جميلة شحادة

لمحَتْه من بعيد؛ يقف في الطريق التي تجُرُّ خطواتها فيها الى مكان عملها. بدا لها صغيرا جدا، لا يتعدى حجمه حجم جروٍ ساعة ولادته. كان محتملا أن لا تراه، لولا أن لونه الأسود الفاحم، وعينيْه اللتين تقدحان شررا، لفتا انتباهها. مرّت بمحاذاته وقد شعرت بصخرة تجثم على صدرها، وصداع ينهش رأسها. تابعت سيرها...
عِشرونَ قِطارًا، مرُّوا في مَحَطَّتي لمْ يتوقَّفْ واحدٌ مِنهمْ ليُقِلَّني لمْ يَلْحظْ واحدٌ مِنهمْ حَقيبَتي في يَدِي لمْ يَعبأْ واحدٌ منهمْ لتَذكَرةِ سَفَرِي. أمسَكتُها بِيَدِي، نَقشتُ رقمَها في دَمِي حَرِصتُ عليْها مِنْ قطَّاعِ الطُّرقِ ومِنْ هَرْجِ العابرينَ، وصُراخِ الباعَةِ ****** عِشرونَ...
لم أواكب حقبة الزعيم جمال عبد الناصر، لكنني أحببته من السرد الأول الذي سمعته عنه من والدتي، تلك الغريبة بين نساء الحمولة. والغريبة، هو الوصف الذي أطلق على أمي عندما كان يدور الحديث عنها بين نساء الأعمام والعائلة عامة، وذلك لبعدها عن أهلها الموجودين في سوريا. كنتُ في الخامسة من عمري عندما سألت...
أذكر ذلك اليوم جيدًا، كان يوم أربعاء من أيام أيار الحارة، وكانت الساعة قد تجاوزت الخامسة مساءً بعشر دقائق. كنت أجلس وراء طاولة مكتبي في غرفتي، أصارع حلّ المعادلات الرياضية استعدادًا للامتحان في اليوم التالي، وكنت حينها في الصف الثامن. وكأن قلقي من امتحان الرياضيات لم يكن كافيًا، ليدخل والدي عليّ...
قالَ الرجلُ: لا أريدُ أنْ تموتَ زوجتي قبْلي فهي حبيبتي وهي رفيقتي وهي مَن يحمِلُ معي هَمِّي. وقالتْ زوجتُه: لا أريدُ أنْ يموتَ وَلَدي قبْلي فهو روحي وهو أملي وهو قطعةٌ مِنْ كَبِدي. وقالَ الابْنُ: لا أريدُ أنْ يموتَ وطني قبْلي فهو أمي وهو كرامتي وعِزَّتي وأفديهِ بروحي ودَمي. ولمَّا جَفَّ الهواءُ...
هل الجحيم مكانٌ مظلمٌ وبارد؟ هل الجحيم نارٌ وسعير؟ هل الجحيم ... مالي أفكر بهذه الأفكار الآن؟ مالي وبما يعتقده الهندوس أو البوذّيون أو غيرهم عن الجحيم؟ وعادتْ لتجيب عن سؤاله: - آسفة، لا شأن لي بعلاجات صداع الرأس. أنا لست طبيبة. - لكني سمعتهم يقولون لك: مع السلامة يا دكتورة. - صحيح، هذا لأني...
أي مصادفةٍ هذه التي ساقتني لأقرأ كتاب الرغيف الأسود، للكاتب المغربي، حسن المصلوحي اليوم، والغيوم حالكة السواد، ترمي شوارع وبيوت مدينتي، الناصرة، بكل ما في جوفها من مطرٍ وبَرَد وربما ثلج، في أقصى مرتفعاتها. إنه يوم عاصف، شديد البرودة، حالك، لم نعتد عليه كثيرًا في مدينتنا، فلَزِمنا بيوتنا (وبالذات...
في إحدى الندوات الثقافية، التي حضرتُها قبل أسبوع لمناقشة عمل أدبي، فوجئت بناقد أدبي أكاديمي له باع طويل (وأنا شخصيًا أشهد له بذلك) في نقد الأعمال الأدبية بكل أجناسها: رواية، قصة، قصيدة، مسرحية... يتوجّه الى كاتب العمل قائلا له: الأمر الذي أعيبه عليك بعملك هذا، أنه "عمل نظيف"، أي أنه خالٍ من...
