في الأدب المقارن

تختلف الفنون في مجالاتها وبعض وسائلها: فللشعر من القدرة على وصف الحركة وتناول الأشياء المتباعدة في الزمان والمكان ما ليس للتصوير، ولهذا من المقدرة على بيان دقائق الموصوف وتحديد ماهيته ما يعوز الشعر؛ ولكن الفنون تتفق جميعاً في غايتها التي هي التعبير عن تأثر الإنسان بروائع الحياة وشغفه بجمالها،...
تفشو الخرافة - وهي الاعتقاد بالمستحيل عقلاً - بين الجماعات الأولية، حتى تشمل ديانتهم وعلومهم وفنونهم القليلة، وعرفهم وتقاليدهم، لأن تلك الجماعات في نشأتها كالطفل في صغره، قليلة الإدراك للأسباب والمسببات، سريعة الانقياد للعواطف والأوهام والمخاوف، فلا تلبث أن تنمو بينها شتى الأساطير، تفسر بها قوى...
للدين في أدب كل أمة أثر عميق متشعب، بل هو أخل الآداب والفنون والعلوم، تنشأ كلها في الجماعات البدائية لخدمته، ويستأثر بالتبحر فيها رجاله، ثم تذيع عنهم في بقية الشعب وتنفصل تدريجياً عن الدين، ويستقل كل منا بنفسه، ويظل للدين مع ذلك أثر فيها قل أو كثر، يؤثر فيها من جراء تأثيره في المجتمع الذي تستقي...
كانت الثقافة اليونانية خلاصة ثقافات البحر الأبيض القديمة: لأنها إلى جانب ما استوعبته من الحضارات الشرقية تمثل نتاج العقل اليوناني الذي كان أخصب عقل ظهر في العصر القديم. فلما مضى ذلك العص ودالت دولة اليونان وكان العصر الوسيط كان العرب هم السابقين إلى التعرف بالثقافة اليونانية فأخذوا من علوم...
أثر البيئة في الإنسان ومجتمعه وعلومه وفنونه من النواميس التي اهتم العلم الحديث بكشفها وتتبع مظاهرها والرجوع إليها في شتى الدراسات. وأثر البيئة في أدب كل أمة على إطلاقه واضح مشاهد؛ بيد أن لكل أديب بيئة خاصة داخل البيئة العامة التي تحيط به وبغيره من أدباء أمته، ولهذه البيئة الخاصة أثر بعيد في...
المعنى الصادق الرفيع والأسلوب المحكم الجميل هما قوام كل أدب خليق بهذا الاسم، لا يغني أحدهما إذا غاب الثاني؛ فلابد من شعور عميق، أو تفكير ثاقب جدير بعناء الإنشاء والقراءة، ولابد بجانب ذلك من عبارة منسجمة جميلة تعرض المعنى على أحسن وجه وأحبه إلى النفوس؛ وكبار الأدباء في شتى الأمم يجمعون دائماً...
التخلق من صفات الإنسان الذي يحيا في الجماعة، تضطره الحياة الاجتماعية إلى تعديل كثير من طباعه الفطرية التي يجبل عليها، وكبح ما يتنافى منها مع مصلحة المجتمع، الأخذ بما فيه تلك المصلحة، فالأخلاق الحسنة أو الفضائل هي الصفات التي بها يكون صلاح الفرد والمجتمع، ومن أجل هذا الصلاح يحمد الصدق والشجاعة...
يولد المرء جاهلاً ثم لا تزال التجارب تبصره بحقائق الحياة ولا يزال الدهر يعلمه ويؤدبه، ولا يزال هو بثاقب فكره، يتعظ بماضيه وينتفع بمشاهداته، ويصوغ من جزيئات التجارب التي يمر بها كليات يلخص فيها نواميس الحياة وطباع الأشياء، التي يجدر بالعاقل أن يسايرها ويحتال لها، لا أن يصادمها ويجري على غير...
يروع الناظر في الأدبين العربي والإنجليزي شدة ما بينهما من تباعد، وكثرة ما هناك من وجوه الاختلاف، وقلة ما فيها من وجوه التشابه والاتفاق، ولا غرو فان الظرف الجغرافية والتاريخية التي أحاطت بنشأة كل منهما ونموه وازدهاره، وكانت متباينة أي تباين، والعوامل الاجتماعية والسياسية التي تترك آثارها في الأدب...
لا ريب إن الأدب العربي مقصر دون الأدب الغربي في كثير من النواحي. برغم ماله من الميزات الخاصة وبرغم عراقته وحداثة الأدب الغربي بالنسبة إليه. فقد سار الأدب الغربي بخطى واسعة وتطور في عصوره. على حين سار الأدب العربي دائماً على نمط يكاد يكون واحداً. وكبا بعد العصر العباسي الزاهي كبوة لم يقل منها إلا...
الطبيعة إلف الشاعر الحميم، وتوأم روحه، ومرتع فكره ومتاع بصره، ومهبط وحيه، ومعاهد متاعه وذكرياته، إلى ظلالها يسكن، وبين محاسنها يهيم، وعندها ينفض أوشاب العيش ويطرح أعباءه، ويستريح فكره الذي أنضاه التعب، ونفسه التي أضجرتها معاشرة الناس، وتتهادى إليه عذارى الشعر طائعة، وتسلس إليه شوارد الأفكار...
الممارسون للآداب نثراً ونظماً في كل أمة وفي كل جيل أكثر من أن بعدوا، لأن الإفصاح عن خوالج النفس وتأثراتها بما تحس وما ترى طبعي في الإنسان، وإنما يَنْبُهُ من أولئك الممارسين للآداب القليلون ويخلد الأقل؛ يميزهم من غيرهم سداد الفكر ولطف الشعور وروعة الأسلوب، ومن أولئك يكون أعلام كل أدب، ترفعهم...
يمر أدب كل أمة بثلاثة أطوار كبرى تتبع عهود رقي الجماعة: فطور الهمجية يليه طور البداوة ويلي هذا طور الحضارة؛ وفي الطور الأول لا يكون للأدب وجود مستقل بنفسه، بل يكون الشعر تعبيراً ساذجاً عن بسيط العواطف ممتزجاً بالغناء والرقص، ويكون النثر شذوراً من الخرافات والمعتقدات المتوارثة عن الآلهة والجان...
تتفق اللغتان العربية والإنجليزية في خروجهما من جزيرة منعزلة، وانتشارهما في إمبراطوريتين متراميتين، وفي تأثر أدبيهما بهذا التوسع العظيم وبالاختلاط بالأمم الأخرى وآدابها، ولكنهما يختلفان في كيفية هذا التأثر ونواحيه ومداه، لاختلاف الظروف التي اكتنفت قيام الإمبراطوريتين. فقد صحبت قيام الدولة...
لعل الأدب الإنجليزي أشد الآداب تحفظاً في المقال والتزاماً للوقار وعزوفاً عن المجون، فبينه وبين الأدبين الفرنسي والروسي، مثلاً، بون كبير في هذا المجال. وبعكس ذلك كان الأدب العربي الذي وسع من صريح العبارة عن ماجن القول وسفسافه ما لا يسيغه العصر الحالي؛ بل لم يكن يسيغه فضلاء العصر الذي قيل فيه،...

هذا الملف

نصوص
107
آخر تحديث
أعلى