وإذا أرسلت روحي في الماضي ذكرتك يا رفيقي، وكانت قد أذهلتني عنك الحياة وقسوتها والأيام واضطهادها وعاد بي الفكر إلى تلك الأشبار من صحراء (الأقصر) حيث استقرت عظامك من خمس سنين. . . ما اكفرني بحق الصداقة يا صاحبي! ما اغلظ هذا القلب اللحمي وما أقساه! كيف نسيت حباً وثقناه وعهداً قطعناه! كنا نسير في الحياة كل يده في يد صاحبه وكل صورته في قلب رفيقه مرسومة. فلما فارقت الحياة أنكرت يدي الودّ القديم، وران على قلبي صدأ النسيان، وابتلع ظلام نفسي ذكراك. . بعد أن كان مكانك عرش، القلب، وبعد أن كانت ملكك...
اجتاز الترام الميادين والشوارع، وأخذ ينساب بين الحقول في الطريق إلى الأهرام؛ وكان القمر قد نفض الغيوم عن وجهه، وبدا سافرا يضحك للحقول، ويحنو على النباتات المرتجفة في نسيم الليل، ويناغي الأغصان المشرئبة اليه من أعالي الأشجار، فانبسطت أسارير (المعلم لوقا) سائق المركبة، وفارق العبوس وجهه الهزيل اليابس، وأخرج علبة سعوطه وأدناها من أنفه، ييلتمس الصحو والانتعاش. لم يكن الرجل في حال حسنة، لأن الليلة باردة قارسة البرد، وهو مسن، ليس في هيكل من اللحم ما يقي عظامه المقرورة، ولو كان معافى لما شكى، لكنه...
ننشر نماذج من بواكير القصة القصيرة لبعض القصاصين العرب الرواد *** لقد واتاه الحظ، ومشى إليه السعد، وحفلت حيلته الجديدة بما تحفل به حياة رجل عظيم!. لم يعد الشيخ (ياقوت) رجلاً عادياً في القرية، بل أضحى رجلاً مرموقاً. فأنت ترى الجلوس في آخر الطريق ينهضون على أقدامهم عندما يبدو في أوله في جبة من الجوخ. وقفطان من السكروتة، وعمامة متقنة يبدو شاشها دائماً ناصعاً مزهراً. وبين أنامله مسبحة من الكهرمان متألقة الحبات، وشفتاه لا تفتران عن تسبيح الخلاق القدير فتنيران وجهاً جميلاً مشرباً بالحمرة. وإن...