محمد الرياني - عيدُ الجَدَّة

قالَ لها وهو يقف قريبًا من رأسها : تنامينَ ياجَدَّتي والعيدُ حاضرٌ ! فتحت عينيها في وجهه ، مسحتْ وجهَها بكفِّها لتطردَ النوم الذي داهَمَها من التعب ، قالت ومن ينام ياحفيدي والعيدُ حاضر؟ نامت الجَدَّة بملابسِ العيد ، وضعتِ الحلوى في طبقٍ أبيضَ بلون العيد ،ونصبتْ زجاجةَ عطرِ العودِ في منتصفِ الطاولة ، رشَّت وجهَها وهي التي اغتسلت من الفجرِ ولبستْ وتطيبتْ وانتظرتْ على سريرِها لترى فرحةَ الصغار ، سلبَها النومُ بعضَ الفرحة ،مرَّ بعضُ العيدِ وهي في سباتِ من التعب ، لاتزال المكنسةُ مركونةً على جدارِ الغرفةِ تحت الظلال ، حَوْلَ غرفتِها الصغيرةِ ريحانةٌ عتيقةٌ يسلبُ النسيمُ شذاها ويلقيه في الأزقةِ فيأتي المعيّدون ليطبعوا القبلاتِ ويقطفوا من رؤوسِ الريحانة أوراقا ، وضعتِ الجَّدةُ خِمارَها على رأسِها ، قطفت ريحانًا وريحانة ، وضعتِ الريحانَ في آنية عتيقة، ووضعتِ الريحانةَ على رأسِها ، تجمَّعَ الصغارُ يقبِّلون الجَدَّة على رائحةِ أصالتِها وعلى شذى الريحان ، ملأوا الأسرَّةَ بأجسادِهم الصغيرة ، وملأوا المكانَ بنظراتِهم البريئة ، تبادلت معهم التهاني بالعيدِ السعيد ، قامت نحوهم وأعطت كلَّ واحدٍ حبَّةً من الحلوى العسليةِ التي اعتادت شراءَها كلَّ عيد ، رشَّتِ العطرَ على جوانبهم ، وقفت عند عتبةِ البابِ تودعُهم وهم يضعون الحلوى في جيوبِهم أو أفواههم ،عادتْ إلى السريرِ تنتظر المزيد من الأحفادِ وأبناءِ الجيران ، خافت من أن يعودَ النومُ إذا استلقت على السرير ،أو أن يأتي من يقول لها إن العيدَ حاضرٌ وأنتَ نائمة ، الصغيرُ اعتذرَ من الجَدَّة قبل أن يغادر ، قال ياجَدَّتي إني أمزح ، كررتْ على رأسِه قبلاتِها ، عادوا نحو الأزقةِ المتقاربةِ وهم يستروحون ريحانها في يومِ العيد ، تسامعَ آخرون فعادوا عند الأصيل ، نفدت حلوى الجَدَّة ، جادت بقبلاتها عوضًا عن العسلية ، غمرتْهم الفرحةُ ، قطفت المزيدَ من الريحان ، اشترت المزيدَ من الحلوى ، استمر العيدُ معها حتى الليل ولم تنم خوفًا من أن يغادرَ العيدُ وهي نائمة ، نامت بعدَ يومٍ مختلف ، نامت وبقايا الحلوى في الطبق ، همت منتصفَ الليلِ بعضُ قطراتِ الهتَّان على الريحانة ،تضوَّعَ ريحُها في الأزقة .


محمد الرياني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى