مصطفى الحاج حسين

كان زملاؤه في الجامعة، يسمونه «اللصقة» فما من مرّة رأوه مقبلاً نحوهم، إلاّ وسارع أحدهم لتنبيههم، قائلاً في حذر: (جاء اللصقة)! فينسحب بعضهم قبل وصولهِ، بطريقة ذكيّة قائلين: - لنهرب... قبل أن يحلّ بلاؤهُ علينا. وسبب هذا يعود إلى ظروف «عبد الله» القادم من الريف، ليتابع دراسته في كليّةِ الآداب...
مضى على تعيين الأستاذ [ حمدان العمر ] ، أكثر من ثلاث سنوات ، معلما وحيدا في قرية [ تل مكسور ] ، دون أن يطلب نقله إلى قريته القريبة ، بالرغم من حاجة أبويه العجوزين ، إلى خدماته في الأرض التي يتملّكانها ، فهو يرى نفسه كل شيء في [ تل مكسور ] ، فإذا انتقل إلى قريته ، ذهبت مكانته وهيبته ، ولسوف يضطر...
صديقي... لا أقصدُ الإساءةَ إليكَ في حديثي هذا، فلن أُحدّثَ الآخرين عن شخصيتك، بل عن نموذجٍ أنت تمثّلُه، وإمعاناً منّي بالحرص على عدم التّشهير بك، فسوف أغيّر اسمكَ، وسأهدر خمسة عشر سنتيمتراً من طولِكَ، وأضيفُ إلى نحولِكَ عشرينَ كيلو، وإلى عمرِك خمسَ سنوات. أعزائي... أرجوكم ألاّ تهتمّوا بالشخصِ...
انتبه إلى نظراتها المرسلة إليه ، نظرات حارّة فيهن مناداة وصخب ، تلفّت حوله ، استطلع وجوه الرّكاب ، فتيقّن أنّ نظراتها لا تقصد سواه .. فأخذ يبادلها النظرات من مكانه . كانت جالسة على المقعد ، لا تفصله عنها سوى بضعة مقاعد ، وشعر بأنّها تبتسم له ، فأراد أن يردّ على ابتسامتها ، حتّى يجعلها تفهم أنّه...
قرّرت أن أكتب قصة قصيرة . منذ سنوات وأنا أفكر في هذا المشروع ، وكلّما هممّت أبعدتني مشاكل الحياة ، وحين تعاودني الرّغبة في الكتابة ، أجد أفكاري قد تغيّرت ، أو تطوّرت ، أو فقدتُ إيماني بها . فأعود من جديد ، إلى دوامة البحث عن موضوع . سأفاجئ الجّميع .. أصدقائي ومعارفي يعرفون أنّي شاعر فقط ...
ما بوسعِ المعلّم " عدنان" أن يفعلَ، إذا كان بيته يبعد كثيراً عن المدرسة التي يعلّمُ فيها ؟!.. وعليه أن يستقلَّ حافلتينِ للنقلِ الدّاخلي ! .. ثمَّ يتابع طريقه سيراً على الأقدام مدَّة دقائق ! . وماذا يفعل إذا عَلِمنا بأنّ الحافلة الأولى ، التي سينحشر بداخلها ، لا تأتي قبل السّادسة والنّصف ؟! ،...
قال لي أحدُ الشعراء الكبار ، ممّن يحتلّون مكانة مرموقة في خارطة الشعر العربي الحديث ، بعد أن شكوتُ له صعوبة النشر ، التي أُعانيها وزملائي الأدباء الشباب: - هذا لأنّكم لا تفهمون قواعد اللعبة !! . قلت بدهشة : - كيف !! .. علّمني .. أرجوك . ابتسم شاعري الموقّر ، وأجاب : - عليكَ أن تكتب دراسات...
كان يوماً فظيعاً ، كادت أمي أن تقتل أبي . لأول مرّة في حياتي أراها تثور عليه . أعرفها دائماً تتحمّل قسوته وضربه وثوراته، لكنها فيما يبدو لم تعد تأبه به ، لقد فقدت صوابها ، هجمت عليه عندما دخل علينا ، وضربته على رأسه بعصا غليظة ، وهي تصرخ بجنون : - تزوّجتها ياساقط !!! .. تزوّجت أم " عص"؟!؟! ...
استطعت أن أنجو ، انطلقت راكضا ، بعد أن تسللت على أطراف أصابعي ، ركضت بسرعة جنونية ، يسبقني لهاثي ، يربكني قلبي بخفقانه ، يعيق الظلام من سرعتي ، خاصة وأن أزقتنا مليئة بالحفر وأكوام القمامة . أخيرا وصلت ، على الفور أيقظت الشرطة ، تثاءبوا ، تمطوا ، رمقوني بغضب ، وحين شرحت لهم ما أنا فيه ، أخذوا...
-1- استدعى الشّيخ " عوض " حفيده " لطّوف " ، وطلبَ أن يجتمعَ بهِ على انفرادٍ ، وقفَ " لطّوف " أمامَ جدّهِ منقبضاً ، فلجدّه هيبة عالية . تمعّنَ الجّدُّ بحفيدهِ بدقٌةٍ ، فأحسَّ " لطّوف " بالعريّ أمامَ نظراتِ الكهلِ الثّاقبة ، واعتقد أنّ الجّدّ سوف يحاسبهُ على أفعالهِ السّيّئةِ ، الّتي ذاعَ صيتها...
طُرِقَ علينا الباب، دقّات عنيفة، سريعة، ومتتالية، بعثت الرّعبَ في أوصالنا، وجعلتنا ننكمش على أنفسنا، حتّى أنَّ أخوتي الصّغار، الّذينَ لا ينقطع ضجيجهم، لاذوا بالصمتِ وهرعوا نحو أمّي، ملتصقينَ بها بحثاً عن الحمايةِ والأمان. اعتقدنا أنّ القادم هو «الحاج منير» صاحب المنزل، الذي يريد إخراجنا منه، قبل...
يغلق الباب خلفه ، يدلف إلى الشّارع المعتم ، تصفعهُ حبّات المطر ، تخترقُ صدره سهام الرّياح ، يزرّ سترتهِ ، لا وقتَ لديهِ ليحضر المظلّة ، تتضاعفُ نقمته على امرأتهِ، يسارعُ الخطا محاولاً الاحتماءَ بالشّرفاتِ ، الشّارعُ طويلٌ ، وعليهِ أن يسرعَ ، يهرولَ ، يغوصَ في المستنقعاتِ ... لا يعبأ بالوحّل ...
لم أكتب من شهرين ، ليس من عادتي ذلك . كان لا يمرّ اسبوع ، دون أن أكتب قصيدة أو أثنتين .. ولكن لا عجب ، فما يحدث يبعدني عن الحياة كلها ، يخيّل إليّ أنّ قدوم الموت خير منقذ لي .. مشاكل كثيرة .. في كلّ جانب من حياتي ، تتطاول مشكلة وتكبر .. هل الموت هو الخلاص ، يبدو لي ذلك ، وبخاصة حين أرى أهلي...
في صباحٍ مشمسٍ ، وبينما كان رئيس المخفر ، ( أبو رشيد ) يجلس على كرسيه ، فوق المصطبة ، عند باب المخفر ، حيث كان يدخن ، ويتلهى بمراقبة القرية القريبة ، عبر منظاره الجديد ، وإذ به يلمح رجلاً قروياً يتّجه إلى العراء ، وحين ابتعد عن الأنظار ، تلفت يمنة ويسرة ، ثمّ رفع ( كلابيته ) على عجلٍ ، قرفص ،...
من نافذة اختناقها تطلّ على الزّقاق الضّيق ، بشغفٍ جنوني ، تتلقفُ تلهفه ، قلبها الغضّ يخفقُ بصخبٍ ، ولعينيهِ المتوسّلتينِ تطيّر إبتسامة من دمعٍ . لكنّ وجه ابن عمّها المقيت ، يبرز فجأة أمام غبطتها ، فتجفلُ وتصفعها حقيقة خطبته لها ، ترمق خاتمها الذي يشنق أحلامها بإزدراء ، ترتدُّ نحو انكسارها ، تغيب...

هذا الملف

نصوص
273
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى