محمد الرياني

... ومن دونهما عصفوران يشقشقان من روعةِ المكان وشدةِ الفرح، لونهما مثل لون جسديهما الغضين، قال لها :لاتعجبي من فرحة طائرين بجناحين؛ ربما من فرحهما سيطيران بالحُبِّ ويتركان لنا النظرات، قالت ياليت لنا جناحين فنهرب مثلهما من الأرض حتى نستلذ بالحب في الجو، قال لها دعينا على الأرض فأنا أخشى أن أهوي...
قفْ يابدرُ عندَ المنتصف ، سترهقك المساءاتُ المقبلةُ عندما يفقدُ طلُّكَ الإطلالَ نحوي ، النصفُ الآخرُ منك يوجعني ، يتعبني أكثر ، يظلمُ ويظلمُ شيئًا فشيئًا حتى يفقدني النورَ الذي سكنَ من البداية ، الليالي القادمةُ ستجعلُ دموعي تنهمرُ أكثرَ في الظلام ، لن يراها أحدٌ في غيابِ بعضِك أوْ كلِّك ، لن...
قالَ لها وهو يقف قريبًا من رأسها : تنامينَ ياجَدَّتي والعيدُ حاضرٌ ! فتحت عينيها في وجهه ، مسحتْ وجهَها بكفِّها لتطردَ النوم الذي داهَمَها من التعب ، قالت ومن ينام ياحفيدي والعيدُ حاضر؟ نامت الجَدَّة بملابسِ العيد ، وضعتِ الحلوى في طبقٍ أبيضَ بلون العيد ،ونصبتْ زجاجةَ عطرِ العودِ في منتصفِ...
يَفتحُ الليلُ مفاتيحَ الظلام ، تَنطفئُ كلُّ مفاتيحِ النهار ،تسلِّمُ الشمسُ العهدةَ وتغوصُ في البحار ، النجومُ وَحدَها هي التي لايستطيعُ أحدٌ الارتقاءَ لحجبِ تلألؤها ، يعمُّ التثاؤبُ مع مرورِ الظلام ، تُغمضُ كلُّ الأشياءِ عيونَها حتى تلك السرجُ التي تبدأُ مع الغسقِ في إدخالِ البهجةِ وتعويضِ...
يصيحُ بألمٍ ، صداع...صداع، يضعُ كفَّ يدِه اليمنى بشدةٍ على مقدمةِ رأسِه ثم ينقلُها على مؤخرةِ رأسِه ، يستمرُّ الألمُ وهو يتوجعُ ويتمتمُ بصوتٍ منخفضٍ صداع... صداع، تقفُ أختُه الكبرى الحكيمةُ بأوجاعِ الرأسِ وهي تنظرُ إلى ضوءِ الشمسِ يلمعُ في جانبِ العتبةِ على سطحٍ زجاجي، تسألُه كأنكَ تعرضتَ...
تَبكي وتُخفي دموعَها على المخدَّة ، تَكتمُ صوتَها بين الغَرقِ والقُماشِ كي لاتبوحَ بسرِّها، يلفُّ الصمتُ المساحةَ حولَها، تنشج، تَئنُّ وتُناجي في السواد ، الأشياءُ التي حولها لاتصدرُ صدى؛ فكلُّها خِرقٌ باليةٌ أو ذاتُ لونٍ أسودَ وكأنَّها تتوشحُ الحزنِ مثلَها، تُغرِقُ عينُها جنبَها الأيمنَ فيبتلُّ...
الغرفةُ التي ترتفع عن المساحة الخارجية بها شباك يكاد يلتهم معظمَ مساحة الجدار، انقسم اللوح الزجاجي في الجدار المطل على البحيرة قسمين بمساحتين مختلفتين، يبدو أن الغرفة بنيت ليرى الصغار مع الكبار مايجري بالأسفل، اللوح الزجاجي المتصل باللوح الآخر يوحي بهذا، على الأرض نخلة وطيور متنوعة أبرزها حمام...
على الطاولة آثارُ شيءٍ دافئ، إحساسٌ غريبٌ يتسلل إليه، يخطف قلبه ، يُشعره بأنه في عالم آخر، ماسر هذا المكان؟ قال له أحد العاملين : كانت على المقعد الذي تجلس عليه امرأة طلبتْ مشروبًا ساخنًا، عندما شاهدتَك قادمًا لم تُكمل احتساءها له ، اكتفتْ بالنصف وغادرتْ وهي تنظر إليك، قال له: فهمتُ الآن، نظر...
سامحيني، يقولُ لها سامحيني وهو يمسحُ دمعةً صغيرةً من عينِه اليمنى ، عندما قبَّلتُكِ لم أكنْ أُحبُّك، تماديتُ لدرجةِ الإغراقِ في التقبيلِ كي أُرضي نفسي لا لأرضيك، كلُّ همِّي هو أن أُشبعَ غرائزي المدفونةَ داخلي دون أيِّ اعتبارٍ آخر، حتى الغطاء الأخضر الذي غطيتُ رأسَكِ به لم أضعْه ليقيكِ لفحةَ...
ماذا سيحدثُ لو أغلقْنا الطريقَ وافترشْنا الأرضَ نسكبُ عليها آهاتنا؟ ردتْ بذهول: أنتَ مجنون؛ أتريد أن ينبتَ الحُبُّ على رفاتِ المتعبين، ألا ترى هذه التي تتأوه من فرطِ الألمِ وأنتَ تتحدثُ عن العشق، وهذا الذي يتوكأ ويده تنتفضُ من براثنِ الوجعِ وأنتَ تحبُّ فتداركتُ؛ قلتُ لها: أمزح.. أمزح كررتُها...
اللوحُ الزجاجي العريض أمامه ، الرخامُ الأنيق تحت قدميه، النخلُ الذي يصطفُّ على مدّ بصره بينما صوتها المضطرب يريد أن يطمئن، قال لها : إنه يحب النخل، وأن أمه كانت تضعه تحت ظل النخلة وتدخله في قطعة قماش مربوطة في ركبتي السرير وتهزه كي ينام، وقبل أن يغمض عينيه يظل ينظر في سعف النخلة وهو ينتظم على...
فاجأتْه بمقدمِها من عالمٍ آخر، التزمَ الصمتَ وشعورٌ يتأججُ داخلَه ، لم تدمْ طويلًا في وقفتِها معه ، جاءتْ مثلَ سحابةٍ عابرةٍ هلَّتْ بمائها العذبِ ثم همَّتْ بالمغادرة، لم يستطعْ فعلَ شيء، بدتْ وكأنَّه يستحيلُ أن يطالَها أو يطيرَ معها إلى أعلى، أجملُ شيءٍ فعلَه هو فرحتُه بها وهي التي التقاها لأولِ...
حَزِنَ كثيرًا لأنَّ الزهرةَ البيضاءَ انسلَّت بهدوءٍ نحوَ المجهول ، لَطالما ظَلَّ يتابعُها وهي تنمو وتنبتُ على تُربتينِ مُختلفتين ، سَابقةٌ فريدةٌ من نوعها أن ترى أصلًا يمتدُّ في جهتين متناقضتين ، يتسللُ نحو الطين يتنفسُ بهدوءٍ ويمتدُّ في بحرٍ من الملحِ بتربةٍ جرداء ، بزغتْ أوراقُها بجمالٍ غريب ،...
نَسْمُرُ على فانوس ملتهب، ننسى لهبَه الذي يطولُ ويطولُ فيتصاعد دخانُه من رأسه، شممتُ رائحةَ شعرِ رأسيْنا المحترق ، أسألُها وتسألُني عن الرائحةِ ، أضعُ يدي على رأسي، وتضعُ يدَها على رأسها فنصابَ بالذهولِ ونضحكَ ، نرشُّ الماءَ على الفانوسِ لنُطفئ شعلتَه ثم نُمسي على ضوءِ نجمةٍ بعيدة، تبردُ...
باتتْ ترسمُ لوحتَها المزخرفة، تحبُّ الرسمَ والفرشاةَ والألوانَ أكثر ، رسمتْ فتاةً جميلةً جدًّا وجهُها كوجوهُ الغانيات، جعلتْ شعرَها ممدودًا حتى نهايةِ لوحتِها، فتحتْ عينيها بحرًا من الأحلامِ والدموعِ وكأنها تنظرُ إلى قواربِ النجاة، أرسلتْ من عينها التي تنظرُ بحزنٍ دموعًا تكادُ تحرقُ اللوحةَ...

هذا الملف

نصوص
81
آخر تحديث
أعلى