17 - 10 - 1949
إلى الأستاذ أنور المعداوي
نحن نتعقبك في تعقيباتك المتعة، ويعجبنا فيك عاطفة متأججة، وإيمان بما تكتب، وصدق فني في تعبيرك، ونكبر فيك صراحة واضحة، وقلما قويا تقذف به في صدر الزيف والبهرج والباطل، فنزداد تعلقا بك، وحبا لقلمك ونشعر بهزة عنيفة تنفذ إلى مسامع القلب، ومسارب الروح.
ومقاييس الشعر التي تحدثت عنها، هي مقاييس صحيحة، ومعايير صادقة، ودراسة قصيرة (إيليا أبو ماضي) على ضوئها كانت دراسة جميلة، وأسلوبا في النقد والتعليق يعد أسلوبا طريفا لأنه ينصب على القيم والمعاني والأحاسيس والتجارب والظلال، ولا يحفل بالشعوذة اللفظية، والبهرج الزائف؛ ولكني لا أوافقك بل أعتب عليك عتبا كثيرا حينما تصب حكمك القاسي على الشعر العربي القديم جملة واحدة، هذا التراث الذي نفخر به على الزمن هذا التراث الذي جعلته خواء من الروح والعاطفة. إنك بهذا الحكم تهدم حضارة، وتبعثر أمجاد أمة، وأنا أعيذك من هذه النظرة، وأرجو أن تراجع نفسك، وتستشير ذوقك وحسك مرة أخرى، وأنا موقن أنك لن ترضى لنفسك، أن تسم الشعر العربي بهذه السمات (شعر السطوح الخارجية) شعر يشعرك بوجود (الفراغ الداخلي) إن الشعراء كانوا يعيشون خارج (الحدود النفسية).
لا لا يا أخي. ألم تقرأ شعر المتنبي؟ اقرأه في السيفيات والكافوريات فتراه شعرا منبثقا من أعماق النفس، هو في ظاهره مديح، ولكن وراء هذا معان كلها أثر للإحساس النفسي والانفعالات الحزينة تارة، المريرة أخرى، الساخرة كثيرا. واقرأ شعر ابن الرومي في رثائه ومدحه وهجوه فهو صادر عن نفس حساسة شاعرة، وألفاظه شفافة موحية. واقرأ في كل عصر من عصور الأدب، فستجد شعر النفس، وصدق الفن في أكثر ما تقرأ. ولست الآن بسبيل الاستقصاء، وضرب الأمثال من شعر الشعراء، وكلام النقاد؛ فإنما هي كلمة عابرة اكسر عليها قلمي حتى اسمع رأيك مفصلا واضحا.
هذا شئ، وهناك شئ آخر، لقد جعلت (شوقي) زعيم مدرسة في حسن الأداء النفسي، لأنه يملك الصدق في الشعور وفي الفن، وجعلته قرينا لشاعر آخر.
والمعروف أن المدرستين مختلفتان في الكثير من السمات والوجوه؛ فشوقي في رأي يحفل بالصدق الفني، ويتأنق في عرض الصورة البيانية، فطابع الصدق الفني أغلب في شعره من الصدق الشعوري، وعلى النقيض من ذلك الشاعر (إيليا أبو ماضي).
والذي يهمني بعد، أن توضح لي رأيك في مكان شوقي بين الشعراء، ومكانة شعره في نفسك.
ولصديق الروح تحية ملؤها الحب والإعجاب والتقدير. . .
(دمياط)
عبد المنعم سلمان مسلم
إلى الأستاذ أنور المعداوي
نحن نتعقبك في تعقيباتك المتعة، ويعجبنا فيك عاطفة متأججة، وإيمان بما تكتب، وصدق فني في تعبيرك، ونكبر فيك صراحة واضحة، وقلما قويا تقذف به في صدر الزيف والبهرج والباطل، فنزداد تعلقا بك، وحبا لقلمك ونشعر بهزة عنيفة تنفذ إلى مسامع القلب، ومسارب الروح.
ومقاييس الشعر التي تحدثت عنها، هي مقاييس صحيحة، ومعايير صادقة، ودراسة قصيرة (إيليا أبو ماضي) على ضوئها كانت دراسة جميلة، وأسلوبا في النقد والتعليق يعد أسلوبا طريفا لأنه ينصب على القيم والمعاني والأحاسيس والتجارب والظلال، ولا يحفل بالشعوذة اللفظية، والبهرج الزائف؛ ولكني لا أوافقك بل أعتب عليك عتبا كثيرا حينما تصب حكمك القاسي على الشعر العربي القديم جملة واحدة، هذا التراث الذي نفخر به على الزمن هذا التراث الذي جعلته خواء من الروح والعاطفة. إنك بهذا الحكم تهدم حضارة، وتبعثر أمجاد أمة، وأنا أعيذك من هذه النظرة، وأرجو أن تراجع نفسك، وتستشير ذوقك وحسك مرة أخرى، وأنا موقن أنك لن ترضى لنفسك، أن تسم الشعر العربي بهذه السمات (شعر السطوح الخارجية) شعر يشعرك بوجود (الفراغ الداخلي) إن الشعراء كانوا يعيشون خارج (الحدود النفسية).
لا لا يا أخي. ألم تقرأ شعر المتنبي؟ اقرأه في السيفيات والكافوريات فتراه شعرا منبثقا من أعماق النفس، هو في ظاهره مديح، ولكن وراء هذا معان كلها أثر للإحساس النفسي والانفعالات الحزينة تارة، المريرة أخرى، الساخرة كثيرا. واقرأ شعر ابن الرومي في رثائه ومدحه وهجوه فهو صادر عن نفس حساسة شاعرة، وألفاظه شفافة موحية. واقرأ في كل عصر من عصور الأدب، فستجد شعر النفس، وصدق الفن في أكثر ما تقرأ. ولست الآن بسبيل الاستقصاء، وضرب الأمثال من شعر الشعراء، وكلام النقاد؛ فإنما هي كلمة عابرة اكسر عليها قلمي حتى اسمع رأيك مفصلا واضحا.
هذا شئ، وهناك شئ آخر، لقد جعلت (شوقي) زعيم مدرسة في حسن الأداء النفسي، لأنه يملك الصدق في الشعور وفي الفن، وجعلته قرينا لشاعر آخر.
والمعروف أن المدرستين مختلفتان في الكثير من السمات والوجوه؛ فشوقي في رأي يحفل بالصدق الفني، ويتأنق في عرض الصورة البيانية، فطابع الصدق الفني أغلب في شعره من الصدق الشعوري، وعلى النقيض من ذلك الشاعر (إيليا أبو ماضي).
والذي يهمني بعد، أن توضح لي رأيك في مكان شوقي بين الشعراء، ومكانة شعره في نفسك.
ولصديق الروح تحية ملؤها الحب والإعجاب والتقدير. . .
(دمياط)
عبد المنعم سلمان مسلم