي نشأت وترعرعت فيها. دار جدي لأمي محمد ود عوض...
التقيت بها عند المرفأ القديم. كنت ذاهبا لتفقد قاربي بعد العاصفة التي ضربت بقوة في الليلة الفائتة. فقد ظل البحر طوال الليل يتقيأ غضبه بالشط. حين قابلت العجوز شارلي جالسا مع خمسة أو ستة بحارة خارج الحانة أدركت سوء يومي. هتف العجوز وكحة كحة جافة نفثها من صدره الملي بالدخان كافراغك كيس تبن أمام...

هذا الملف

نصوص
62
آخر تحديث
أعلى