يوسف جوهر - يد على الزناد.. قصة قصيرة

ما كدت اصل إلى بيتها عقب استغاثتها التليفونية, حتي أبتدرتني قائلة: أنا امرأة شقية عاثرة الحظ وأية شقائي أني تزوجته, وربطت حياتي بحياته, ولو كان الأمر اقتصر علي الزواج, لاستطعت أن احتمل, فكم من النساء يؤاكلن الرجال علي مائدة واحدة, ويقاسمنهم الفراش, ويحتملن في سبيلهم آلام الوضع, ومع ذلك يضمرن لهم الاحتقار, ولكن مصيبتي أني أحببته, وتصور شقائي إذ أحب ذئبا ماكرا, قاسي القلب, ولا أطيق له بعادا.

وخنقتها العبرات فكفت عن الكلام ريثما تجفف دمعها, بمنديل لا أدري من فرط رقته, أهو من الحرير أم هو قطعة من التنهد, خرجت من صدرها الرقيق, وتجمدت في نسيم الهواء البارد, وانتهزت فرصه اشتباك منديلها بأهدابها, وابتسمت الابتسامة التي كنت اكظمها احتراما لألمها وتعاستها, فإن الذئب الذي تشكوه كان صديقي, وكنت أعهده حملا وديعا, يعيش في مرعي الزواج منذ شهرين, ويطعم ناعم البال عشب الحب, وسألتها وهي تبعد قطعه التنهد المتجمدة عن يعنين جميلتين, كدرهما البكاء:

ماذا فعل الذئب يا سيدتي.؟

قالت: إنه خائن يخونني مع أخرى.

– متأكدة أنتِ ؟

– تأكدي من أني أراك أمامي, إن رقم تليفونها مقيد في مفكرته,

– إن أي زوج مهما بلغ به حب المخاطرة لا يجرؤ أن يضع في مفكرته رقم تليفون ناعم.

– نسيت أنه ذئب ماكر لقد رفع صمام القنبلة ذكر رقم التليفون وإلي جواره حرفان فقط هما س . م. وما احسبك تزعم أن الرجال يرمزون الي اسماء الرجال بهذه الطريقة.

– معك حق وبعد ذلك واجهته بالتهمة؟

– تظنني بلهاء أواجهه بالتهمة لكي يأخذ حذره ويخفي معالم الجريمة, ويهرب من انتقامي.

– وإذن فقد رسمت للانتقام خطة؟

– بدأت بحرب الأعصاب أنني دائما أطالبه بأن يذكر لي اسما جميلا, لسيدة يبدأ بحرف س.. وأكرر هذا علي الطعام, وقبل النوم وعندما يفتح عينيه في الصباح, وتصور الدهاء إنه يبتسم ابتسامة لا لون لها ولا رائحه, وهو يسالني بلا اكتراث, ماذا أقصد بهذا السؤال, الذي اسقيه له في ساعات منتظمة, وكأنه الدواء.

– يا له من دواء مر المذاق.

بدأت غريمتي تتجرعه أيضا, أدرت النمرة التي ضبطتها في المفكرة, وأجابني صوت رقيق, أدركت أن رقته من الأسباب التي جذبت زوجي, ومضيت استدرجها وأسالها, منذ متي بدأت علاقتها بحبيب القلب, فشتمتني وقفلت التليفون في وجهي.

– طبعا إن من تسرق الأزواج لا تتورع عن السباب.

– وللسباب عقاب.. قلت لنفسي ربما يكون لهذا البيت رجل, وجعلت أدير قرص التليفون مرات في اليوم, حتي أجابني صوت خشن, وبعد حوار قصير أدركت أنه الزوج, وصارحته أن زوجته تخونه, وسأل في لهفة :

(مع من ؟..)

ووجدت نفسى أذكر له اسم زوجي وعنوان مكتبه, وصارحته أن الدليل الحاسم موجود في مفكرته التي يحملها في جيبه.. رقم التليفون المشئوم..

وانفجرت باكية, وعاد المنديل الصغير إلى الاشتباك بأهدابها, وهى تقول:

– هذا هو السبب في أنى استدعيتك, أخاف أن يقتلوه ..

وبينما هي تكفكف دمعها, بتلك السحابة الناعمة من التنهد, التي تجمدت في الهواء, فوجئنا بالذئب قادما بادى الإعياء, ورأسه مغلف بالقطن والشاش, وقال وهو يهالك في مقعده, يرقب شحوب زوجته:

– أولى بك أن تبهجي, فإنك كنت على وشك أن تصبحي أرملة على يدى مجنون كاد يودى بحياتي..

وسألته عن جلية الأمر فأجاب, وشبح الرعب يدب في عينيه:

– صرفت المساعدين وبقيت وحدى في المكتب, لدراسة بعض القضايا كما أفعل أحيانا, ودق جرس الباب الخارجي, فذهبت وفتحته, وإذا فوهة مسدس مصوبة إلى صدري, وقدرت أنى أمام لص فاجر, وأخرجت في الحال حافظة نقودي, أفدى بها حياتي, ولكن الرجل الضخم ألقى الحافظة في وجهى, وطلب مفكرتي, وهو يدفعني إلى الداخل بلا هوادة, وأمرني أن ألصق وجهي بالحائط رافعا ذراعي, وجلس يقلب أوراق المفكرة بأصابع محمومة, ثم صاح فجأة كالنمر الضاري قائلا:

– ثبتت عليك الجريمة.

فأدرت عنقي وسألته في أدب بالغ, عن أي جريمة يتحدث, فاندفع يطبع أنفى في الحائط, وهو يزمجر حانقا:

– هذه نمرة تليفوني التي كنت تتحدث فيها إلى زوجتي, مدونة في مفكرتك.

وألهمني حب الحياة أن أصيح, وهو موشك أن يضغط على الزناد: – حذار إنها رقم ورقة يانصيب لا نمرة تليفون .. ألست ترى إلى جوارها حرفي س.م أنني أعنى بهما سباق المواساة .. وقد قيدت الرقم عندي لأن الورقة نفسها في حيازة صديق شاركني فيها .

وتطاير الشرر من عينيه, وصرخ وهو يضرب رأسي بموْخرة المسدس:

– إنها أكذوبة تحتال بها علي النجاة ..

فشكرت له تلطفه أنه ضربني وأسال دمي بموْخرة المسدس لا فوهته, وعمدت الى التليفون, وخاطبت الصديق الذي يحتفظ بالورقة والدم يسيل من رأسي متوسلا إليه أن يوافيني بها حالا, وإذا هو ينبئني أنه مزقها منذ ساعتين, وهو جالس في بار الأنجلو, بعد أن راجع السحب, وعرف أنها خاسرة, عند ذلك ضحك المجنون ضحكة صفراء وقال لي, بلهجة من صح عزمه على أمر:

– اعترف بكل شيء قبل أن أزهق روحك.. وقل الحقيقة ولا تلق ربك بوجه اسود.. هل سرت معها إلى آخر الشوط.

وانطلقت, من حلاوة الروح, اقسم بأغلظ الإيمان أنى بريء, وسمح لي أن أعصب بمنديلي جرح رأسي, ورضى أن يحقق دفاعي, ويصحبني إلى بار الأنجلو لكى نبحث في القمامة عن الورقة الممزقة, وأنذرني أن يده, وهو إلى جواري ستكون طول الوقت على الزناد, وأنه سيطلق النار فورا, اذا حدثتني النفس بالاستغاثة, أو الهرب ..

وبعد بحث, محفوف بالخطر, تحت مقاعد رصيف بار الأنجلو, وجد الورقة الممزقة ووجدت حياتي.

واستأذنت المجنون في أن أذهب إلى طبيب لأضمد جراحي..

وسألت صاحبي المسكين, وانا ابتلع ابتسامة تريد أن تنزلق إلى شفتي:

– ألم تستوضح كيف اتفق له أن يعرف أن مفكرتك تحوي رقم تليفونه.؟

فاجاب:

– وهل تظن أن من الحكمة توجيه الأسئلة إلى مجنون يده على الزناد.؟

قلت وأنا أنظر إلى دموع التوسل في عيني زوجته:

– على كل حال أن تقع بين يدي مجنون أسلم عقبى من أن تقع بين براثين مجنونة.

وأجابت والتوسل ينتقل من عينيه إلى ابتسامتها:

– هذا حق وخاصة إذا كان جنونها .. مبعثه الحب.


يوسف جوهر

* من مجموعة ” دموع في عيون ضاحكة”

أعلى