جميلة شحادة

أخشى هذا الكشفَ. قلتْ للطّبيبْ. غطَّى جزعي بابتسامتهِ وقال: لا ألمَ، لا دمَ، ستسمعينَ صوتاً فقطْ. قلتُ له: كمْ يُزعِجُني هذا الصّوتْ! قال: لا تتحرّكي، إهدَئي، استرخي فقطْ. لم يَفهمْني الطبيبُ؛ لا شأنَ له بوجعِ القلبْ كيفَ اشرحُ له؟ أنَّ جهازَهُ هذا برنينهِ المغناطيسيّ، سيتجولُ بينَ تلافيف عقْلي،...
غيداءُ تلْهو وتَضحكُ وخُصُلاتِ شَعرِها في الهواءِ تطيرْ تَحلُمُ وترسِمُ أحلامَها على العَوْسَجِ وعلى قُصاصاتِ حَرير. فَرِحَةٌ هي بأحلامِها، توَّاقةٌ لِنثرِها زنابقَ ونرجسَ وأزاهيرْ على آلامِ الطفولةِ، وجراحِ العمرِ، فطبيبةً هي تنوي أن تَصيرْ. وعندما كانتْ تنهلُ وتوأمتُها من موردِ العلمِ أمانًا...
لقد صدمْتني بتغيير عنوانكَ فجأة، ودون إشارة مسبقة لذلك، أستاذ شاكر حسن اغبارية. لقد نويتُ أن أرسل لك، كما طلبت مني، أحد إصداراتي التي لم تكتب عنها بعد على عنوانك الذي زوّدتني به قبل ست سنوات. ما زلتُ أحتفظ بعنوانك هذا، تمامًا كما زوّدتني به: شاكر فريد حسن، ص.ب ... شارع مصمص، طلعة عارة، منطقة...
ما زلتُ أحتفظ في رفٍ من رفوف ذاكرتي بمشهد نجاة وهي تنتحب وتلوّح بيدها مهددة "دافيد" تارة، ولاعنة إياه تارة أخرى، بينما أحد المدرسّين يمسك بذراعها اليسرى، يحاول السيطرة عليها، ويبذل جهدا ليباعد بينها وبين "دافيد" هذا. المشهد ذاته يعود ليفرض نفسه على ذاكرتي كل سنة بحلول فصل الربيع، أيام تصفو...
"تبقى العائلة عندما لا يبقى أحد". قالوا لنا. "وحدها العائلة، التي تبقى الى جانبك عندما تلفظك شدائد الأيام ومصاعبها الى قارعة الطريق". علّمونا في الصِّغر. فهل فعلًا ما زالت مضامين هذه الأقوال سارية المفعول في أيامنا هذه في ظلّ التغييرات التي طرأت على شكل وأسلوب حياتنا، وفي ظلّ ما يشهده العصر...
لم تعترض ليلى عندما أخبرها علاء أنه عازم على السفر الى أمريكا. قلبها فقط الذي كان يعترض ويقرع طبول العصيان بخفقات، كافية لأن تعيد الدم مائعا في عروقها كلّما تجمّد مع اقتراب موعد سفره. مرّ شهر وهي تطفئ الحرائق التي تحرق أعصابها عقب كل حرب تنشب بين عقلها وقلبها كل ساعة وكل يوم، الى أن رفع فؤادها...
غامتِ الأشياء أمامها، وخيَّم الصمت على الغرفة لفترةٍ قصيرة من الزمن، بعد أن سمعت الطبيب يخبرها وزوجها بنتائج التحليلات المخبرية، وبما أظهرته صور الأشعة السينية. تنبَّهت منار لصوت زوجها وهو يسأل الطبيب بصوت تخنقه العبرات، تلك العبرات التي لمعت في عينيه العسليتين، وكادت أن تنهمر على خديْه. - وما...
كلما قالوا لها: اتركي مركبتكِ وسيري على قدميكِ نحو هدفكِ، تتخلصين بذلك من أرطال الشحوم التي غزت جسمكِ، وتزاحمت على تشويه ملامحكِ، وأدتْ الى توطين الخبائث في بدنكِ ونفسكِ؛ كانت تجيبهم: - لا أستطيع. كان ادعاؤها في ذلك، أن مركبتها تعينها على اختزال الوقت، وتجنّبها عناء المسير على الأقدام. الى أن...
الى أين ذاهبٌ بنا يا زمنْ؟ لقد أَغْمضْنا أَعيْنَنا، وَمَشيْنا خَلفكَ في طريقٍ نجهلُ آخِرَهُ. هل أخطأنا؟ هل أخطأنا لأنّنا أغمضْنا أعيْنَنا؟ هل أخطأنا لأنّنا بِغيرِ الثّابتِ وَثِقنا؟ لكنَّنا كُنّا مُتعبينَ، مُتعبينَ مِنْ مَشقَّةِ السَّفرْ.. لقد ركِبْنا قِطارَكَ، وألقيْنا بِما يُتعبُنا على المقاعد...
بَدَتْ سعيدة. يشِّع الفرح من عينيها، وتتراقص أمارات الرضا على محياها. كانت تسير برفقته؛ هناك في أحد أكبر المحلات التجارية في المدينة. بتأنٍ، كانت تدفع أمامها عربة المشتريات، وترسم بعطرها الفرنسي طريقا عبِقا وراءها. كانت تنتقي زينة شجرة الميلاد؛ فالعيد، سيحّل على عالمها بعد أسبوع. كانت تجادله في...
سِرْ في الطريقِ. سِرْ ولا تخشَ عتمَه. ربّما أضواؤه مطفأةٌ هذه الليلةَ فقطْ. لا تخفْ! سِر؛ وَلوْ أرخى الليلُ جدائلَه السُّمر على كتفِ المدينةِ، وخلّى ليلَها موحشًا أكثر. تابعْ سيرَكَ، واغمدْ في قلبِ العَتْمِ سيفَ عَزمِكَ. خبيءْ حزنَك في جيبكَ، وأطلقْ ذراعيْكَ وحثّ الخطى. لا تلتفتْ لنقيقِ صراصير...
مَن منّا لا يحب الورود؟! معظمنا يعشقها؛ يعشق أريجها، ويعشق شكلها وألوانها، ويبتهج لرؤيتها. حتى أن البعض منّا قد ينسى همومه إذا ما وقع نظره على وردة اغتسلت بقطرات الندى في الصباح الباكر، أو على أخرى قد غفت آمنة في حضن أمها، أو إذا نظر الى باقة أبدع ماهر في تنسيقها؛ فكيف إذا كانت هذه الورود، ورود...
أيّها المقدسيون سَلامي واحترامي لكمْ بَعْدُ ... أخبروني يا أعزاءُ مَن تكونونَ بربكم؟ كيفَ لَكمْ أنْ تُرغِموني على رفْعِ راية التقديرِ لصغيرِكُم وكبيرِكُم وكهلكم؟ وراية الإجلالِ لنسائِكُم ورجالِكُم؟ قولوا لي من فضلكم: ما سرُّ جريان الشهامةِ والعزةِ في دَمِكمْ؟ ما سر جريان الأصالةِ والكرامةِ في...
دَعُوني أرحلُ بهدوء. لا أوصيكُم بشيء لأنَّ الوَصايا تثْقبُ عباءةَ إخوتي وتُزيلُ الكُحلَ مِنْ عيْنِ شقيقتي دعوني أسيرُ الى مدينةِ الأطفالِ أشاركهُم اللعبَ وما تبقَّى منْ براءتِهم. هناك؛ سأدفنُ كوابيسَ المُدُن هناك؛ سأنامُ حيثُ لا يَقْوى أن يسرقَ النفاقُ مخدتي هناك؛ سأسهرُ ليلتي حتى انبلاج الفجرِ...
قبلَ سنَه، كانتْ ورودُ حديقتي تغفُو في حضنِ أُمِّها ترضَعُ قطراتِ الندَى على مَهلِها، تسْتحمُّ بنورِ الشمسِ، وتتمايلُ بغَنَجٍ على غُصنِها. أَمُرُّ بها، أمسحُ بكَفِّ يدِي رأسَها، أُوَشوشُها.. وأَتركُها للنسيمِ يعانقُ عِطرَها. واليومَ؛ أَمُرُّ بها، لا أَنتبهُ الى جمرِ خدِّها لا يُسكرُني سحرُ...

هذا الملف

نصوص
63
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى