أحماد بوتالوحت

من زُجاج النَّوافِذ رَأيْتُ زَكائِب الهَزائِم وأَكَمات الذُّلّ تَتَراكَم كَالأَسْنِمَة على الظُّهور رَأيْت سُرَر الأَرَامل مُنْقذِفة في البَراري تَعْبث بِها ، أصَابِع الفُولَاذ رَأيْت حَلَمَات المُدن ، الصَّغِيرة ، الدّافِئة تُغْتال بَراءَتها تَحْت عِباءَة الليل رَأيْت نُهود القُرى تَجِفّ...
في غُرَف جانِبِية ، حيْثُ الفَوانيس الضَّريرة تتعثَّر بِأَذْيال المَرايا وحيث تَقْفِز من النَّوافِذ كَضِفْدع مَفْزوع ، قِطارات مُعفَّرة بِالغُبار، عَشيقاتي المُسِنَّات اللَّواتِي أَكَلت أقْدامُهن فَأْرة النَّجّار يُفَكِّكن غُضون القَمَر ويَنْسُجن وَسائِد لِلْموْتى ، مُحْشوَة بِالشَّخير...
(1) صَدَرَتْ عن الجِنرال صرخَةٌ مُدَوِيَةٌ شقت فضاء المدينة ،أفزعت سرب الحمام الذي حط في غَفْلَةٍ مِنْهُ على كتفهِ ، سلَّ سيفه من غِمْدِهِ ، أصْفَرَ السيفُ في الفضاء ، سقطت حمامة مضرجة بدمائها أمام الجزمة اليمنى لنصب الجنرال (رتبة عسكرية منحها لنفسه في حياته ) . هل هو هَوَسُ الرئيس باقْتِنَاصِ...
لَمْ أكُنْ فِي يَوْمٍ مَا ، مَحْظُوظاً فِيكَ يَا وَطَنِي ، فَالضَّجَرُ وَجْبَتِي الوَحِيدَةَ تَحْتَ سَمَائِكْ ، وَقَصَائِدِي الّتِي تَسْبَحُ فِي نَفْسِ النَّهْرِ الهَادِرْ ، أقْرَؤُهَا علَى مَسَامِعِ الْقَمْلِ والذُّبَابِ وَالأَسْوَارْ ، وَفِي مَطَارِحِ الْأَزْبَالْ . وُلِدْتُ ، فِيكَ ، مُوحِلاً...
مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الشَّبَحُ الْحَالِمْ ؟ الْقَابِضُ عَلَى الرِّيحِ ، وَوَجْهُهُ مَغْرُوسٌ فِي الظَّلَامْ ، وَفِي عَتْمَةِ عَيْنَيْهِ ، عَقَارِبٌ سَوْدَاءْ ، هَذَا الَّذِي يُشِيرُ لِي بِأَصَابِعَ مُخَلَّعَةْ ، مِنْ كَثْرَةِ مَا أَوْمَأَ لِلْأَشْيَاءْ . هَذَا الَّذِي، كَطُيُورٍ مَحْمُومَةْ ،...
في المدفأة ترمح في جنون جنود أحصنة اللهب ، وتحرق رماد الأزمنة . وعلى الكنبة ، أشعلت سيجارة وحدتها ، إمرأة تجهش بالحنين . باغتراب الأعقاب إكتضت منفضة الأحزان فغصت الأصابع بالبكاء حين لامست حد الفنجان الفارغ . من أصيص أيامها المتبقية سحبت زهرة الإنتظار قشرت سنين عمرها فطارت فراشات الخريف...
في ليلة صيفية ، طلب إجازة قصيرة ليستحم هناك ! أسفل السماء . أعطوه سُلَّماً ، نزل على شط البحيرة ، تخلص من ثيابه ، قفز داخل الماء ، وطفق يَسْبَحُ . وكان بين الأشجار الكثيفة من يراقبه ويترقب الفرصة ، لما أصبحت هذه الأخيرة سانحة ، سرق ثياب القمر واختفى .قطع القمر أشواطا في السباحة وكان عليه أن...
أَرْبَعُونَ عَاماً وَعَلَى ظَهْرِهَا نَكْدَحْ ، أَرْبَعُونَ عَاماً وَفِي بَحْرِ عَرَقِهَا نَسْبَحْ ، أَرْضٌ لَا تُنْبِتُ إِلَّا تُرُوسَ السَّلَاحِفْ ، وَأَكْوَاخَ الْعَبِيدْ وَعَرَبَاتِ الْغَجَرْ . مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةْ ، وَبُؤْسٌ يَنْثِرُ ظِلَالَهُ حَوْلَ الْأَظَافِرْ ، وَذُبَابٌ يُغَطِّي...
إشرب !!... إشرب !... لتنتسب أكثر إلى شيء ما في هذا الوطن : شجرة ؛ طائر او بركة ؛ باقة ورد ؛ اضواء ؛ سماء ؛ سحابة ؛ سنبلة . إشرب ! لا يمكن ان تصالح الحاضر ، ردم بينك و بينه ، أنت مغترب مستلب ، لا وطن لك إلا الارصفة والشوارع تذرعها ، لا شيء تنتمي إليه أو ينتمي إليك ، إنهم يفرغون فيك آخر رصاصة...
حَذَّرَت نَمْلَة ، حَزْمَة النَّمل ، مِن مَداسات الجُنود وَهِي تَقْطُر غُبارطَريق الْوَادي مِن بَيْن طُقْم أسْنانِه الذَّهَبِية أَفْرَج عن ضَحْكة مَلْفوفَة فِي أَنْفاس القُرُنْفُل وَسَحَبَها مِن الأُذُن إلى الأُذُن لَم يُفكِّر فِي كَنْس خُوذات تِلْك المَخْلوقات ، كَيْ لا يُضيف خَطِيئة إِلى...
يَسْتَوْقِفُنِي عَلَى قَارِعَةِ الْأَحْلَامْ ، حَامِلاً جِرَابَ السَّفَرْ ، فِي صُرَّتِهِ خُفٌّ ، وَبَقَايَا تِينٍ مُجَفَّفْ . كَانَ يُشْبِهُ قِشَّ الْفُصُولْ ، أَوْ بَقَايَا أَزْمِنَةٍ تَحْتَرِقْ ، لَمْ يَعُدْ فِي ظِلِّهِ الَّذِي مَالَ عَلَى الطَّرِيقْ ، إلَّا فُضْلَاتُ قَمِيصٍ مِنْ خِيشٍ ،...
أنا مَرْفَأٌ لم تشرب أرصفته المُتَرَهِّلَةُ غير ملح الدموع ، مُتْعَبٌ أنا ،من حَمْلِ قُصَاصَةِ هذه الأمكنةِ كَأَسْنِمَةٍ مِنَ الغُبَارِ والجوعِ والعطش ، إِلَى الْجَحِيمِ أَيَّتُهَا المدن المسْكُونَةُ بِلَيْلِ النَّعِيبِ وَتُفِّ الأظافرْ ، الجراد يَلْتَهِمُ رماد الحقولِ والذُّبَابُ يَتَسَافَدُ...
أنا مَرْفَأٌ لم تشرب أرصفته المُتَرَهِّلَةُ غير ملح الدموع ، مُتْعَبٌ أنا ،من حَمْلِ قُصَاصَةِ هذه الأمكنةِ كَأَسْنِمَةٍ مِنَ الغُبَارِ والجوعِ والعطش ، إِلَى الْجَحِيمِ أَيَّتُهَا المدن المسْكُونَةُ بِلَيْلِ النَّعِيبِ وَتُفِّ الأظافرْ ، الجراد يَلْتَهِمُ رماد الحقولِ والذُّبَابُ يَتَسَافَدُ...
كَانَ يُشْبِهُ أَحَداً ، وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ إِسْكَافِيِّ الْحَيِّ الَّذِي بِلَا قَدَمَيْنْ ، وَرُبَّمَا شَيْءٌ مِنْ بُسْتَانِيِّ الْبَلَدِيَةِ الَّذِي كَانَ يُشَدِّبُ دُمُوعَ الشَّجَرْ . فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي أَصْبَحَ الآنَ مُشَوَّشاً خَلْفَ قُبَّعَتِهْ ، كَانَ الْقَدَرُ أَكْثَرَ...
أَيُّ شَيْطَانٍ بَارَكَ هَذِهِ الْقُرَى الْمُخْتَنِقَةِ بِالضبابْ !؟ قُرُى ، خَذَلَتْهَا الْخَنَادِقُ وَالْبَنَادِقُ وَالْأَسْوَارْ ، وَمِنْ جُيُوبِ الْأَرْضِ تَضَوَّعَ الدَّمُ وَالدَّمَارْ ، وَفِي الْأُفُقِ نَاقُوسٌ يَخْتَبِرُ الْكَلَامْ ، فَيَتَرَجَّلُ عَنْ لِسَانِهِ الصَّدَأُ وَالْغُبَارْ ،...

هذا الملف

نصوص
125
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى