"إلى الشاعر أشرف فياض" المعتقل في عيد ميلاده
***
اقطعوا صوته وادفنوه في بئر العظام.
صرخ السلطانُ الغارس رجله في العصر الأمويّ، ورجله الأخرى في عصرِ التقنيات النفطية.
راح الحراس يبحثون عن صوت الشاعر،
ملئوا رعباً وهم يحاصرون بأصواتٍ طالعة من الشجرِ، من الحجر، من الأيتامِ، من بطانةِ ماءٍ تسقي الذكرى. من زمانٍ يديرُ خاتم عرسه في يد المكان، ويعقد قرآنه على فيوضِ الفيّاضِ.
وكان اسمه "أشرف"
رأيته يحمل اسمه من كلمةٍ إلى كلمةٍ،
يتخفّى وراءَ المعنى ويدلّ على وجوده بعطر عطّارين يحصدون من قاموسهِ "تعليمات الداخل" وينتشرون في الأقطارِ الدائرة حول "القلبِ متقن الصنع"
قال للسماءِ السابعةِ أنا قادمٌ من سؤالي،
قالت له السماء الأولى أنتَ كوكبٌ نحيلٌ ولكَ سبعُ مداراتٍ ملائمة لإغراقِ مجرّةٍ في حروف العطف، فاعطفْ على المرضى في مشفى المجازات وارحمْ ضعفَ الصباحِ حين يقشرُ الصحراءَ فتلمع أصابعُ بلا خواتم.
كان اسمه أشرف، ولدَ في اليوم المصاحبِ للخضرِ حاملاً سجاجيد تموز داعيا خلقاً كثيراً من الينابيع والأصحابِ القدامى من طفولاتٍ لا تبلى. وقال للجميع: الشاعرُ من أبنائي فالعبوا في أحراشهِ سالمين.
أشرف: عينانِ برّاقتانِ
يدانِ دوّارتانِ بين الصّفا والصفوةِ
يقرأ في دفتر عائلة الظلال اسمَ الله يراه صديقاً فيرقصُ ويهجم عليه الضبعُ الراكدُ في عتمةٍ تزأرُ.
أشرف: لا وقت لديه إلا ليولد قريبا من حركةِ الأحرفِ المضمومةِ حول جذعِ الغدِ
أشرفُ: ضاق به السجنُ وتآلفتْ مع ظهرهِ خرمشاتُ ضوءٍ لا أحد يراه غيره.
أشرف: بيتٌ صغيرٌ كبر في غيابهِ، وبكينا في غيابه، واستصرخنا في غيابه، وأنشدنا في غيابه، لكنه ما زال يتعلّم الحضور فيما لا نتوقعه.
أشرف: شاعرٌ لم أره يوماً ولكن لماذا كلما قرأت في كتابه سلّمتْ عليّ اللغةُ وذكّرتني بلقاءاتنا القديمة؟
في الخامس عشر من تموز لامسَ الهواءُ لأول مرة جسد أشرف، ومن يومها وهو يسبحُ في الحرية.
في السجنِ اكتشف أنَ الله يبتسمُ ويعانقه، ويقول له: يا بنيّ خبّئني في الحبّ وطرْ.
هكذا ينام شاعرٌ سنواته في تابوت يعوم على زيتٍ فاسدٍ
وبينما يتنقّل من ألفٍ إلى ياءٍ؛ يدهشه أن الأبجدية تمددتْ تكاثرتْ تناثرتْ
حين ولد أشرف كانت أول سنة لأخوتي في معتقل الرمل السوري،
حين ولد أشرف كتبتُ أول قصيدة حنين إليهم،
وها أنا أكتبُ إليه في معتقل الرمل السعودي...
هذه لغةٌ لا تقف على حواجز،
تلك حواجز لا لغة فيها،
والسلطان الأمويّ الحديثُ يتجول فوق أسقف العالم هيكلاً عظميّا مسقيّاً بالصدأ.
بينما الشاعرُ ما زال يعلّمُ الرملَ على ضبطِ الساعةِ على إيقاعِ الحياة.
هانوفر 15 تموز 2018
م. علاء الدين عبد المولى
***
اقطعوا صوته وادفنوه في بئر العظام.
صرخ السلطانُ الغارس رجله في العصر الأمويّ، ورجله الأخرى في عصرِ التقنيات النفطية.
راح الحراس يبحثون عن صوت الشاعر،
ملئوا رعباً وهم يحاصرون بأصواتٍ طالعة من الشجرِ، من الحجر، من الأيتامِ، من بطانةِ ماءٍ تسقي الذكرى. من زمانٍ يديرُ خاتم عرسه في يد المكان، ويعقد قرآنه على فيوضِ الفيّاضِ.
وكان اسمه "أشرف"
رأيته يحمل اسمه من كلمةٍ إلى كلمةٍ،
يتخفّى وراءَ المعنى ويدلّ على وجوده بعطر عطّارين يحصدون من قاموسهِ "تعليمات الداخل" وينتشرون في الأقطارِ الدائرة حول "القلبِ متقن الصنع"
قال للسماءِ السابعةِ أنا قادمٌ من سؤالي،
قالت له السماء الأولى أنتَ كوكبٌ نحيلٌ ولكَ سبعُ مداراتٍ ملائمة لإغراقِ مجرّةٍ في حروف العطف، فاعطفْ على المرضى في مشفى المجازات وارحمْ ضعفَ الصباحِ حين يقشرُ الصحراءَ فتلمع أصابعُ بلا خواتم.
كان اسمه أشرف، ولدَ في اليوم المصاحبِ للخضرِ حاملاً سجاجيد تموز داعيا خلقاً كثيراً من الينابيع والأصحابِ القدامى من طفولاتٍ لا تبلى. وقال للجميع: الشاعرُ من أبنائي فالعبوا في أحراشهِ سالمين.
أشرف: عينانِ برّاقتانِ
يدانِ دوّارتانِ بين الصّفا والصفوةِ
يقرأ في دفتر عائلة الظلال اسمَ الله يراه صديقاً فيرقصُ ويهجم عليه الضبعُ الراكدُ في عتمةٍ تزأرُ.
أشرف: لا وقت لديه إلا ليولد قريبا من حركةِ الأحرفِ المضمومةِ حول جذعِ الغدِ
أشرفُ: ضاق به السجنُ وتآلفتْ مع ظهرهِ خرمشاتُ ضوءٍ لا أحد يراه غيره.
أشرف: بيتٌ صغيرٌ كبر في غيابهِ، وبكينا في غيابه، واستصرخنا في غيابه، وأنشدنا في غيابه، لكنه ما زال يتعلّم الحضور فيما لا نتوقعه.
أشرف: شاعرٌ لم أره يوماً ولكن لماذا كلما قرأت في كتابه سلّمتْ عليّ اللغةُ وذكّرتني بلقاءاتنا القديمة؟
في الخامس عشر من تموز لامسَ الهواءُ لأول مرة جسد أشرف، ومن يومها وهو يسبحُ في الحرية.
في السجنِ اكتشف أنَ الله يبتسمُ ويعانقه، ويقول له: يا بنيّ خبّئني في الحبّ وطرْ.
هكذا ينام شاعرٌ سنواته في تابوت يعوم على زيتٍ فاسدٍ
وبينما يتنقّل من ألفٍ إلى ياءٍ؛ يدهشه أن الأبجدية تمددتْ تكاثرتْ تناثرتْ
حين ولد أشرف كانت أول سنة لأخوتي في معتقل الرمل السوري،
حين ولد أشرف كتبتُ أول قصيدة حنين إليهم،
وها أنا أكتبُ إليه في معتقل الرمل السعودي...
هذه لغةٌ لا تقف على حواجز،
تلك حواجز لا لغة فيها،
والسلطان الأمويّ الحديثُ يتجول فوق أسقف العالم هيكلاً عظميّا مسقيّاً بالصدأ.
بينما الشاعرُ ما زال يعلّمُ الرملَ على ضبطِ الساعةِ على إيقاعِ الحياة.
هانوفر 15 تموز 2018
م. علاء الدين عبد المولى