رشيد نجيب - في رحيل الباحث والمناضل الأمازيغي محمد ابزيكا (1950-2014)

وافت المنية أواخر شهر فبراير المنصرم الباحث والمناضل الأمازيغي محمد ابزيكا بعد معاناة طويلة مع المرض. ويعتبر الأستاذ محمد ابزيكا واحدا من أعلام قبيلة إمسكين بمنطقة أيت ملول حيث رأى سنة 1950 من والده علي بن محمد ووالدته عائشة بنت عمر الأزهري، وتلقى مجمل تعليمه الأولي والابتدائي بعدد من المساجد والكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة بالإقليم السوسي خاصة مدرستي “سيدي بيبي” و”تنالت”، حيث قضى ما يناهز ستة عشر سنة في رحاب هذه المؤسسات التعليمية التقليدية، لينتهي به المطاف إلى ولوج المعهد الإسلامي بتارودانت والذي سيسمى لاحقا معهد محمد الخامس للتعليم الأصيل المشهور والذي أسسته جمعية علماء سوس، وهذا ما يدل على كونه خريجا للتعليم العتيق بامتياز. ولا تتوفر معلومات بشأن حصوله على شهادات معينة من هذه المؤسسة العريقة، إلا أنه سيلتحق للاشتغال بسلك التعليم الابتدائي كمدرس بنواحي بنسركاو.وسيجتاز امتحان الباكالوريا كمترشح حر، كما اشتغل بالتدريس بالسلك الإعدادي بعد أن كان مسموحا للمعلمين حاملي الباكالوريا ظرفذاك بولوج المراكز التربوية الجهوية، وحصل على شهادة الإجازة في اللغة العربية بجامعة سيدي عبد الله بفاس منجزا موضوعا للبحث حول: “الشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم” وذلك سنة 1972، درس بعد ذلك بإحدى الثانويات بمدينة المحمدية قبل أن ينتقل للاشتغال بثانوية يوسف بن تاشفين العريقة بأكادير كأستاذ للغة العربية وذلك ابتداء من أواسط السبعينيات. ولم يكن اختياره الاشتغال علميا على أحمد فؤاد نجم مجرد مسألة اعتباطية، بل يأتي أولا في إطار اهتمامه المبكر بالثقافة الشعبية، وثانيا في إطار التزامه المبدئي في الوقوف إلى جانب المظلومين، خاصة إذا علمنا المضايقات التي تعرض لها الشاعر المصري في بلاده بسبب اختلافه مع نظام الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات.

عصاميته وشغفه بالمعرفة وحبه لها، جعله يواصل دراساته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ومن أعماله الأكاديمية في هذا المضمار إنجازه لبحث بعنوان: “مكونات النظرية الشعرية عند أدونيس”، وذلك من أجل نيل ديبلوم الدراسات العليا في شعبة اللغة العربية تحت إشراف الدكتور أحمد الطريسي أعراب، وهو بحث أنجز سنة 1987 في حوالي 300 صفحة. وهو نفس المشرف الذي سيسجل تحت إشرافه بحثا لنيل شهادة الدكتوراه حول موضوع:”الأسطورة بحوض البحر الأبيض المتوسط، حمو ؤنامير نموذجا”، إلا أن ظروفه الصحية المريرة وقفت حائلا دون تقديم هذه الأطروحة العلمية المتميزة. وفور إحداث جامعة ابن زهر بأكادير سنة 1984 كان الأستاذ محمد ابزيكا من أوائل الملتحقين بها لمباشرة التدريس الجامعي بشعبة اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

أنتج الأستاذ محمد ابزيكا العديد من الكتابات سواء الصحافية منها أو العلمية كالتي شارك بها في الأنشطة العلمية التي نظمتها جامعة ابن زهر بأكادير. وقبل سرد ما توفر لدينا من كتابات له، لابد من إبراز عدد من الملاحظات العامة بخصوصها: أولا، لقد بقيت مجمل هذه الكتابات مرجعا للعديد من الكتاب والباحثين إلى يوم الناس هذا في كلما هموا بدراسة الظواهر والقضايا والإشكاليات التي توقفت عندها كتابات المرحوم محمد ابزيكا بما يميزها من دقة وصرامة علمية واشتغال منهجي رصين، أي أنها كتابات أسست لما بعدها بدون شك، إذ كانت للأستاذ محمد ابزيكا الشجاعة الفكرية لتناول معطيات الثقافة والتراث الشعبيين تناولا علميا مستندا إلى الأدوات المنهجية التي اكتسبها خلال مساره العلمي والأكاديمي بكل عصامية، خاصة إذا استحضرنا المواقف السائدة حول الثقافة الشعبية عموما والثقافة الأمازيغية إبان فترتي السبعينيات والثمانينات. ثانيا، بالرغم من كون الأستاذ محمد ابزيكا خريجا لمنظومة التعليم العتيق باستحضار خصوصيات هذا النوع من التعليم (تركيز على المواد الدينية وعلى إتقان اللغة العربية وفي أحسن الأحوال انفتاح نسبي ومحدود على أساسيات اللغة الفرنسية)، فقد تمكن من خلال عصاميته دائما من إتقان من اللغات الأجنبية خاصة اللغة الفرنسية والإنجليزية وكذلك اللغة العبرية وهو الأمر الذي مكنه من الانفتاح على الثقافات والعلوم الإنسانية الأخرى، وهذا ما تعكسه البيبلوغرافيات الملحقة بإنتاجاته العلمية والتي تبين اطلاعه واستناده وتحليله حتى للكتابات الأجنبية التي ألفت حول الظاهرة أو الموضوع الذي يهم بدراسته.

لقد اختار المرحوم محمد ابزيكا جريدة المحرر(صدرت سنة 1964) لنشر عدد من دراساته وأبحاثه الأكاديمية، ومن عناوين المقالات التي نشرت له بهذا المنبر الإعلامي نجد العناوين التالية: تحليل العقاد لنفسية أبي نواس على ضوء عقدة النرجسية (فبراير 1979)، الغيوان / جيل جلالة: رحلة الشمال والجنوب، عدد: 01 يوليوز 1978 التي تعتبر نونبر 1977 الإنسان العربي في أغاني ناس الغيوان الأخيرة. إضافة إلى مقالة حول الفن الكناوي بعنوان:”تأملات حول فن الكناوي”، ومقالة مطولة حول “إزنزارن، ماذا يقولون؟” وخصصها لتحليل أغاني مجموعة زنزارن الفنية. كما نشرت له مواد بجريدة الاتحاد الاشتراكي خاصة بملحقها الثقافي والفني خلال الثمانينات وبداية التسعينيات لاسيما إحدى دراساته الفنية لأغنية الروايس الأمازيغية من خلال نماذج: عمر واهروش، محمد الدمسيري، مبارك أيسار…

من جهة أخرى، نشر عددا من المقالات بمجلة “الثقافة الجديدة” (مجلة فكرية إبداعية أدارها الأستاذ محمد بنيس وصدر عددها الأول في خريف 1974). ومن عناوين بعض مقالاته المنشورة بهذه المجلة، نجد: “حول مهرجان الشعر الأمازيغي الأول بالناضور” ونشر بالعدد الرابع عشر من المجلة سنة 1979، وهو عبارة عن تغطية إعلامية شاملة لأول مهرجان خاص بالشعر الأمازيغي بمنطقة الريف، وتضمن التغطية كذلك حوارا مع الشعراء المشاركين ومن ضمنهم أحمد القادري المعروف بهوميروس الريف ومع الأستاذين قيس مارزوق الورياشي وقاضي قدور. لقاء وتغطية سيكون لهما ما بعدهما خاصة مع مشاركة نخبة من المهتمين بالثقافة الأمازيغية بالريف في الملتقى الأول لأشغال جمعية الجامعة الصيفية بأكادير أواخر غشت 1980. كما نشر له بالعدد الخامس عشر من المجلة سنة 1980 مقال بعنوان:”الغيوان بعد الصمت”. ونشرت له نفس المجلة كذلك بالعدد 12 الصادر في يناير 1979 مقالا بعنوان: “أحمد فؤاد نجم، الشاعر والشعب”، قدمت له المجلة بكونه مستوحى من بحثه لنيل الإجازة تحت إشراف الأستاذ أحمد المعداوي المجاطي.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اختار المرحوم محمد ابزيكا هذه المنابر بعينها دون أخرى من أجل نشر كتاباته ومقالاته دون أخرى مع استحضار ما يعج به المشهد الإعلامي والثقافي آنئذ من عناوين مختلفة. إن الكتابة تشكل نوعا من الالتزام الفكري لديه ولدى مثقفي المرحلة من طينته وهذا ما تجسده كذلك المحاور والمواضيع التي يشتغل عليها، وكذلك يجسد هذا الالتزام الإعلامي مع صحف من قبيل المحرر استمرارية لالتزامه السياسي بحكم انتمائه للحركة الاتحادية التي كانت نشيطة في العاصمة السوسية، إضافة إلى انتمائه إلى اتحاد كتاب المغرب والذي أورد معلومات مقتضبة جدا بشأنه في دليل الكتاب الذي أصدره، كما نشر مقالات بمجلة أفاق الصادرة عن ذات الاتحاد لاسيما أثناء رئاسته من طرف الأديب المغربي محمد برادة. في هذا السياق كذلك، كثيرا ما وظف محمد ابزيكا فصاحته اللغوية لإبداع قصائد شعرية ألقاها في المهرجانات الخطابية التي كان حزب الاتحاد الاشتراكي ينظمها تخليدا لذكرى كل من المهدي بنبركة وعمر بنجلون.

على المستوى العلمي، شارك محمد ابزيكا ببحث أكاديمي ضمن أنشطة الملتقى الأول لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير والمنعقد في غشت 1980، وكان عنوانه: الوجه والقناع في الثقافة الشعبية، وهو منشور بكتاب أعمال الدورة الأولى. وشارك ببحث ميداني وصفي عن مظاهر الثقافة الشعبية بأكادير في أبريل 1986 ضمن ندوة مدينة أكادير الكبرى وهو كذلك عمل منشور سنة 1990 ضمن منشورات جامعة ابن زهر بأكادير. كما شارك في الأيام الدراسية التي نظمتها نفس الجامعة حول الصويرة: الذاكرة وبصمات الحاضر، في أكتوبر 1990، بموضوع قارب من خلاله: فن الكناوي بالصويرة ، الشكل والدلالة، وهو كذلك عمل منشور لنفس الجامعة.

وتحدثت مصادر إعلامية عن كونه يحمل لقب أبي حيان الملولي، وعرف عنه اهتمامه بالمسرح حيث أسس فرقة لهذه الغاية بتافراوت مطلع الثمانينيات، وهو عضو بمكتب جمعية الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1988، كما أعد وأنتج وقدم برنامجا ثقافيا إذاعيا على أمواج إذاعة أكادير الجهوية خلال التسعينيات بعنوان:”الثقافة الشعبية، قضايا ومظاهر”. وفي الجانب الفني، عمل على تأطير أعضاء المجموعة الموسيقية المشهورة “إزنزارن” وألف بعض قصائدها المغناة مساهما في تحويل اهتمام ذات المجموعة من الغناء الرومانسي إلى الغناء الواقعي، ومن القصائد التي أبدعها للمجموعة قصيدة “توزالت/الخنجر” المعبرة عن التزام واضح تجاه القضية الفلسطينية، إضافة إلى مشاركته في إبداع الأغنية المشهورة لنفس المجموعة وهي: ئزيليض/العاصفة بمعية الشاعرين مولاي إبراهيم الطالبي وعبد الرحمان عكواد. قامت جمعية تيويزي للثقافة والفن بأيت ملول بتكريمه إبان رئاسة الأستاذ إبراهيم أكيل لها سنة 1993، كما قامت بلدية أيت ملول بتكريمه سنة 1996.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى