محمد الصغير أولاد أحمد - الأراكوز.. آخر نصوص أولاد أحمد

ملاحظة: قد يكون هذا الكلامُ نصّا، أو قصيدًا، أو خاطرةً، أو مجرّدَ ثرثرة وملء فراغ. ولعلّه مصيبةً حقيقيةً أو تسونامي مُهْلِكٍ إلى جانب ذلك كلّه…. وعموما نرجو لكم، من قبلُ ومن بعدُ، كرامات الربّ وسلامةَ القراءة. وقد يكون، أيضًا، ضرورةً مُلحّةً للدفاعُ الشرعي عن الجسد المخصوص، في هذه اللحظات العصيبة، الخاصة بحالتي الصحية وهي ما لا يُتَمَنّى لأحد. حالتي التي رأى فيها بعض الشعراء والكتّاب وتابعيهم فرصة للشماتة والتشفّي العلنييْن، واستعجال الموت لي ولأمثالي، بعد أن ارتأوا، سابقا ضرورة الإسراع باغتيالي وحذفي من زينة الأرض والسماء، نظرا لاصطفافي إلى جانب الإرادة الشعبية الثائرة، والاعتراف الشعبي والرسمي بقيمتي الأدبية، وهذا ما لم يحدث أبدا لأديب تونسي وهو على قيد الحياة، حرصا منهم على «وحدة الملّة» التي لا تتهدّدها سوى تصرّفات المِلّة نفسها، وحرصا منهم، كذلك، على ترك أوراق التاريخ مبعثرة حتى يسهل عليهم الاختباء في أعماق دهاليزها، وكأن وجودي على قيد الحياة، من شأنه أن يُقلّل من حصّة الأوكسجين التي يتنفّسون، أو يُنْقصَ من قيمة الإبداع الذي هم عنه عاجزون بعد ثلاثين سنة من التهديد الورقي والإذاعي والتليفزيوني والقَمًري، بأنهم قادرون على إتيانه.
لكنني أفضّلُ، في جميع الحالات، أن يُؤْخذَ هذا النصُّ على أساس أنه هجاء صريح، لا يَعْمَلُ على، ولا يُلوّحُ بِـ، ولا يرغبُ في إضفاء أيّ جمالية، حتى لو كانت ميكروسكيبية، على موضوعه: موضوعه الطاغي هنا وهناكَ وهنالك، بشكل مؤسف ولافت، على سلوك أغلب المشتغلات والمشتغلين بالكتابة، في هذا الوطن/ العمودي/ الضيّق مثل صحراء/ الفسيح مثل قبر/ العالي مثل دامِسٍ مليءٍ بالفئران واليرابيع.

يبقى أن إثبات عدم شعرية هذا النص من أساسه، أو في جانب من جوانبه، إذا كان لا بدّ من الحرص على إثبات ذلك، سوف لا يحتاج إلاّ إلى ناقد أكاديمي غيرِ مبدع، ذي نظارتيْن، تكفيانِ لوجهيْن في الوقت ذاته، يُعْمِلُ فيه مناهجه اللاّمعرفية ليخرجَ بخلاصة لا- معرفية مثلما عهدناه، دائما وأبدا، في دروس الجهل المقدس والتلعثم الأكبر، المُوجّهةِ لليافعين والناشئة وصغار السن. وعموما، فقد تبيّن بما لا يدَعُ مجالا للشكّ، أن إتْيانَ الجمال في الشعر، مهما كانت كيفيتُهُ وكمّيتُهُ، غايةٌ لا تضُرُّ أحدا من مُرْتكبيها. هذه المقدمة كانت ضرورية، لا للتهرّب من تبعات شكل هذا النصّ وروحه الهجائية السوداء المرِحة، (فقد سبق للحطيئة أن هجا نفسه، ولبدر شاكر السيّاب – مؤسس الشعر العربي الحديث – أن هجا زوجته «ومزاجها الهدّار»، وللمتنبي، من قبل، أن جعل من الهجاء فنًّا قائما بذاته) بل لطمْأنةً الكتّاب والشعراء، الذين لا يزالون يعتقدون أن سلامةَ النصّ أهمّ من سلامة مُنْشِئِهِ (وكأنّ الكتابة، عندهم، لا تحتاجُ إلى جسدٍ ينْحتُها ويُسوّيها). طمْأنتِهم على أنهم مُخطئون على طول الخطّ. وكيف لا يكونون مخطئين، وقد قضّوا أغلب فترات حياتهم – ونحن والطّيْرُ وغيرُنا شاهدٌ – وهُم يُفَصِّلونَ نصوصَهم على أساس مصالحهم المشتركة مع الحاكم القائم والعصابات الفاعلة… بحيثُ باتَ كلُّ ما يكتبونه، كلُّهُ كلُّهُ، مجرّدَ تلاعب معنوي وكذب بلاغي ومداورة وجودية وتزحلق في فراغ الأخلاق الرثّة.
أيّها العالم: لم تَعُدْ اللغةُ وسيلةَ الشاعر لكتابة الشعر لقد صار الجسدُ هو وسيلةَ اللغة لكتابة الشعر: هكذا يقول لكم أحد النقّاد الرّوس فصدّقوه مُغْمضي العيْنيْن أو فدعوني أصدُّقْهُ… لوحدي.

- «الكاراكوزْ» يعني: المُضحك في المسرح.. ويعني باللهجة التونسية: المسْخَرة أي: ما يجلب السُّخْرية. وأنا، هنا، أقصد معنى اللهجة التونسية بالتحديد، بل أتقصّدُه أيضا وأحْرصُ عليه.
***
هلْ أتاكمْ حديثُ «الكَاراكوزْ» الأخيرْ؟ صائِتٌ لاحِمٌ ليسَ كلْبًا ولا لُعْبةً للصغارِ ولا خنْفساءً… إذا كانَ حَرٌّ تطيرْ
***
إنّهُ كاتبٌ… كاتبٌ يَكْرهُ الناسَ، (والنّاسُ تكْرهُهُ) يشتكي وجعَ القلْبِ، حينَ تقولُ لهُ:
– اليوْمَ، في صحف اليوم بالعربيّةِ، أجْملُ نصٍّ قرأْتُ «لياسينَ» ذاك الفتى الصاعدِ الآنَ في عالمِ الشِّعرِ والأخْيِلةْ وقرأتُ لـ«مريمَ» نصّا بديعًا فذَكّرني بالمعرّي و"قارِحِهِ" في مقاهي الجحيمْ وتُذكّرُهُ :.. ربّما نفعَ الأمْرُ أوْ فَقَدَ الذاكرهْ : ( أنتَ مريمُ تعرفُها كنْتَ قابَلْتَها… باقتراحي وأُعْجِبْتَ ساعتَها لستُ أدري: بضحْكتِها؟ بنصوصِ لها؟ أم بساعتِها؟)
– «تافهونَ»: يردُّ على عجَلٍ كلُّهم تافهونْ «
***
الجوائزُ، كلُّ الجوائزِ «حقٌّ لهُ وَحْدَهُ» غيرَ أنَّ اللّجانْ
– «ابنةُ الكلبِ تلكَ اللّجانُ»: يصيحُ… فيُسْمِعُ حيٌّا بكاملهِ ثمّ تَسْمعُ مصْرُ وفاسٌ… وفي قبْرهِ يَسْمَعُ "المرْزبانْ" هَبْهُبٌ نُطقُهُ هَبْهَبٌ صمتُهُ هَبْهُبٌ… وجْهُهُ واللّسانْ
* * *
تتغدّى معَهْ تتمشّى معَهْ تتعشّى معَهْ تهتفُ الليلَ والصّبْحَ لهْ – « تافهونْ كلُّهمْ تافهونْ».
* * *
مُتْعَبًا… بعدَ عامٍ ونصفٍ تراهْ قاعدًا في صحونِ الفراغْ – السلامُ على…» – « تافهونَ :كما قلتُ مِنْ قبْلُ أهلاً… تفضّلْ فقدْ يصِلُ التافهونْ» * * * تختفي في بلادِ العجمْ نصفَ عشْريَّةٍ كاملةْ تتزوّجُ، تُنُجِبُ، تَكْبُرُ، تُجْري جِراحيةً ثمّ أخرى تَعودُ إلى حيثُ يَنْبُتُ،» كالمِلحِ»، هُوْ: -» تافهونْ كلّهمْ تافهونْ».
***
حينَ تقراُ ما يكتبُ الحبْرُ – عشرينَ عامًا – مَعَ يدْهِ لا ترى غيرَ ما قدْ رأيْتَ وما ستَرى: نُسَخًا ضحْلةٌ مِنْ بداياتهِ
***
لا يسيرُ إلى بلْ يعودُ إلى يشتهي أن يُساقْ يقذِفُ الشعرَ والنثرً والنّاسَ.. مِنْ فمهِ كالبصاْقْ
* * *
أمْسِ قلتُ أراَهْ كانَ ضيْفَ الإذاعةِ في الشارعِ الحُرِّ… ( إنْ نحنُ شئناهُ حَرًا ) وأمّا الحوارُ فعنْ «دوسْتويفْسكي» العظيمْ قالَ، قبل الحديثِ، معَ منْ دَعَاهْ : – «دسْتويفْسكي؟: أنا منْ قرأتُ لهُ في البلادْ والوحيدْ- الوحيدْ -» سأحاورُ مَنْ؟ سأحاورُ نفسي ؟ وهُمْ تافهونْ ؟»
***
سَبَّ جدّاتِهِ كلَّهُنَّ وسبَّ الحطيئةَ… دونَ المرورِ بعمّاتِهِ
***
حينَ يَجلسُ في مجْلسٍ، حِذْوَ «أصحابهِ» ( مجْلسٍ شاهقٍ كالسحابْ ) لا يُسّمي الأسامي بأسمائِها يقْلِبُ الوجْهَ مثلَ الممثّلِ سَحْنَتُهُ تتبدّلُ… يهذي كما شاءَ ( مِنْ فرْطِ قِلّتهِ في الكياسةِ ) يعْوي ويسْعَلُ… يوهِمُ أنَّ الذي سيقولُ مُهمٌّ… وجدًّا عميقٌ… وجِدًّا يُتابِعُ، لا يَصِلُ اللّغْوُ، حتّى حذاءِ الضبابْ
***
مَرّةً… جالسيْنِ على كوبِ شايٍ وحلْوى سألتُ بمكْرٍ:
– أتُحْسِنُ بعضَ اللّغاتِ عدا لهجاتِ الجرائدِ، والسوقِ، والسُّفهاءِ، وما يتبقّى مِنَ اللهجةِ الدارجةْ؟ قالَ:
- «Oui كنتُ في رحلةٍ … فحلُمتُ بأنّي سُحِلْتُ على مدْرجِ البارجهْ
* * *
– « لو قَدِرْتُ… قتلْتُ الجماهيرَ في قاعةِ الشعرِ شنقًا «فدرْويشُهمْ» يمدحُ الأرضَ منذُ ثلاثينَ عامًا وهُمْ صامتونَ….. و»سيّابُهُمْ» يمدحُ النّخلَ مذُ ماتَ شعرًا ونثْرًا… وهم ْ صامتونْ» وأنا هِمْتُ في مْدَحُ نفسِيَ، سرًّا وجَهْرٌا، وهُمْ غائبونْ… وهمْ يَهْزَؤونْ

«سوفَ أُدْعَى إلى مهرجانٍ «الوفاءِ» قريبًا «: يقولُ ، أقولُ: وطبْعًا…ستتْركُ اسمًا،عَدَاكَ، لدوْرتهِ القادمهْ؟
– « من سأتركُ ؟ قُلِ لي: أَأترُكُ اسْمًا وهُمْ – كُلُّهُمْ، كُلُّهمْ – تافهونْ؟
***
لا يَؤوبُ إلى ظلّهِ… في هُدوءِ الأحدْ يجْلبُ الناسَ جلْبًا مِنَ النّومِ كي يسْمَعُوهُ ولا يُسْمِعُوهُ… ويشْرعُ في البثِّ حتى المساءْ كاتبٌ، شاعرٌ، ويفكّرُ، « كوَّنَ» كلَّ الكفاءاتِ في السّردِ والشعر كوَّنَهُمْ في البطاحي، يقول، وفي مادّةِ الفكرِ والفلسفاتِ القديمةِ في ما ما تبقّى مِنَ العَقْلِ في كُتُبِ «الهيْصَبوصْ « صارَ مِنْ حقِّهِ أنْ يقولَ: «أنا كُلُّكُمْ… وأنا كلُّ تلكَ النُّصوصْ»
***
كلَّ يومٍ يُدبِّجُ تقريرَهُ ضدَّ ذاكَ وذاكْ… ثمّ يأتي لهُ ضابطٌ في المساءِ وينْصرفانِ إلى «الّداخليةِ» لا يشربانِ نبيذًا هناكَ… ولكنَّ شخصًا سيُسْجَنُ عمّا غدٍ والسببْ: قال، في البارِ، بَعْدَ الذي قالَ:»يحيا الرئيسْ»: قالَ:»هلْ هوَ حَيٌّ…ليحْيا الرئيسْ»؟
***
« مَكْرُهُمْ ليسَ عُشْرًا لمكْريُ: ( يقولُ )… وأمّا ذكائي فليسَ يُقاسُ هنا معهمْ تافهونْ… تافهونْ »
***
– « نادلُ… نادلٌ: هاتِ صحْنَ شتائمَ، وأسْرعْ أخاناَ وآخَرَ… مِنْ قبلِ غلْقِ المكانْ وأتْركِ العظْمَ للقادمينَ وسلّمْ عليهمْ وقُلْ :
– مرحبًا… مرحبًا… أيها التافهونْ».


* عن بوابة الحضارات:
بوابة الحضارات | فى ذكرى ميلاد مولانا جلال الدين الرومي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى