الحمد لله.. فقد طرح ظهري هرما من اللحم ، وزادني بست صوابع في كل يد. ولدت في شهري السابع ، ولم أبلغ من الطول مترا.. ماتت هرمونات النمو العظمى .. هكذا قرر الأطباء في أمري.. لقبني الناس ب (الأزعة ).
يبتسمون عند رؤيتي ، ويجذبونني من الجلباب ليتسامروا معي ، وأخيرا يضعون النقود في جيبي.
كنت عندما أنوي الاستحمام لا أجعل والدتي تدخل معي لتغسل جسدي خوفا من مشاهدتها هرمي . أتعس الأوقات لدي عندما تلتقط المرآة هرمي ، وتسمع أذني لقلبي.. أردت أن أقهر ضعف مظهري بابتسامة تسير معي مثل قدمي لتجذب العيون إلى وجهي .
كانت العيون تلاحقني، والأيادي تجذبني كأنني أرجوحة وسط حشد من الأطفال .. تدمع عيوني ، وينتفض قلبي .. يولد تفكيري سؤال : ما هو ذنبي؟ .. ما هو ذنبي أيها العمالقة الأصحاء ؟
كنت أستيقظ من نومي المتقطع قبل أخوتي .. فأفرد كفي على سعته لأقيس به أجسامهم ثم أتوجه لقياس جسدي ؛ لأعقد المقارنة ، وأجعل راحتي تصغر عند قياس جسدي بل أتعمد الخطأ في العدد لصالحي .. اغتمت والدتي لحالي .. دائما تمصمص بشفتيها عندما تراني ، تغرغر عيناها بالدموع .. أسمعها تكلم نفسها .. تقول:
أبوه طول بعرض ، وأنا مثله .. أمال طالع لمين؟!
ثم تستغفر الله العظيم .. تداولت مع أبي في أمري ، قال: نعلمه ( فقي )..
قالت أمي : بلا خيبة ، يبقى زي الشيخ درويش ، يحضر فطير وبلح من على المقابر ، وينتقل من مقبرة إلى أخرى بسرعة البرق ليسبق زملاءه في التحصيل ، ولا يزيد في قراءاته عن ( بسم الله الرحمن الرحيم) و ( صدق الله العظيم ).
قال والدي : إذن يتعلم ( خياط ).
قالت والدتي : هي دي المهنة ولا بلاش ، لأنها تلائم تكوينه الجسماني .
وكأن ثعبانا قد لدغ جدتي . قامت مفزوعة من جلستها ، تستند على عكازها ، عندما سمعت الحديث ، وجسدها مطروح للأمام ، كأنها تبحث عن عملات ملكية .. فتحت فمها الخالي من الأسنان فتناثر اللعاب على وجه أبي ، وانبعث من نفسها رائحة النشوق فحركت غريزة العطس عند أبي .. استندت على عكازها ، وهزت مؤخرتها الناشفة.. قالت: ( لا دي.. ولا دي).. نفتح له محل بقالة زي خالك شطا .
حضر جدي فأسكت جدتي بنظراته الحادة ، فهي تخشى بأسه ولا تخرج إلى الشارع عند وجوده.. قال:
نعلمه النجارة عند عمك عبدالصمد، والنجارة مهنة الشطار.
قاطعته والدتي ، قالت:
تعب عليه يا آبا، هيفضل واقف أمام بنك العمل فترة طويلة ، وظهره لا يحتمل الوقوف ، وجسده لا يطول " البنك".
تدخل جارنا أبو راضي عندما حضر يسأل عن والدي ، قال :
يا جماعة، أحسن مهنة لابنكم صبي منجد . رياضة له ، ويمكن يعمل مساند من القطن، يخفي بها الجزء البارز من ظهره.
ابتسم الجميع وكأنه الحل قد نزل من السماء .. عم الارتياح الوجوه.
سحبني أبي من يدي متوجهين إلى عاشور المنجد..
وأثناء سيرنا في الشارع الكبير اقترب المارة منا ، وضعوا النقود في جيبي .. علت الحمرة وجه أبي ، ولم يستطع أن ينهر أحدا.
* مجموعة قصصية " الجنين في شهره الأول " ، عوض عبدالرازق ، إصدارات الرواد، العدد 27 ، 1990.
* منقول عن
- صدى
يبتسمون عند رؤيتي ، ويجذبونني من الجلباب ليتسامروا معي ، وأخيرا يضعون النقود في جيبي.
كنت عندما أنوي الاستحمام لا أجعل والدتي تدخل معي لتغسل جسدي خوفا من مشاهدتها هرمي . أتعس الأوقات لدي عندما تلتقط المرآة هرمي ، وتسمع أذني لقلبي.. أردت أن أقهر ضعف مظهري بابتسامة تسير معي مثل قدمي لتجذب العيون إلى وجهي .
كانت العيون تلاحقني، والأيادي تجذبني كأنني أرجوحة وسط حشد من الأطفال .. تدمع عيوني ، وينتفض قلبي .. يولد تفكيري سؤال : ما هو ذنبي؟ .. ما هو ذنبي أيها العمالقة الأصحاء ؟
كنت أستيقظ من نومي المتقطع قبل أخوتي .. فأفرد كفي على سعته لأقيس به أجسامهم ثم أتوجه لقياس جسدي ؛ لأعقد المقارنة ، وأجعل راحتي تصغر عند قياس جسدي بل أتعمد الخطأ في العدد لصالحي .. اغتمت والدتي لحالي .. دائما تمصمص بشفتيها عندما تراني ، تغرغر عيناها بالدموع .. أسمعها تكلم نفسها .. تقول:
أبوه طول بعرض ، وأنا مثله .. أمال طالع لمين؟!
ثم تستغفر الله العظيم .. تداولت مع أبي في أمري ، قال: نعلمه ( فقي )..
قالت أمي : بلا خيبة ، يبقى زي الشيخ درويش ، يحضر فطير وبلح من على المقابر ، وينتقل من مقبرة إلى أخرى بسرعة البرق ليسبق زملاءه في التحصيل ، ولا يزيد في قراءاته عن ( بسم الله الرحمن الرحيم) و ( صدق الله العظيم ).
قال والدي : إذن يتعلم ( خياط ).
قالت والدتي : هي دي المهنة ولا بلاش ، لأنها تلائم تكوينه الجسماني .
وكأن ثعبانا قد لدغ جدتي . قامت مفزوعة من جلستها ، تستند على عكازها ، عندما سمعت الحديث ، وجسدها مطروح للأمام ، كأنها تبحث عن عملات ملكية .. فتحت فمها الخالي من الأسنان فتناثر اللعاب على وجه أبي ، وانبعث من نفسها رائحة النشوق فحركت غريزة العطس عند أبي .. استندت على عكازها ، وهزت مؤخرتها الناشفة.. قالت: ( لا دي.. ولا دي).. نفتح له محل بقالة زي خالك شطا .
حضر جدي فأسكت جدتي بنظراته الحادة ، فهي تخشى بأسه ولا تخرج إلى الشارع عند وجوده.. قال:
نعلمه النجارة عند عمك عبدالصمد، والنجارة مهنة الشطار.
قاطعته والدتي ، قالت:
تعب عليه يا آبا، هيفضل واقف أمام بنك العمل فترة طويلة ، وظهره لا يحتمل الوقوف ، وجسده لا يطول " البنك".
تدخل جارنا أبو راضي عندما حضر يسأل عن والدي ، قال :
يا جماعة، أحسن مهنة لابنكم صبي منجد . رياضة له ، ويمكن يعمل مساند من القطن، يخفي بها الجزء البارز من ظهره.
ابتسم الجميع وكأنه الحل قد نزل من السماء .. عم الارتياح الوجوه.
سحبني أبي من يدي متوجهين إلى عاشور المنجد..
وأثناء سيرنا في الشارع الكبير اقترب المارة منا ، وضعوا النقود في جيبي .. علت الحمرة وجه أبي ، ولم يستطع أن ينهر أحدا.
* مجموعة قصصية " الجنين في شهره الأول " ، عوض عبدالرازق ، إصدارات الرواد، العدد 27 ، 1990.
* منقول عن
- صدى