محمد أبو المعاطي أبو النجا

في البداية كانوا يلتقون في المناسبات، ثم أصبحوا يصنعونها من أجل أن يلتقوا، هم مجموعة من المثقفين جمعتهم ظروف العمل في بلد عربي، كانت تربطهم الأفكار والمعتقدات في مرحلة، ثم أوضحت لهم ظروف الغربة- دون لبس- أن حاجتهم إلى أن يلتقوا لا تزال باقية حتى بعد أن تسلل الاختلاف إلى أفكارهم في عالم دائم...
للقصصي الشاب أبو المعاطي أبو النجا لا شيء، لا شيء، غير أن الأقدار أرادت أن تسخر فلم تجد غيري لتسخر منه، أو أنها أرادت أن تمثل مأساة ساخرة فلم تجد غير قلبي مسرحا يصلح للتمثيل!! لا شيء غير ذلك؛ وإذا لم تصدقني فأستمع قصتي. . . كانت أواصر القرابة الوثيقة هي التي تجعلني أتردد على منزل (فتحية)،...
في هذه المرة، في هذا الصباح، كانت تفاصيل المكان تصل إلى عيني في وضوح بالغ، وفي دقة متناهية، مئات المرات في كل صباح كنت أعبر هذه الصالة الممتدة إلى مكتبي دون أن يسترعي انتباهي سوى استطالتها، وانكسار درجة الضوء فيها، والصمت الممتد في جنباتها، في هذه المرة ألاحظ تداخل ألوان البلاطات في الصالة كأنها...
كان آخر العنقود في أسرته، وأخذ نصيبه كاملا من مزايا اللقب وعيوبه، وربما بسبب ذلك الوضع التاريخي، كان الوحيد في الأسرة الذي سمحت له الظروف بأن يستكمل دراسته الجامعية، بينما لم تتجاوز أخته الكبرى مدرسة القرية، فكان من الطبيعي أن تتزوج من ابن العم الفقير، وتعيش حياتها معه في القرية يزرعان قطعة...
سارا معا يقصدان المقهى المعتاد لقضاء السهرة حيث يرتشفان أقداح الشاي الدافئة، ويتناقلان أحاديث الكادر المعادة، ويوزعان الوقت الممل الطويل بين تبادل النكات المرحة والتعليقات الساخرة، وبين لعبة النرد والشطرنج والبوكر!! وكان الصمت يسير بينهما وهو ينقل خطواته الثقيلة فوق الأرض وكأنه يطأ بقدميه...
كانت (صفية هانم) تنتقل نشوى بين المرآة وصوان الملابس وهي تستعرض الفساتين الحريرية الناعمة على جسدها العاجي البديع لتختار الفستان الذي يبرز مفاتن ذلك الجسد ويشي بأسراره إلى العيون. ثم تنتقل وهي تدندن بإحدى الأغنيات أمام معرض العطور والأدهان في ناحية أخرى من الحجرة لتستعيد لقسماتها الغضة جمال...
مهداة إلى رفيق الشباب محمد إسماعيل هاني الأضواء الساطعة التي تنبعث من نهاية الزقاق، والجموع الحاشدة التي تتوافد إلى هناك، يؤكدان أن حادثاً هاماً شغل أهل الزقاق هذا المساء! أما الأغاريد التي تنبعث بين آن وآخر، والأغنيات التي تسمع بين حين وحين، والأعلام الصغيرة الخضراء التي يهزها نسيم المساء...
كان (رأفت بك) يغادر المحطة واضعا يديه في جيوب معطفه الصوفي الثمين وقد رفع ياقته حتى تلتف حول عنقه، فقد كان الجو شديد البرودةوالريح سريعة الهبوب. . وكان بين آن يلتفت خلفه يستعجل الحمال الذي يحمل حقيبته بكلمات مقتضبة. وكان الحمال أو بعبارة أدق الصبي الذي يحمل الحقيبة في الثامنة من عمره؛ وكان يعدو...
أكان ذلك بسمة ساخرة من تلك البسمات التي ترتسم على شفتي القدر حين ينظر إلى أحلام الناس!؟ أم كان ذلك لفتة بارعة من تلك اللفتات التي يهديها الزمن إلى أولئك الذين يأملون تحقيق السعادة في أرض لم يكن نصيبها سوى الشقاء! لست أدري يا صديقي. . . وسواء أكان هذا أم ذاك. . . فإن ذلك لن يغير من حوادث تلك...
كان السائر في طرقات القرية يسترعي انتباهه ذلك الحديث الهامس بين الجالسين على المصاطب وبين السائرين في الطريق!! ذلك الحديث الذي يدور حول طاهر أفندي. وما كان من عادة أهل القرية أن يتحدثوا عنه بذلك الاهتمام لولا ما حدث اليوم في منزله؛ ففي الصباح الباكر حضر لديه طباخ من المدينة القريبة وما زال...
كنت قد انتهيت من ارتداء ملابس الخروج في ذلك الصباح، وكالمعتاد وقفت أمام المرآة ألقي نظرة أخيرة على هندامي، فوجدت يدي تمتد إلى المشط الموضوع فوق التسريحة، وتمضي به في حركات شبه محفوظة في شعري تبدأ من مفرق جهة اليسار إلى جانب رأسي الأيمن. في ذلك الصباح فوجئت بحفيدي الذي كان يقف خلفي تماما دون أن...

هذا الملف

نصوص
11
آخر تحديث
أعلى