( إلى حسن بحراوي ) الآنَ ، وبعدَ أنْ حلّ الأسوأُ الذي لم يكنْ في الحسبان . ?عتقدُ جازماً أنّ الشرارةَ الأولى لكلّ ما وقعَ لاحقاً ، انقدحتْ حينما خرجتُ إلى شرفة شقتي ببيجامة النوم ، لأدخنَ سيجارة . صدقُوني ، كلّ المصائب التي سوفَ أُخبركمْ بتفاصيلها الغريبة ، سقطتْ على ر?سي دفعةً واحدةً بسبب رغبةٍ طبيعيةٍ بسيطةٍ في تدخينِ سيجارة ، مجرد سيجارة لا أكثر . في الخارج ، كانت السماءُ مطيرةً ومعتمةً كأنّها نزيفٌ داخلي ، والوقتُ تجاوزَ منتصف اللّيل بقليل . وعلى الأرجح ، بسببِ تحالفِ الضجر والسهاد...
كلّ ما بوسعي قراءته الآن – وﺇن بصورة ضبابية غير مؤكدة – على صفحة ذهني المجلوّة البيضاء كالمرآة، أن السماء أنذرت فجأة بمطر وشيك، وكنت متلفعا بمعطف شتوي ثقيل وعلى عاتق يدي مظلة واقية مغلقة، أحث الخطى على عجل فوق طريق مظلمة تكسوها الحصى، ناشدا البحث عن فندق مّا ﺃقضّي فيه ليلتي الأولى داخل مدينة صغيرة ومنسية كنت قد وصلتها لتوي. وبخلاف هذا، لم ﺃعد ﺃذكر أي شيء . ثمة ثقب ﺃسود بلا قرار أو بالأحرى الطريق مبتورة دون رجعة مثل عضو حيوي إلى ما حدث فيما بعد. لماذا أتيت إلى هناك أصلا؟ هل فعلا عثرت على فندق...
منذ أن تمّ افتتاح هذا الفرع الجديد "للشركة المغربية لنقل الأموات"، في البناية المقابلة للعمارة التي أسكنها، تغيّرتْ حياتي تمامًا.. تغيّرتْ نحو الأسوأ. ففضلًا عن هوسي المزمن وغير المفهوم بتتبّع مواقيت دخول الموظفين وخروجهم؛ ترصّد نوعية الزهور والتوابيت المقترحة على الزبائن؛ وإحصاء عدد السيارات الوافدة بأجداث الراحلين أو الماضية بهم، صرتُ أتخيّل كلّما حملتُ سلة أو حقيبة... فتحتُ دولابًا أو خزانة، أنّ بداخلها جثّة.. جثّة حقيقية يصدرُ عنها نحيبٌ مكتومٌ كأنّه جدول ماء طويل في جوفِ الأرض، ينساب...