كان يعِدُّ لنفسه القهوة عندما سمع ثلاث ضربات سريعة متتالية على باب القصر. أطفأ موقد الغاز، سار بخطى واثقة نحو الباب، وحدّث نفسه: مَن يكون الطارق يا ترى؟ زوجتي ستبيت الليلة عند والدتها المريضة، وابني في جامعته، والأصدقاء لا يأتون لزيارتي في القصر إلا بترتيب مسبق للزيارة. تابع سيره حتى وصل الباب،...
308 صفحاتٍ عدد صفحات كتاب، "أدنى من سماء". وهذا، بالنسبة لي عدد كبير نسبيًا. وبالذات، لمَن مثلي لا جَلَد لها على قراءة الأعمال الأدبية الكبيرة حجمًا، مهما كان نوع هذه الأعمال؛ رواية، قصة قصيرة، قصيدة... وبخاصة أن التزاماتي اليومية والمهنية، كآخرين غيري، كثيرة، وإيقاع حياتنا سريع جدًا في هذا...
يا الله! ألطف بنا. يا الله! لماذا استجبتَ لدعائها؟ بهذه العبارات كانت سحر تخاطب الله كلَّما اشّتدتْ أوجاع أمها وعجزتْ عن تخفيف ألمها. كانت تشعر سحر بعد مرض أمها أنها المسؤولة الأولى عن إدارة شؤون المنزل، ولا سيما أن عمل والدها كان يضطَّره لأن يقضي جلَّ النهار وجزءا من الليل خارجه. كانت سحر في...
أمسكتْ الجهاز وراحت تقلِّبه بين كفتيّ يديْها وتتأمّله من الأمام تارة ومن الخلف تارة أخرى. وكلّما تابعت تأمله وتقليبه بين راحتيّ يديْها ازداد تجّهمها. ولماّ لم تجد في الجهاز ما ينال إعجابها، سألت ابنتها بنبرة تنمُّ عن استيائها: " لماذا تبذّرين أموالك على هذه الأجهزة يا لينا"؟ وتابعت تسألها وهي ما...
وكأنه لا ينقص سكّان الناصرة ونوف هجليل والقرى المجاورة لهما في زمن جائحة الكورونا سوى ألسنة نيران تمسكُ بأذيال بيوتهم، فتثير في نفوسهم الذعّر والخوف على سلامتهم، والخشية من فقدان بيوتهم وممتلكاتهم. بسبب الرياح الشرقية الشديدة التي هبّت صباح يوم الجمعة الموافق التاسع من شهر أكتوبر 2020 والجو شديد...
بلسانٍ مبتورَه، كانتْ تُخبرُ البحرَ أسرارَها. سمعَ سرَّها الأولْ، ثارَ زمجرَ مدَّ يدَه، وصفعَها على خدِها الأيمنْ، أيقظ ذاكرتَها من نومِها، فقذفتْ بسرِّها الثاني. أحاطَ بذراعِهِ خصرَها، داعبَ خيالَها، منحها شوقَه، ألبسَها زُرقتَهُ، فرمتْ في جوفِهِ بكلِّ أسرارِها. الآن؛ أصبحتْ عاريَه، عاريَه...
قرأتُ قبل عدة أيام نصًا نثريًا (أو كما يصنّفه البعض، "شعر النثر")، لأحد الأدباء وقد نشره على صفحته في الفيس بوك. لم أفهم النص، فأعدت قراءة النص مرة أخرى، وأيضا لم أفهم النص، ولم أكتشف ما يريد كاتبه من كتابته، أو الفكرة التي يريد توصيلها للقارئ. في الحقيقة أشعر في كثير من الأحيان أنني أحتاج...

هذا الملف

نصوص
63
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى