سمير الفيل

قررت أن أورث ابني مهنتي . كان القرار مدروسا ولم أتعجل في اتخاذه فالأسطى بومة العجلاتي هو أول من أشار عليّ بذلك حتى لا يضيع المحل بين الورثة وكلهم طامعون ، وجاء الريس بيومي الحنش فهمس في أذني أن هذا خير يعم على الجميع فبذلك لن يدخل غريب الزقاق أما صديقي الصدوق سدرة الخياط الذي أكرهه ، وأتبادل معه...
عرفنا أنه ابن ناس من أول وهلة . بنظراته الواثقة ، ووجهه الخمري المستدير الذي لم تلوحه شمس بعد ، وبتلك الابتسامة العريضة التي استقبل بها خبر توزيعه على سلاح المشاة . كنا على ثقة أنه لا يكذب علينا – في نوبات الراحة – حين يحدثنا عن أعمام له ، وأخوال يحملون رتبة اللواء أو العميد ، ويمكنهم بإشارة...
الثقب الذي مررت منه كان أضيق من أن يلحظه أحد . كنت عاريا تمام العري ، كما ولدتني أمي منذ خمسة عقود ، ولما كنت ـ وقتها ـ أصغر من أن أعي كيف قطعوا حبل السرة فقد خمنت أن القابلة فعلت كل ذلك بدربة ، وربطت مكان القطع بإحكام ، وخيطت قطعا في البشرة بدقة شديدة ، ولقفتني لأمي وهي في سريرها بين اليقظة...
قبضت على التصريح العسكري ، وانطلقت نحو " فايد" . ورقة صغيرة أشعرتني بسعادة غامرة. تشعلقت فوق جرار زراعي متهالك أنزلني على الطريق. وجدتها تضع الطست النحاسي أمامها . جالسة تحت شجرة كافور عالية جدا. أغصانها تكاد تلامس السماء بزرقتها البعيدة. إن كل شيء مختلف هنا . ابتسمت ، ووضعت في ابتساماتها مسرات...
الولد منير شقي ونحيف كنواة بلح أبريمي ، لكن دمه سكر ، وهو يقلد مشية مدرس العربي ، الذي يخب في بدلته الوحيدة الرمادية المثقوبة من الأكمام ، أو وهو يحاكي الأستاذ عبد السلام الذي يأتي من " العطوي " راكبا حماره الضعيف المضعضع . ضربه الناظر عشرة عصي عندما فك الحبل المربوط فيه الحمار بجذع شجرة ، ومضى...

هذا الملف

نصوص
20
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى