كنت كمن ينقب عن كنز ثمين في أعماق نفسي; أحفر ذاكرتي أزيل ركام الماضي; أبحث عن نقاط مشرقة في حياتي. وأنا في أوائل الخريف أجدني روحا هائمة في دهاليز جسد متصدع آيل للسقوط. ومع أن أعماقي تشع نورا ولا تزال نابضة; إلا أن تلك الغلالة السوداء التي انسدلت على حواف العمر تحجب عني الرؤيا. بعد أن نبش ذلك الشيء محتويات دماغي. ليس لي من ذاكرة آنية أتوكأ عليها; فأتخبط في ركام الأحداث بالنهار.
في الليل. آه ما أقسى الشعور بالوحدة في الظلام. الليل موحش حين يسطو على ضياء الكون ويجدني بلا غطاء; دواخلي مبعثرة وأشعر بالبرد وذلك الشيء الغامض يتغلل في مفاصل الذاكرة يفككها ويحيلني إلى كائن هلامي لا معنى لوجوده. مذياع قديم لا ينصت لثرثرته المملة أحد. كرسي مقلوب على ظهر طاولة خشبية يسكن أرجلها السوس.
في الليل أحضن بعضي وأبكي; تمر بخاطري تلك العجوز التي شاهدتها وأنا طفلة في فيلم قديم; تقف على عتبة جارها المسن وتطلب منه بلطف أن يشاركها السرير; ينامان معا بلا رابط الزواج وبدون أن يكون للجسد سطوة عليهما. روحان تدفئان أطرافها بطيفها اللطيف وتمنحهما الشعور بالأمان ولكنني كنت أخجل من صورة ذلك الرجل الصارم المعلقة قبالتي.
ذات صباح دخل غرفتي رجل غريب همهم بكلام مبهم وعيناه تجفلان من نظراتي; حملني بين زراعيه و تعلقت بعنقه كطفلة ناعسة يحملها أبوها إلى السرير ; وضعني بالمقعد الخلفي ; حضرت سيدة متأنقة تضع مساحيق كثيرة على وجهها صعدت بجواره وكانت متعجلة. ثمة طفلة أتت مهرولة من داخل البيت وركبت بجواري وكانت ودودة; ابتسمت لي ومدت يدها ودفنت كفها الدافئ في كفي البارد; الرجل الغريب لم يقل شيئا شغل السيارة وانطلق بها.
في الطريق سقطت نظراته على وجهي وهو يعدل وضع المرآة الأمامية; نكس رأسه. ولم ينظر في المرآة مرة أخرى حتى وصلنا.
أوصلوني إلى مبنى أبيض أنيق بحديقة واسعة وثمة رجال ونساء بلباس أبيض كما سرب الطيور يسرحون هنا وهناك بسكينة.
لوهلة شككت في اللحظة وعندما دققت في عينيه تعرفت عليه مباشرة. كان يجلس وحيدا على مرجيحة وشعره قد اكتسى بلون أبيض شفاف. جلست بقربه سألته .
– أين نحن؟
– لا أدري رجل وامرأة وكان معهما صبي; تركوني هنا ورحلوا.
– ربما نحن في المدرسة.
– ربما.
روح لطيفة سرت في عروقي. ذاكرتي طرية; أمي تصفف شعري ذيل حصان; أوضب أغراضي في حقيبة المدرسة; أطلب منها قطعة حلوى اضافية. تسألتي لمن؟ أصمت وأنكس رأسي; تقرصني فيحمر خدي; تضع قطعتين من الشكولاتة الفاخرة وتدس قبلة دافئة على جبيني.
كان يغار عليّ ويتولى دفعي وأنا أركب على المرجيحة وخصل شعري تتطاير مع الهواء.
عندما ذكرته بذلك اليوم الذي حضر فيه منفوخا كرجل راشد ابتسم و أخرج ورقة قديمة من جيب سترته وقال:
– كانت لوحتي الأولى لقد رسمت منها نسخا كثيرة. وجهك الشيء الوحيد الذي ظل عالقا بذاكرتي; كنت أعيد رسمه مرارا حتى لا أنسى.
رفع رأسه وتطلع في وجهي:
– على فكرة لا زلت أحفظ تلك الكلمات .
شعرت بصعقة هزت كياني و نشوة كنور الصباح عندما يلامس زهرة محنية سرت بدني. انتصبت واقفة; دواخلي مضاءة ذاكرتي صقيلة ولامعة وروح تلك الطفلة البريئة تسري بجسمي وتكسبه نضار; مشيت صوب الباب فتحته وركضت خارج الأسوار.
في الليل. آه ما أقسى الشعور بالوحدة في الظلام. الليل موحش حين يسطو على ضياء الكون ويجدني بلا غطاء; دواخلي مبعثرة وأشعر بالبرد وذلك الشيء الغامض يتغلل في مفاصل الذاكرة يفككها ويحيلني إلى كائن هلامي لا معنى لوجوده. مذياع قديم لا ينصت لثرثرته المملة أحد. كرسي مقلوب على ظهر طاولة خشبية يسكن أرجلها السوس.
في الليل أحضن بعضي وأبكي; تمر بخاطري تلك العجوز التي شاهدتها وأنا طفلة في فيلم قديم; تقف على عتبة جارها المسن وتطلب منه بلطف أن يشاركها السرير; ينامان معا بلا رابط الزواج وبدون أن يكون للجسد سطوة عليهما. روحان تدفئان أطرافها بطيفها اللطيف وتمنحهما الشعور بالأمان ولكنني كنت أخجل من صورة ذلك الرجل الصارم المعلقة قبالتي.
ذات صباح دخل غرفتي رجل غريب همهم بكلام مبهم وعيناه تجفلان من نظراتي; حملني بين زراعيه و تعلقت بعنقه كطفلة ناعسة يحملها أبوها إلى السرير ; وضعني بالمقعد الخلفي ; حضرت سيدة متأنقة تضع مساحيق كثيرة على وجهها صعدت بجواره وكانت متعجلة. ثمة طفلة أتت مهرولة من داخل البيت وركبت بجواري وكانت ودودة; ابتسمت لي ومدت يدها ودفنت كفها الدافئ في كفي البارد; الرجل الغريب لم يقل شيئا شغل السيارة وانطلق بها.
في الطريق سقطت نظراته على وجهي وهو يعدل وضع المرآة الأمامية; نكس رأسه. ولم ينظر في المرآة مرة أخرى حتى وصلنا.
أوصلوني إلى مبنى أبيض أنيق بحديقة واسعة وثمة رجال ونساء بلباس أبيض كما سرب الطيور يسرحون هنا وهناك بسكينة.
لوهلة شككت في اللحظة وعندما دققت في عينيه تعرفت عليه مباشرة. كان يجلس وحيدا على مرجيحة وشعره قد اكتسى بلون أبيض شفاف. جلست بقربه سألته .
– أين نحن؟
– لا أدري رجل وامرأة وكان معهما صبي; تركوني هنا ورحلوا.
– ربما نحن في المدرسة.
– ربما.
روح لطيفة سرت في عروقي. ذاكرتي طرية; أمي تصفف شعري ذيل حصان; أوضب أغراضي في حقيبة المدرسة; أطلب منها قطعة حلوى اضافية. تسألتي لمن؟ أصمت وأنكس رأسي; تقرصني فيحمر خدي; تضع قطعتين من الشكولاتة الفاخرة وتدس قبلة دافئة على جبيني.
كان يغار عليّ ويتولى دفعي وأنا أركب على المرجيحة وخصل شعري تتطاير مع الهواء.
عندما ذكرته بذلك اليوم الذي حضر فيه منفوخا كرجل راشد ابتسم و أخرج ورقة قديمة من جيب سترته وقال:
– كانت لوحتي الأولى لقد رسمت منها نسخا كثيرة. وجهك الشيء الوحيد الذي ظل عالقا بذاكرتي; كنت أعيد رسمه مرارا حتى لا أنسى.
رفع رأسه وتطلع في وجهي:
– على فكرة لا زلت أحفظ تلك الكلمات .
شعرت بصعقة هزت كياني و نشوة كنور الصباح عندما يلامس زهرة محنية سرت بدني. انتصبت واقفة; دواخلي مضاءة ذاكرتي صقيلة ولامعة وروح تلك الطفلة البريئة تسري بجسمي وتكسبه نضار; مشيت صوب الباب فتحته وركضت خارج الأسوار.