محمد الرياني - مُرُور

فاجأتْه بمقدمِها من عالمٍ آخر، التزمَ الصمتَ وشعورٌ يتأججُ داخلَه ، لم تدمْ طويلًا في وقفتِها معه ، جاءتْ مثلَ سحابةٍ عابرةٍ هلَّتْ بمائها العذبِ ثم همَّتْ بالمغادرة، لم يستطعْ فعلَ شيء، بدتْ وكأنَّه يستحيلُ أن يطالَها أو يطيرَ معها إلى أعلى، أجملُ شيءٍ فعلَه هو فرحتُه بها وهي التي التقاها لأولِ مرة، ولأولِ مرةٍ يسمعُها تنثرُ الحروفَ لتنسجَ فستانَها الذي تخيَّلَ المساءَ الذي سيراها فيه وهي ترتديه، مدَّ إليها يدَه ثم سحبَها وتركَها تغادر، نظرتْ إليه بحدَّةٍ لتزجرَه، تمقتُه فقد تجاوزَ الحدَّ أو مدَّ يدَه إلى شيءٍ لايمتلكه ، نظرَ إلى يدِه وهو يتمنى أنه أخفاها ؛ كان يثقُ بأنها ستمتدُّ مرةً أخرى لتصافحَ الحلمَ الذي رأى ، غادرتْه بحسرةٍ تغشاه، نظرَ إلى أعلى وهو يدعو بأن تأتي ثانيةً لتهطلَ عليه وتكتبَ فصلًا جديدًا فلم يرَ شيئًا بينما الزرقةُ العاليةُ في السماءِ بقيتْ كما هي والأحلامُ لا تبدو قادمةً في أيٍّ من فصوله ، مرَّ كثيرٌ من العامِ وهو يتذكرُ لقاءَه بها ، وتذكرَ الأوراقَ التي يحملُها معه وأوراقها التي تحملُها معها وكأنهما اتفقا على أن يكونا متشابهين في هذا الفعل ، ابتلعَ بعضَ ريقِه وحيدًا، اقتربَ الليلُ من النصفِ الذي يفتحُ على الصباح، دلَّهُ بصيصُ الضوءِ الخافتِ في غرفتِه على بعضِ الشَّعَرِ الأبيضِ النابتِ على يديْه ، تذكرَها وهي تطوي ورقتَها الأخيرةَ وتلوِّحُ بالمغادرةِ غيرَ مكترثةٍ به ، أغمضَ عينيْه كي لا يرى الحلمَ الذي حلَّ به فجأة، انتظرَ الصباحَ على شوقٍ ، يريدُ أن يرى الشمسَ والنهارَ والظلال والأمل ، لا يريدُ وحشةَ الليلِ وحيدًا ولا أن يرى طيفَها الذي ذابَ في ثنايا الليل، دخلَ في نومٍ عميق، كان بجوارِه قصاصاتُ أوراقٍ ورديةٍ أنيقةٍ ومرتبةٍ من أجلِ أن يكتبَ عليها شيئًا فلم يستطع، شعرَ بالدِّفءِ ففتحَ الشباكَ القريبَ من نافذتِه ليرى العالمَ في اليومِ الجديد، تتاثرتْ أوراقُه الأنيقةُ بلا كتابة، فتحَ عينيه كي يبصرَ العالمَ الافتراضي الذي سكنَ رأسه، اختفى كلُّ شيءٍ أمامَه وبقيتْ صورتُها في خيالِه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى