خير جليس إبراهيم فرغلي - مكتبة مدرسة الملك الكامل

للأسف الشديد،‮ ‬لم تتح لي فرصة التعاطي مع مكتبات عامة بشكل واسع،‮ ‬لأن نشأتي في سنوات الطفولة كانت في سلطنة عمان والإمارات في توقيت لم تكن فيه المكتبات العامة شائعة،‮ ‬ثم في مرحلة التكوين عدت إلي المنصورة،‮ ‬ولم يكن بها سوي مكتبة عامة وحيدة،‮ ‬زرتها مرة أو اثنتين‮. ‬
لكن في المرحلة الثانوية،‮ ‬وفي إطار الأزمة العامة لتوفر مكتبات في المنصورة،‮ ‬حيث لم تكن تتوفر هناك سوي مكتبة دار المعارف ومكتبة الهيئة العامة للكتاب،‮ ‬لجأت لمكتبة المدرسة،‮ ‬مدرسة الملك الكامل،‮ ‬وكانت تتيح استعارة الكتب لفترة محددة،‮ ‬واستبدالها،‮ ‬وكان هذا الأمر جيدا جدا من حيث فرصة الاطلاع علي الكلاسيكيات الأدبية للأدب الغربي،‮ ‬إضافة إلي أنني في السنة الثانية بالمدرسة توليت لجنة ثقافية من أجل أن أكون مسؤولا عن اختيار مجموعة كتب من المكتبة وإعارتها لزملاء الصف‮. ‬
كنت أختار من الكتب تنويعة مما أظنه يهم أكبر عدد ممكن،‮ ‬خصوصا وأنا أعرف أن فكرة الاهتمام بالقراءة لم تكن شائعة إطلاقا،‮ ‬مع ذلك فقد ضمنت وجود أربعة أو خمسة زملاء من المهتمين‮. ‬وكان هذا الأمر يسبب لي سعادة بالغة‮. ‬
حين أحاول استدعاء الكتب التي قرأتها خلال تلك الفترة التي ربما تعود للأعوام بين‮ ‬1981‮ ‬و1983،‮ ‬لا أستطيع تذكر سوي خمسة كتب من بين ما قرأت آنذاك من المكتبة‮: ‬هذه الكتب الخمسة‮:‬
‮ ‬مرتفعات وذرنج لإيملي برونتي،‮ ‬وكان اللافت بالنسبة لي تعليقات أحد القراء حول فقرات من الرواية،‮ ‬من خلال هوامش كتبها علي أطراف بعض الصفحات‮. ‬وسوف أتعرف عليه لاحقا،‮ ‬رغم أنه كان يكبرني بعامين،‮ ‬وسأتعلم منه موقفا مهما في رفض أفكار الجماعات الإسلامية التي كانت هناك محاولات لاستدراجنا لها‮. ‬كان عالم مرتفعات وذرنج الغامض،‮ ‬غريبا،‮ ‬وقاسيا في منطق الانتقام،‮ ‬لكني كنت مستمتع بالحبكة والمفاجآت التي تسفر عنها العلاقات المركبة لأبطال الرواية،‮ ‬ومن هذه الرواية تعرفت علي عمل آخر لشقيقتها شارلوت برونتي وهو رواية جين آير‮. ‬التي أحببتها أكثر من مرتفعات ويذرنج‮. ‬
ثم هناك كتاب شرق وغرب لأحمد امين،‮ ‬وأعتقد أن هذا الكتاب كان له دور مبكر في الاهتمام بموضوع الحداثة،‮ ‬وفي تأمل الاختلاف بين الثقافتين الغربية والشرقية‮. ‬
ثم كتاب عن مترجم عن سيرة ليوناردو دافنشي،‮ ‬وللأسف لم أعد أذكر مؤلفه،‮ ‬لكن هذا الكتاب كان له دور مهم في تقصي سيرة دافنشي،‮ ‬وكان سبب الانبهار يعود طبعا لتعدد مواهبه بالشكل اللافت الذي عرف عنه،‮ ‬وأعتقد إني دائما كنت أختار سيرته لعمل أبحاث التاريخ في المرحلة الثانوية،‮ ‬وكانت سيرته بمثابة الدعوة الأولي للتعرف علي تاريخ عصر النهضة كله لاحقا‮. ‬
أما الكتاب الرابع فهو مجموعة قصص لمحمود تيمور بعنوان‮ «‬شمس وليل‮»‬،‮ ‬والذي تعرفت عليه بوصفه رائدا لفن القصة،‮ ‬وكنت قد قرأت قبله بعض قصص يوسف إدريس،‮ ‬وأظنني كنت أقارن بين لغته الكلاسيكية مع بعض ما كنت قرأته لإدريس صاحب اللغة الرشيقة‮. ‬لكني أذكر أن تيمور في الكتاب أشار في هامش لرواية الجلد المسحور لبلزاك،‮ ‬وتتبعتها حتي اقتنيتها من معرض للكتب في رأس البر في الصيف علي ما اذكر‮. ‬
الخامس هو آلام فيرتر لجوتة في ترجمة لأحمد حسن الزيات،‮ ‬الذي كنت قرأت له ترجمة لعدد من القصص الأجنبية وشغفت بها‮. ‬لكني أذكر أنني في ذلك الوقت تململت من قراءة آلام فيرتر،‮ ‬ولم أعود له إلا في مرحلة الجامعة‮. ‬
من المؤكد أنني قرأت كتبا أخري كثيرة في مكتبة الملك الكامل،‮ ‬لكن للأسف الذاكرة لا تساعدني في استدعائها‮. ‬وإن كنت لا أشك أن لها تأثير كبير علي قراءات لاحقة لي وربما حتي علي كتابتي،‮ ‬أو علي الأقل في التعرف علي بعض الكلاسيكيات التي لم تكن متاحة في المكتبات آنذاك‮.‬

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى