من الحضرة تنطلق التمتمات . في الحضرة تتعطر الألسن بذكر الله . في خشوع تسرى برقة تداعب حراس المكان. وعلى يمين ضريح البدوي أقيمت .
الفاتحة ميدان الرحمة الإلهية . الصمدية توحده لا صاحبة له ولا ولد . المعوذتين حماية للعبد من شر الوسواس والعين ... يس ... إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ... وصل عليه وعلى اله وأصحابه وسلم .
كانت الأصوات تتناغم. تعلو وتهبط باتزان يديره الذي يتوسطهم وتعلوه هالة من نور فتجعل من وجهه شمس صغيره .انسيابية مطلقة فى ابتهال خاشع لمالك الملك .
تسري الطمأنينة في العروق. تروي الظمأ . مع إغماض العين استشعر السكينة ... تلامس الجلد . قشعريرة بسيطة يعقبها استكانة .
تفوح رائحة البخور تضفي على المكان رائحة من سحر الجنة وعبقها ... كانت أم عادل جارة والدي والتي تجاور مسجد الشيتى على ناصية شارع البوابة . تدور بقربتها الجلدية المصنوعة من جلد الماعز وبيدها إبريقان تسقى الجميع وهى تردد
اشرب وصل على النبي
الحاجة أم عادل التي تعودت مراقبتها بعد أذان الفجر أيام السهر أمام الكتاب على ظهرها القربة الجلد .ملتفة بالشال الأسود ساتره قدميها بالجورب البنى . لونها ثابت مهما اختلفت ألوان السنة . تنطلق بحيوية قاصدة المسجد الأحمدى ثم تئوب بعد انتهاء العشاء .
الشيخ عادل مقيم شعائر مسجد الشيتى ابنها والذى إ نقلب حاله من النقيض الى النقيض .
نرقبه . نتابع حركاته . انفعالاته المفاجئة . ثيابه الرثة . العمة التى تآكلت . اختلاف ألوان الجوارب وربما ألوان الحذاء .
ماذا جرى يا شيخ عادل ؟!.لا حول قوة إلا بالله .
تجواله فى الطريق . وجه المنكس جهة الأرض كمن أرتكب فعلا . لا يسلم على أحد ولا يرد سلام أحد .يرفع وجهه فجأة .يضحك بصوت جهوري. ينتبه المارة وأصحاب الدكاكين يصرخ بفزع "يا حنان يا منان " ثم يمضى لحال سبيله . كل حمله مخدة من القطن وزجاجة بلاستيك عادة ما تكون فارغة . صلاته العصر بالناس وتجاوزه السبع ركعات .ينهى الصلاة بضجر المصليين بالشيخ الذى فقد عقله . يفرد قامته غير عابئ .يكبر لركعتي سنة ما بعد العصر !!
كنت واحدا من الذين شاهدوه في المسجد الأحمدى . واقف فى الميضة يلفت بارتياب.. يصرخ
" يا حى با قيوم يا صاحب المدد والنور .. المدد على طول المدددددد"حى
وحين تطلعت إليه مد يده تجاه وجهى وصرخ
قبــّل
بعزة والى يقف. والجميع حولنا من الرواد يحوقلون
أهدى يا شيخ عادل وصل على النبي
لا حول ولا قوة إلا بالله
يزوم . ينتقل من مكان لآخر. فى حركات عشوائية . يلهث. يطارد شبح مجهول. همّّ وهجم على الدرويشة . استل سيفها الخشبي الأخضر .حركه يمينا لاح يسارا طعن الفراغ والدرويشة التي تربط رأسها بعصابة خضراء مكتوب عليها "لا اله إلا الله "شاركت هى الأخرى .راوغت. شاركته فى مطاردة المجهول ... تشد من أزره .
* * *
كانت سميرة التي تجاوزت الثلاثين وما تزال بكراً تنصت لابتسام فى اهتمام وهي تروي.
" والله يا بت شاهدته على سطوح بيتهم الواطئ قبل الفجر ما يقول الله أكبر . عاري كما ولدته أمه . مصطفى زوجي ذهب لتوه للفرن . والنوم خاصم عيني … طلعت الشرفة بصيت لقيته كما هو …. ياه يا بت يا سميرة " توقفت عن مضغ اللبان وهي تتذوق شفتيها فى اشتهاء " .. يعطي الحلق للي بلا ودان "
ردت سميرة
اختشي يا بت
مخاوي .. الشيخ مخاوي جنيه يا عبيطة .
تنهدت سميرة وأعادت ربط شعرها تفضح نظرات ابتسام التي تلمع وفمها ما يزال يلوك اللبان الدكر .
* * *
*
انتقلت أم عادل بين الحضرة . بخطوات محسوبة اعتادت قدماها التنقل عبر الخطوط البيانية غير الواضحة . تروي الجميع والمرويين يلوحون بأيديهم علامة الشكر والحمد دون أن ينشغل لسانهم بغير الذكر .
اقتربت أم عادل من الشيخ صاحب الهالة وكان قد فرغ لتوه من الحضرة ، خلعت القربة ثم وضعتها جوارها واستندت بظهرها على الحائط الذي يعلوه الشباك المغلق على شعره النبي المختار .
كان الشيخ قد أغلق فمه ويده تسير على المسبحة دون تحريك شفتيه .. تثاءب وعينه لا تزال مغمضة .
قالت بعد تنهيدة خارجة من جوف ملتهب .
الخيبة ذادت يا سيدنا .. والأمل فى العافية تاه فى طريقه للقلوب .. عادل هجرني هجر بيته وزوجته وفاطمة الصغيرة … وكما ترى هايم كيف الشارد فاقد اللب والخلاص .
ضغطت المرأة على لسانها وهي تبكي .
الصبر نفذ يا سيدنا
انتهى الشيخ من التسبيح فتح نصف عينيه يردد
" لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين " قبَّل المسبحة ثم وضعها بجيبه " اسمع ندائي يا رحيم بما سمعت به نداء عبدك ذكريا "
وجَّه عينه لاءم عادل
استهدى بالله يا أم عادل … ولا تنس إنك أنت السبب .. دعاء الأم حر لا يقيده طاير ولا نايح . ادع له بالرحمة والثبات ربك ذو مغفرة واسع رحمته وسعت كل شئ
أم عادل تنخرط فى البكاء وأنا أتابع حبات المياه التي ترشح من القربة وتسري على السجادة الحمراء فترسم نهراً بلون الدم .. .. ..
نهضت أم عادل تروى ثم استندت على جدار المقام تبكي وهي تردد بصوت شجي
" المدد يا صاحب المدد . طلب الهداية مرادي . بركتك معايا يا بدوي يا سليل النبي المختار . قصدتك يا سيدي وأنت الكريم على الولاية .. القلب عليل والولد تايه فى ملكوت الخالق . الحُرقة فى القلب ما يكتمها الدوا … يا شيخ العرب يا بدوي كريم .. كريم وعالم بأمر العباد يا رب . قادر كنت قطعت لساني قبل ما أدعى قاصدة بابك يا بدوي وعلمي بكرمك واسع … واسع للعباد من كل النواحي بحق مريديك من كل النواحي . رجًّع التايه ونورَّ بصيرة الضال . الدمعة جفت والحرقة لبدت فى الجوف … كريم … كريم يا صاحب المدد "
دمعة دمعتان إغفاءه خفيفة منع من سقوط الجسد تشبث الأيدي فى المقام كان الشيخ قد توقف عن التسبيح . ظلَّ شاخص بعينه جهة باب الضريح ، يبتسم تحسبه راقد . لا يحرك جفن ولا يزحزح شفة ثابت كأنه لوجه متجمد من الموت رنَّ الصوت القادم من الجوف البعيد " كريم بعبادك يا رب "
الفاتحة ميدان الرحمة الإلهية . الصمدية توحده لا صاحبة له ولا ولد . المعوذتين حماية للعبد من شر الوسواس والعين ... يس ... إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ... وصل عليه وعلى اله وأصحابه وسلم .
كانت الأصوات تتناغم. تعلو وتهبط باتزان يديره الذي يتوسطهم وتعلوه هالة من نور فتجعل من وجهه شمس صغيره .انسيابية مطلقة فى ابتهال خاشع لمالك الملك .
تسري الطمأنينة في العروق. تروي الظمأ . مع إغماض العين استشعر السكينة ... تلامس الجلد . قشعريرة بسيطة يعقبها استكانة .
تفوح رائحة البخور تضفي على المكان رائحة من سحر الجنة وعبقها ... كانت أم عادل جارة والدي والتي تجاور مسجد الشيتى على ناصية شارع البوابة . تدور بقربتها الجلدية المصنوعة من جلد الماعز وبيدها إبريقان تسقى الجميع وهى تردد
اشرب وصل على النبي
الحاجة أم عادل التي تعودت مراقبتها بعد أذان الفجر أيام السهر أمام الكتاب على ظهرها القربة الجلد .ملتفة بالشال الأسود ساتره قدميها بالجورب البنى . لونها ثابت مهما اختلفت ألوان السنة . تنطلق بحيوية قاصدة المسجد الأحمدى ثم تئوب بعد انتهاء العشاء .
الشيخ عادل مقيم شعائر مسجد الشيتى ابنها والذى إ نقلب حاله من النقيض الى النقيض .
نرقبه . نتابع حركاته . انفعالاته المفاجئة . ثيابه الرثة . العمة التى تآكلت . اختلاف ألوان الجوارب وربما ألوان الحذاء .
ماذا جرى يا شيخ عادل ؟!.لا حول قوة إلا بالله .
تجواله فى الطريق . وجه المنكس جهة الأرض كمن أرتكب فعلا . لا يسلم على أحد ولا يرد سلام أحد .يرفع وجهه فجأة .يضحك بصوت جهوري. ينتبه المارة وأصحاب الدكاكين يصرخ بفزع "يا حنان يا منان " ثم يمضى لحال سبيله . كل حمله مخدة من القطن وزجاجة بلاستيك عادة ما تكون فارغة . صلاته العصر بالناس وتجاوزه السبع ركعات .ينهى الصلاة بضجر المصليين بالشيخ الذى فقد عقله . يفرد قامته غير عابئ .يكبر لركعتي سنة ما بعد العصر !!
كنت واحدا من الذين شاهدوه في المسجد الأحمدى . واقف فى الميضة يلفت بارتياب.. يصرخ
" يا حى با قيوم يا صاحب المدد والنور .. المدد على طول المدددددد"حى
وحين تطلعت إليه مد يده تجاه وجهى وصرخ
قبــّل
بعزة والى يقف. والجميع حولنا من الرواد يحوقلون
أهدى يا شيخ عادل وصل على النبي
لا حول ولا قوة إلا بالله
يزوم . ينتقل من مكان لآخر. فى حركات عشوائية . يلهث. يطارد شبح مجهول. همّّ وهجم على الدرويشة . استل سيفها الخشبي الأخضر .حركه يمينا لاح يسارا طعن الفراغ والدرويشة التي تربط رأسها بعصابة خضراء مكتوب عليها "لا اله إلا الله "شاركت هى الأخرى .راوغت. شاركته فى مطاردة المجهول ... تشد من أزره .
* * *
كانت سميرة التي تجاوزت الثلاثين وما تزال بكراً تنصت لابتسام فى اهتمام وهي تروي.
" والله يا بت شاهدته على سطوح بيتهم الواطئ قبل الفجر ما يقول الله أكبر . عاري كما ولدته أمه . مصطفى زوجي ذهب لتوه للفرن . والنوم خاصم عيني … طلعت الشرفة بصيت لقيته كما هو …. ياه يا بت يا سميرة " توقفت عن مضغ اللبان وهي تتذوق شفتيها فى اشتهاء " .. يعطي الحلق للي بلا ودان "
ردت سميرة
اختشي يا بت
مخاوي .. الشيخ مخاوي جنيه يا عبيطة .
تنهدت سميرة وأعادت ربط شعرها تفضح نظرات ابتسام التي تلمع وفمها ما يزال يلوك اللبان الدكر .
* * *
*
انتقلت أم عادل بين الحضرة . بخطوات محسوبة اعتادت قدماها التنقل عبر الخطوط البيانية غير الواضحة . تروي الجميع والمرويين يلوحون بأيديهم علامة الشكر والحمد دون أن ينشغل لسانهم بغير الذكر .
اقتربت أم عادل من الشيخ صاحب الهالة وكان قد فرغ لتوه من الحضرة ، خلعت القربة ثم وضعتها جوارها واستندت بظهرها على الحائط الذي يعلوه الشباك المغلق على شعره النبي المختار .
كان الشيخ قد أغلق فمه ويده تسير على المسبحة دون تحريك شفتيه .. تثاءب وعينه لا تزال مغمضة .
قالت بعد تنهيدة خارجة من جوف ملتهب .
الخيبة ذادت يا سيدنا .. والأمل فى العافية تاه فى طريقه للقلوب .. عادل هجرني هجر بيته وزوجته وفاطمة الصغيرة … وكما ترى هايم كيف الشارد فاقد اللب والخلاص .
ضغطت المرأة على لسانها وهي تبكي .
الصبر نفذ يا سيدنا
انتهى الشيخ من التسبيح فتح نصف عينيه يردد
" لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين " قبَّل المسبحة ثم وضعها بجيبه " اسمع ندائي يا رحيم بما سمعت به نداء عبدك ذكريا "
وجَّه عينه لاءم عادل
استهدى بالله يا أم عادل … ولا تنس إنك أنت السبب .. دعاء الأم حر لا يقيده طاير ولا نايح . ادع له بالرحمة والثبات ربك ذو مغفرة واسع رحمته وسعت كل شئ
أم عادل تنخرط فى البكاء وأنا أتابع حبات المياه التي ترشح من القربة وتسري على السجادة الحمراء فترسم نهراً بلون الدم .. .. ..
نهضت أم عادل تروى ثم استندت على جدار المقام تبكي وهي تردد بصوت شجي
" المدد يا صاحب المدد . طلب الهداية مرادي . بركتك معايا يا بدوي يا سليل النبي المختار . قصدتك يا سيدي وأنت الكريم على الولاية .. القلب عليل والولد تايه فى ملكوت الخالق . الحُرقة فى القلب ما يكتمها الدوا … يا شيخ العرب يا بدوي كريم .. كريم وعالم بأمر العباد يا رب . قادر كنت قطعت لساني قبل ما أدعى قاصدة بابك يا بدوي وعلمي بكرمك واسع … واسع للعباد من كل النواحي بحق مريديك من كل النواحي . رجًّع التايه ونورَّ بصيرة الضال . الدمعة جفت والحرقة لبدت فى الجوف … كريم … كريم يا صاحب المدد "
دمعة دمعتان إغفاءه خفيفة منع من سقوط الجسد تشبث الأيدي فى المقام كان الشيخ قد توقف عن التسبيح . ظلَّ شاخص بعينه جهة باب الضريح ، يبتسم تحسبه راقد . لا يحرك جفن ولا يزحزح شفة ثابت كأنه لوجه متجمد من الموت رنَّ الصوت القادم من الجوف البعيد " كريم بعبادك يا رب "