بهجت درسون - عبدالحق فاضل.. عملاق اللغة العربية...

مرّ يوم الاربعاء 18 كانون الأول مرورا بدون استذكار إنه يوم اللغة العربية، وبهذه المناسبة نستذكر أحد عمالقة اللغة العربية في العصر الحديث ألا وهو الراحل عبد الحق فاضل.
لمحة عن حياته (1911 - 1992 م ) .

عبد الحق بن فاضل الصيدلي بن حامد بن حديد بن مصطفى الحيالي، ولد عبد الحق فاضل في بغداد عام 1911 وهو كبير أبناء الشاعر الموصلي فاضل حامد الصيدلي، أنهى عبد الحق دراسته الابتدائية في الموصل، وأكمل دراسته الدينية في كلية الإمام الأعظم، توظف في الديوانية ثم التحق بكلية الحقوق، تخرج فيها عام 1935 ومارس المحاماة في الموصل وأصدر مع زميله المحامي يوسف الحاج الياس مجلة (المجلة) التي تعد واحدة من أهم المجلات الثقافية الصادرة في الموصل في أوآخر الثلاثينات، ونشر فيها شعره وقصصه ومقالاته النقدية، ويعد عبد الحق فاضل رائداً للنقد الأدبي في الموصل، وانتقل إلى السلك الدبلوماسي عام 1939 وشغل وظائف عدة في السفارات العراقية في الخارج: تبريز ودمشق والقاهرة وروما، وعين وكيلاً لوزارة الخارجية بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، وعين سفيرا للعراق في الصين عام 1960 وبقي في منصبه هذا حتى استقال من الخدمة عام 1963، واستقر في مراكش مشرفاً على مجلة (اللسان العربي) التي يصدرها مكتب تنسيق التعريب التابع لجامعة الدول العربية حتى عام 1992 وأصيب في حادث طريق وعاد إلى العراق ليموت في وطنه.

نتاجاته الإبداعية:

1- مجنونان (رواية) 1939 و1958،2- مزاح وما أشبه (قصص) 1940، 3- حائرون (قصص) 1958، 4- طواغيت (قصص) 1958، 5- قصص 1984 عبد الحق فاضل، الأعمال القصصية الكاملة 1979، وضمت مجموعاته القصصية: مزاح وما أشبه، وقد ضم إليها قصتين كتبتا في الفترة التي كتبت فيها قصص هذه المجموعة وهما: لا جريمة ولا عقاب كتبها عام 1938، ومفتاح الشقة كتبها عام 1949، وما ترون، وطواغيت وأضاف إليها قصتين، جريمة بلا عقاب سبق ونشرها في مجلة المجلة عام 1939 تحت عنوان (جريمة مشروعة) و(ظمآن) لم يسبق نشرها، وأضاف إلى هذه المجموعات القصصية الثلاث روايته مجنونان .

6-ثورة الخيام 1952،1968 (دراسة مع ترجمة لشعر عمر الخيام) وترجم الكتاب إلى الاسبانية، 7- 4نساء و3 ضفادع (مسرحية طليعية) 1968، 8- مغامرات لغوية 1969، 9- هو الذي رأى 1981 (ترجمة لملحمة كلكامش مع دراسة مهمة)، 10- تاريخهم من لغتهم 1977، 11ـ العربية أم الالمانية 1988، 12-مع شكسبير في يوليوس قيصر 1988(دراسة وترجمة)، 13-قصص من اللغة 2005، توزع شعر عبد الحق فاضل المنشورة في الصحف والمجلات العراقية في ثلاثة اتجاهات أساسية: الشعر التأملي والشعر السياسي والشعر الاجتماعي، وعلى الرغم من جودة شعره في تلك الفترة (الثلاثينات) لم يحاول جمع شعره في ديوان خاص، وتبعثر بين الصحف والمجلات بشكل يصعب جمعه مجدداً (وقد علمنا أثناء تحرير الموسوعة من الدكتور ذو النون الاطرقجي أن الديوان قد نشر في تونس وأن ابن أخيه نبيل نجيب فاضل ينوي إعادة نشره في العراق) .

ونشر موقع جزيرة نت مقالة مطولة وعدته مؤسس علم التأثيل والترسيس، حيث جاء فيها الآتي: (ويعتبر عبد الحق فاضل "أبو علم التأثيل والترسيس" عند العرب، ويعرف التأثيل بأنه إرجاع الكلمة إلى اللغة التي أخذت منها، فيما يعرف الترسيس بأنه البحث فيما هو أبعد من ذلك، وهو محاولة الوصول إلى أول من نطق بالكلمة).
وقال جبرا ابراهيم جبرا عن ترجمة يوليوس قيصر وعن الدراسة التي كتبها "عبد الحق فاضل: (جاءت دراسته الأخيرة لمسرحية وشخصيات يوليوس قيصر استمرارا رائعا لنظرته النافذة وغير المتوقعة لمسائل الخلق الأدبي، فعبد الحق فاضل يجمع بين الإحاطة المعرفية والاندفاع الإبداعي)

جولة في كتبه اللغوية:

*تاريخهم من لغتهم:

يفتتح كتابه هذا بالعبارة الآتية: (ما أكثرَ الأسرار والمجهولات التاريخية والقبتاريخية - التي اندثرت وضاعت، فخرجت عن متناول المنقب الآثاري فعلاً، وهي ما تزال في متناول الباحث اللغوي وحده! لأن الأقدمين من أبناء المعربة لم يسجلوها في مسطورات لهم كتابية، ولا نقوش جدارية، ولا صور كهفية، ولا شقف فخارية وإنما سجلوها تسجيلاً عفوياً في لغتهم وانصرفوا، سجل اللغة هذه المضبرة الهائلة تختبئ في زواياها المُهملة كنوز أي كنوز).

في بحث عبد الحق فاضل عن اليمين واليسار في هذا الكتاب تقابلنا حقائق لغويةٌ وتاريخيةٌ مثيرةٌ، إنه يخبرنا أن كلمة (اليمين) مشتقة من اسم أرض اليمن، واسم الشمال من بلاد الشام، ومن «اليَمَن» جاءنا اليُمن، والتيمن، اليامن، الميمون، اليمين، أيمن الله، أيم الله، أمن (بالتشديد)، آمن، الإيمان، وآمين، هذه المعاني جاءت من «اليم» أي البحر أقصى ما تنتهي عنده رحلة الأعرابي الشتوية جنوباً، وكلمة اليم نفسها يرجع رسها الأول إلى صوت هبوب الريح هكذا: هو ووو- هو- هواء- هباء- هباب- أباب- آب- آم ـ ماء- ماي- مي – يم- يمن- يمين! ومن غريب الصدف أن كلمة (أَمَنْ) (بالتحريك) بلغة أهل الريف الأمازيغية في المغرب تعني الماء، وهي قريبة في المعنى والنطق مما سبق ذكره! ويخبرنا عبد الحق فاضل أن صيغة الشمال تنحدر من لفظة (شم) التي حاكى بها الأعرابي الأقدم صوتَ استنشاق الروائح تعبيراً بالشين من صوت دخول الهواء من الأنف، وبالميم من انطباق الشفتيْن عند الشم، وتكون نشوء الكلمة إذن على هذه الوتيرة: شم- شام – الشام – الشآم – الشمال- الشِمال.

وعلى هذا المنوال يبحث عبد الحق فاضل عن أصل كلمة مكة، ومن هم أول الفلكيين، وأصل كلمة فينيقية، والعنقاء، واطلنطة، والروض والعروس والعراق وبدائع اخرى، وعشتار، وعربي، آرامي، عبري.

مغامرات لغوية:

أرسى عبد الحق فاضل في كتابه مغامرات لغوية (نظرية الترسيس) الذي نقله المستشرق الفرنسي جاك بيرك إلى الفرنسية باسم Racinisme . فالترسيس هو إعادة اللفظة إلى جدتها الأولى في صورتها التي نطق بها الإنسان الأول "البدائي" تقليدا لأحد الأصوات المسموعة مثل محاكاة أصوات الطبيعة أو الحيوانات مع تعقب المراحل التطورية التي قطعتها تلك اللفظة حتى وصلت إلى الصورة التي نعرفها في إحدى اللغات.

ويرى الأستاذ عبد الحق فاضل أن اللغة العربية ما زالت تحتفظ بالألفاظ البدائية – الرسية –الأولى إلى جانب الألفاظ الراقية الحضارية المتفرعة عنها.

ويؤكد في مقالة له بعنوان "حول المغامرات اللغوية" الآتي: (المعروف أن اللغات البدائية هي التي يقرب الشبه بين ألفاظها والأصوات الطبيعية التي نشأت منها، أما اللغات الراقية فقد ذهبت أصواتها وبقيت الكلمات الحضارية الراقية التي تولدت منها، ولاسيما وأن الأمم المتحضرة قد تنقلت منذ أقدم العصور من مكان إلى مكان واختلطت لغاتها بغيرها، ولكن العربية وحدها تقدم لنا أرقى الكلمات الحضارية والثقافية مع الحلقات المتسلسلة التي تقودنا إلى البدابات الأولى، وسبب ذلك هو الظروف الفريدة التي تلابس الجزيرة العربية، فقد بقي وسطها الرملي المجدب محافظا على حياة البدواة والبدائية على حين راحت أطرافها المتحضرة تصنع من تلك الخامة اللغوية مفردات حضارية باذخة، وإذ بهذه العربية تغدو لغة الراعي والفيلسوف في وقت واحد).

جريدة عراقيون / السنة السابعة عشر / العدد (569)
الثلاثاء / 7- 1- 2020 / ص 6 ذاكرة مدينة
أعلى