عارية تأكلها عيونٌ نهمة. ألسنةٌ طويلةٌ لزجةٌ تمتدُّ تلعقُ جلدَها في نشوةٍ مهتاجة. يتحلقون حولها في رقصة وحشية. تتعالى أصواتهم ويزداد هياجهم. تضيق حولها الدوائر وتستدق حتى تصير كثقب إبرة. وحيدة– كما قُدِّر لها منذ زمنٍ بعيد– تتقاذفها ريحٌ جموح. ترى نفسها وقد استطالت أظافرها، نبتت لها مخالب تخمش بها الوجوه القميئة. تدافع عن جسدها المستباح. تدور وتدور تدفع أكداس الظلام. تصرخ بأعلى صوتها. يرتد إليها الصدى مشروخًا مبحوحًا كأنين ناي مُعذَّب يقف عند حافة السماء وحيدًا.
هبت من نومها مفزوعة، يبلل العرق البارد جبهتها. تلملم ثيابها، تتحسس جسدها، تطمئن على وجوده. تتسارع أنفاسها وهي تجاهد من أجل التقاطها. كبست زرَّ المصباح. انداحت الظلمةُ إلى الأركان والزوايا. تسرح البصر في الغرفة المغلقة على أوجاعها. تناولت القلة المبلولة البدن الموضوعة على النافذة. تفرغها في جوفها المتشقِّق وأنفاسها لاهثةً. تتأمل الخطوط الظاهرة في جسدها من أثر الحصير. فكَّت رباط شعرِها. ينسدل كثيفًا فاحمًا على الظهر. تطالع وجهها المخطوف في شطفة المرآة المعلقة على الحائط. تتابع الهالات السوداء تحت عينيها. لم تشأ أن توقظَ المرأة العجوز الراقدة بجوارها تتردَّد أنفاسها عميقةً رتيبةً.
من نافذة الحجرة المنسية فوق السطوح تمد البصر. ترمق الأفق بجفون مرتخية. الليل ساجٍ صامتٌ. صمتٌ له صرير من التراب والأسمنت، كثيف كالدخان الأسود الذي يخرج من مداخن المصانع. كل البيوت غارقة في ظلام دامس، وفى قبة السماء مصابيح لا يحصرها العد تضيء أمام عرش الرب. رائحة الهواء المحروق تلسع أنفها. تتابع حركة الأشباح من حولها في رقصة ليلية. تستسلم لخيالات الذي لا يأتي ولا يرحل. مسكونة كل السكك بالصمت والعتامة. مزروعة بالخوف كل الدروب.
من هنا تبدأ الحارة، ثم تمضي تضيق وتتعرج وتنفرج، ثم تتفرع إلى فروع تدق وتتقارب فيها الحيطان حتى تنتهي إلى البراح.
محفورة في ذاكرتها تلك الليلة لم تزل. طفلة صغيرة مذعورة تجرها أمها في غبشة المساء، تطوف بها أزقة الحي الفقير وركام نفاياته بحثًا عن مأوى حتى استقر بهما المقام في هذه الغرفة، تفترشان الظلام بساطًا للوَنَس.
ريحٌ باردةٌ تقمط الفجرَ الوليد وتلقي به على رأس الحارة وتمضي. الحواري والأزقة صامتة مقفرة ومنطوية على نفسها. تحتويني العتمة كلما هممتُ أن أخرج من بردي وصمتي. يأتيني صوتُ أمي قادمًا من قرارٍ سحيق يرقد داخله رهافة مضفرة بالشجن:
- مالِك يا نادية؟
- مفيش يامَّه.
وفي داخلي ينز الألم. إحساسٌ دفينٌ بالوحدة، بالوجع الكامن في عمق الروح. كبرت يا أمي وكبرت مقاسات همومي. أهمس بملء الوجع الحال في روحي وجسدي:
ضميني يا امرأة، قبِّلينى حتى أشعر بالأمان. كل أغطيةِ الدنيا لا تمنحني الدفءَ وروحي متعبة.
فتجاوبني بالحرقة المصفاة: لهفى عليكِ يا ابنة بطني، وأنا أراكِ تذوين ويشحب وجهكِ تحت وطأة الشغل والهم.
● ● ●
الصباحات هنا لها نكهة خاصة. صباحات تعلن يوميًّا عن بقاء كيان يتأبَّى على الذوبان رغم علامات الفقر والبؤس الظاهرة فيه. البيوت المتداعية تتساند على بعضها في حنو، لكنها تطرد ساكنيها إلى الطرقات.
حملت أغراضها وسارت تتبعها أمها، ينقلان الخطو في الحواري المعتمة الساكنة. سكون يقطعه نباح كلبٍ ظلَّ ساهرًا حتى الساعة، خربشات فئران نشطة، وعِرَس تمرق من تحت أعقاب البيبان، تطارد الفئران في لعبة الحياة والموت.
هذه الطرقات لم تعد رحيمةً بنا، تمارس القسوة علينا ليلَ نهار. ومنذ متى كان للطرقات قلب؟ كل البيوت نوافذٌ، وكل النوافذ عيونٌ تحملق فيَّ، تتسلَّل تحت جلدي. تنفتح بوابات الحزن المغلقة في قلبي.
● ● ●
في مَوقَف السيارات تقف أمام "نَصَبة" الشاي. ترتب أغراضها. موقد الغاز، الساتر الصفيح الذي يحمي اللهب من تيارات الهواء، الأكواب الزجاجية، الملاعق والصواني، عبوات الشاي والسكر، وآنية الماء. ترفع عينيها عن كوب الشاي الذي كانت تحملق في لونه القاتم كحياتها. يهل عليها زبائنها من السائقين والصبيان وعابري السبيل.
تتذكر أيامها الأولى في "المَوقَف". فتاة صغيرة، نحيلة، وهشة. متفائلة حد الخوف، ومبتهجة حتى الكآبة. مثل كل البنات تحلم بالدفء والوَنَس ومحبةِ الوليف. تتعامل مع الأشياء بنزق الشباب وشغف المستكشفين والدهشة البكر. ينسدل شعرُها كثيفًا من تحت إيشاربها منسول الأطراف. نهداها المتوثبان المنفرجان قليلًا على جانبي صدرِها، يهتزان كلما تحركت. تبادر بالسؤال عن الغائب، تتلهف للاطمئنان في الأزمات. تبدي إعجابًا أحيانا ونفورًا في أحيانٍ أخرى.
يحاصرني الكلام المراوغ، صاحب الغرض. تصك أذني لغة مشبعة بالعبارات العاهرة والمكررة حدَّ القَرَف. عيونهم المتلصصة تذبحني، تجردني من ثيابي، تغوص تحت جلدي، وتنهش أعضائي. نظراتهم المصوبة إليَّ من الخلف أحس بها لاسعة كسيخ حديدٍ مُحمَّى. أحسُّ بلعاب رغباتهم فوق جلدي. تطاردني مسوخ مشوهة مثقلة بأدران وأوساخ ليس أقلها القسوة والجلافة وسوء السلوك والكذب على النفس وعلى الناس. لحديثهم رائحةُ النَّتَن، وأصواتُهم فحيحُ أفاعٍ.
انسحبتُ وتواريتُ أمضغ شجني ووحشتي. أتطلَّع إلى سماءٍ بلا نجوم، أخاطب ساكنها: أَمِنَ المُحتَّم علينا أن نتحمَّل كلَّ هذه البذاءات والإهانات حتى تخرج لقمة العيش هكذا صدئة، بالغة المرارة؟ تواسيني أمي وتوصيني بالصبر. الصبر معناه أن تقبل، أن ترضى، أن لا تعترض، وأن تواصل السير في ذات الطريق المؤلمة. أن تمشي حافيًا فوق الجمر، وأن تضمر الألم ولا تعلن الانسحاب من الممشى الدامي.
● ● ●
الشعر المنفلت الجموح قيَّدته بالبِنَس الصغيرة، وأحكمت إخفاءه تحت غطاء الرأس. انحناءات واستدارات الجسد المنهك، ارتعاشات اليمامتين النافرتين في هضبة الصدر، أحكمت سجنهم خلف الملابس الفضفاضة. تغادرها ملامح الأنثى التي كانت فلا تكترث. صارت كنبات صبَّارٍ جاف، من اقترب منها يصيبه بعضٌ من أشواكها. أطلقوا عليها "نادية الدَّكَر". ضايقها الاسم في البداية، لكنها– بمرور الأيام– اعتادت عليه.
"وعندما أعود منهكةً آخر الليل، أطلق العنان لشَعرِي. أحرِّره من قيودِه وأفكُّ أربطتَه. أحتفي بجسدي المتشقق إهانةً وذلًّا. أتأمله، أتحسَّس انحناءاته وتفاصيله، أتذكَّر ملامحه وأذكِّر نفسي بأنني امرأةٌ. أغوصُ في أنوثتي المنسية التي تأبى الرحيل وأتوق إلى الذي لا يأتي ولا يرحل".
● ● ●
مُتعبةٌ من مطاردة الظلال. تأتي الكلاب ليلًا لتأتنس بي وأأتنس بها. أسمع صوت الصدأ الزاحف في الليل. البلدة نائمةٌ على غير العادة. يهب نسيم الليل الرطب فيمسح وجهي ويربت على كل جروحي. أستحضر أولئك الذين غافلونا يومًا ورحلوا إلى السماء. أنفض الحزنَ العالق بملابسي. معلقةٌ أنا في الفراغ. أسقط كالنخالة كالفتات، أرتطم بطائرة ورقية. ليت خيطًا يمسكني مثل خيطها.
أسندت ظهرها إلى جدار. مدَّدَت قدميها. أشعلت سيجارة. زفرت زفرةً. خرجت أنفاسُها حارَّةً متَّقدةً.
شعورٌ طاغٍ بالوحدة. وحدةٌ موجعةٌ تفرغُ العالمَ من حولي، وتفرغه من المعنى.
من العتمة المسكونة بالهواجس والظنون، يأتيني صوتُ أمي مرتعشًا بتَوقٍ يشبهني.
سمعتُها وبكيتُ، والطائر الذي كان ينوح في السماوات البعيدة، الغائب عنها القمر، كان قلبي.
-----------------------
هبت من نومها مفزوعة، يبلل العرق البارد جبهتها. تلملم ثيابها، تتحسس جسدها، تطمئن على وجوده. تتسارع أنفاسها وهي تجاهد من أجل التقاطها. كبست زرَّ المصباح. انداحت الظلمةُ إلى الأركان والزوايا. تسرح البصر في الغرفة المغلقة على أوجاعها. تناولت القلة المبلولة البدن الموضوعة على النافذة. تفرغها في جوفها المتشقِّق وأنفاسها لاهثةً. تتأمل الخطوط الظاهرة في جسدها من أثر الحصير. فكَّت رباط شعرِها. ينسدل كثيفًا فاحمًا على الظهر. تطالع وجهها المخطوف في شطفة المرآة المعلقة على الحائط. تتابع الهالات السوداء تحت عينيها. لم تشأ أن توقظَ المرأة العجوز الراقدة بجوارها تتردَّد أنفاسها عميقةً رتيبةً.
من نافذة الحجرة المنسية فوق السطوح تمد البصر. ترمق الأفق بجفون مرتخية. الليل ساجٍ صامتٌ. صمتٌ له صرير من التراب والأسمنت، كثيف كالدخان الأسود الذي يخرج من مداخن المصانع. كل البيوت غارقة في ظلام دامس، وفى قبة السماء مصابيح لا يحصرها العد تضيء أمام عرش الرب. رائحة الهواء المحروق تلسع أنفها. تتابع حركة الأشباح من حولها في رقصة ليلية. تستسلم لخيالات الذي لا يأتي ولا يرحل. مسكونة كل السكك بالصمت والعتامة. مزروعة بالخوف كل الدروب.
من هنا تبدأ الحارة، ثم تمضي تضيق وتتعرج وتنفرج، ثم تتفرع إلى فروع تدق وتتقارب فيها الحيطان حتى تنتهي إلى البراح.
محفورة في ذاكرتها تلك الليلة لم تزل. طفلة صغيرة مذعورة تجرها أمها في غبشة المساء، تطوف بها أزقة الحي الفقير وركام نفاياته بحثًا عن مأوى حتى استقر بهما المقام في هذه الغرفة، تفترشان الظلام بساطًا للوَنَس.
ريحٌ باردةٌ تقمط الفجرَ الوليد وتلقي به على رأس الحارة وتمضي. الحواري والأزقة صامتة مقفرة ومنطوية على نفسها. تحتويني العتمة كلما هممتُ أن أخرج من بردي وصمتي. يأتيني صوتُ أمي قادمًا من قرارٍ سحيق يرقد داخله رهافة مضفرة بالشجن:
- مالِك يا نادية؟
- مفيش يامَّه.
وفي داخلي ينز الألم. إحساسٌ دفينٌ بالوحدة، بالوجع الكامن في عمق الروح. كبرت يا أمي وكبرت مقاسات همومي. أهمس بملء الوجع الحال في روحي وجسدي:
ضميني يا امرأة، قبِّلينى حتى أشعر بالأمان. كل أغطيةِ الدنيا لا تمنحني الدفءَ وروحي متعبة.
فتجاوبني بالحرقة المصفاة: لهفى عليكِ يا ابنة بطني، وأنا أراكِ تذوين ويشحب وجهكِ تحت وطأة الشغل والهم.
● ● ●
الصباحات هنا لها نكهة خاصة. صباحات تعلن يوميًّا عن بقاء كيان يتأبَّى على الذوبان رغم علامات الفقر والبؤس الظاهرة فيه. البيوت المتداعية تتساند على بعضها في حنو، لكنها تطرد ساكنيها إلى الطرقات.
حملت أغراضها وسارت تتبعها أمها، ينقلان الخطو في الحواري المعتمة الساكنة. سكون يقطعه نباح كلبٍ ظلَّ ساهرًا حتى الساعة، خربشات فئران نشطة، وعِرَس تمرق من تحت أعقاب البيبان، تطارد الفئران في لعبة الحياة والموت.
هذه الطرقات لم تعد رحيمةً بنا، تمارس القسوة علينا ليلَ نهار. ومنذ متى كان للطرقات قلب؟ كل البيوت نوافذٌ، وكل النوافذ عيونٌ تحملق فيَّ، تتسلَّل تحت جلدي. تنفتح بوابات الحزن المغلقة في قلبي.
● ● ●
في مَوقَف السيارات تقف أمام "نَصَبة" الشاي. ترتب أغراضها. موقد الغاز، الساتر الصفيح الذي يحمي اللهب من تيارات الهواء، الأكواب الزجاجية، الملاعق والصواني، عبوات الشاي والسكر، وآنية الماء. ترفع عينيها عن كوب الشاي الذي كانت تحملق في لونه القاتم كحياتها. يهل عليها زبائنها من السائقين والصبيان وعابري السبيل.
تتذكر أيامها الأولى في "المَوقَف". فتاة صغيرة، نحيلة، وهشة. متفائلة حد الخوف، ومبتهجة حتى الكآبة. مثل كل البنات تحلم بالدفء والوَنَس ومحبةِ الوليف. تتعامل مع الأشياء بنزق الشباب وشغف المستكشفين والدهشة البكر. ينسدل شعرُها كثيفًا من تحت إيشاربها منسول الأطراف. نهداها المتوثبان المنفرجان قليلًا على جانبي صدرِها، يهتزان كلما تحركت. تبادر بالسؤال عن الغائب، تتلهف للاطمئنان في الأزمات. تبدي إعجابًا أحيانا ونفورًا في أحيانٍ أخرى.
يحاصرني الكلام المراوغ، صاحب الغرض. تصك أذني لغة مشبعة بالعبارات العاهرة والمكررة حدَّ القَرَف. عيونهم المتلصصة تذبحني، تجردني من ثيابي، تغوص تحت جلدي، وتنهش أعضائي. نظراتهم المصوبة إليَّ من الخلف أحس بها لاسعة كسيخ حديدٍ مُحمَّى. أحسُّ بلعاب رغباتهم فوق جلدي. تطاردني مسوخ مشوهة مثقلة بأدران وأوساخ ليس أقلها القسوة والجلافة وسوء السلوك والكذب على النفس وعلى الناس. لحديثهم رائحةُ النَّتَن، وأصواتُهم فحيحُ أفاعٍ.
انسحبتُ وتواريتُ أمضغ شجني ووحشتي. أتطلَّع إلى سماءٍ بلا نجوم، أخاطب ساكنها: أَمِنَ المُحتَّم علينا أن نتحمَّل كلَّ هذه البذاءات والإهانات حتى تخرج لقمة العيش هكذا صدئة، بالغة المرارة؟ تواسيني أمي وتوصيني بالصبر. الصبر معناه أن تقبل، أن ترضى، أن لا تعترض، وأن تواصل السير في ذات الطريق المؤلمة. أن تمشي حافيًا فوق الجمر، وأن تضمر الألم ولا تعلن الانسحاب من الممشى الدامي.
● ● ●
الشعر المنفلت الجموح قيَّدته بالبِنَس الصغيرة، وأحكمت إخفاءه تحت غطاء الرأس. انحناءات واستدارات الجسد المنهك، ارتعاشات اليمامتين النافرتين في هضبة الصدر، أحكمت سجنهم خلف الملابس الفضفاضة. تغادرها ملامح الأنثى التي كانت فلا تكترث. صارت كنبات صبَّارٍ جاف، من اقترب منها يصيبه بعضٌ من أشواكها. أطلقوا عليها "نادية الدَّكَر". ضايقها الاسم في البداية، لكنها– بمرور الأيام– اعتادت عليه.
"وعندما أعود منهكةً آخر الليل، أطلق العنان لشَعرِي. أحرِّره من قيودِه وأفكُّ أربطتَه. أحتفي بجسدي المتشقق إهانةً وذلًّا. أتأمله، أتحسَّس انحناءاته وتفاصيله، أتذكَّر ملامحه وأذكِّر نفسي بأنني امرأةٌ. أغوصُ في أنوثتي المنسية التي تأبى الرحيل وأتوق إلى الذي لا يأتي ولا يرحل".
● ● ●
مُتعبةٌ من مطاردة الظلال. تأتي الكلاب ليلًا لتأتنس بي وأأتنس بها. أسمع صوت الصدأ الزاحف في الليل. البلدة نائمةٌ على غير العادة. يهب نسيم الليل الرطب فيمسح وجهي ويربت على كل جروحي. أستحضر أولئك الذين غافلونا يومًا ورحلوا إلى السماء. أنفض الحزنَ العالق بملابسي. معلقةٌ أنا في الفراغ. أسقط كالنخالة كالفتات، أرتطم بطائرة ورقية. ليت خيطًا يمسكني مثل خيطها.
أسندت ظهرها إلى جدار. مدَّدَت قدميها. أشعلت سيجارة. زفرت زفرةً. خرجت أنفاسُها حارَّةً متَّقدةً.
شعورٌ طاغٍ بالوحدة. وحدةٌ موجعةٌ تفرغُ العالمَ من حولي، وتفرغه من المعنى.
من العتمة المسكونة بالهواجس والظنون، يأتيني صوتُ أمي مرتعشًا بتَوقٍ يشبهني.
سمعتُها وبكيتُ، والطائر الذي كان ينوح في السماوات البعيدة، الغائب عنها القمر، كان قلبي.
-----------------------