....لا ، لست من المولعين بمواساة الفقراء ولا ممن يبشرهم بعالم أفضل ، ليست تلك غايتي ولا مهمتي ، ولا أحب أن ألبس الظلم بلباس غير لباسه ،ولا أن أزين للناس الفاقة والاحتياج .
فللفقير الحق في أن يحظى بما يكفيه من الرزق ،وما يحفظ كرامته ، أن ينال نصيبه من الثروة ،رغم اعتقادي الراسخ أن توزيعها بين جميع الناس ليس بالعادل وأن مثل هذه المسألة لن تجد لها حلا أبدا، لاتصالها بطبيعة الإنسان وتعطشه المستمر للسلطة ، ومع ذلك أود إعادة النظر في معاني الفقر والغنى .
جل الموجودات هي فقيرة وغنية في الآن نفسه ما عدا الإنسان ، فالحيوانات مثلا ،لا تملك شيئا ،وهي لا تسعى إلى امتلاك شيء ولا تكتنز ،لا ما تقتاته ولا ما تنتجه، إلا على وجه الاستثناء، مثل النمل والنحل ،لقلة الحاجة إلى ذلك وانعدامها في أغلب الأحيان ، فهي لا تلزم بإقامة مبادلات في ما بينها كي تستمر، كما هو شأن المجتمعات الإنسانية .
بل تجتاح في المقام الأول إلى أن تحيا ، لإدراكها الفطري بأن الحياة أثمن هبة، تغني عن غيرها من الثروات ،فلا حاجة للطير أو الخيل أو الغزلان أو الجمال أو غيرها من الحيوانات إلى أن تملك أرضا أو بيتا أو شجرا أو أي شيء آخر، لأنها متصلة بالضوء والريح والمطر والجبل والتربة ،أي بما تهبه لها الموجودات أخرى في كل لحظة وآنية ،من ماء وهواء وخضرة ونور .
كل كائن ينمو ويكبر ويكتمل ليكون مثالا للعطاء والسخاء في الطبيعة ،كذلك هو شأن البحار والغابات والسماوات والأشجار والأزهار والوديان والأنهار والجبال والأفلاك والنجوم والشمس والقمر ،إنها ليست إلا عطاء وسخاء مستمرين، بل وحتى الصحاري بامتداد فضائها وتكاثر رمالها وانتشار كثبانها ،فهي أجمل مثال للكثرة والتزايد وللتقاطع بين معاني الفقر والغناء ،المجسد في ذلك اللقاء العجيب الغريب بين كثرة الرمال والقفار ،أي خلو الصحراء من كل عطاء ،مع ما تذرفه الرمال والرياح الكثيفة في فضائها .
لذلك كان السخاء هو النظام المسير والخيط الخفي الرابط بين الكائنات، كلما انخفض العنف والصراع القائمين بينها من أجل البقاء والحياة .
جل الكائنات إذا مستغنية عن اكتناز ثروة ما ، لتمتعها بما يغنيها عنه .
فما هي يا ترى ،هذه الثروة التي تغني عن كل حاجة ،وهل حرم منها الإنسان لسبب ما ؟
إنها الانسجام مع الحياة ، ما يبعثه في كل كائن من زهو وفرح يغني عن كل كنز أو ثروة .......
فاكتفاء الحيوانات بما هي عليه، غير مكترثة بمستقبل ممكن ولا عابئة بماضيها، يجعلها لا تبحث عن أية ثروة أي عن أية قيمة لشيء ما ، تتجاوز ما تحتاج إليه لتستمر، هي إذا مستغنية أي مكتفية بما لديها ،بما توفره لنفسها حينا .
إنها في غنى عما يفرحها أو يزيدها قوة ، لا تطلب شيئا ولا تنتظر شيئا ولا تملك شيئا .
من الفقير ومن الغني منا ،يا ترى ؟
وهل نحن فعلا أغنياء بهذا الكم الهائل من الحجارة ومن البنيان ، هذا الكم الهائل من السيارات ومن الآلات والمعدات ومن الأسلحة والطائرات والدبابات ؟
هل نحن فعلا أغنياء بامتلاكنا هذه الأدوات البلاستيكية ،القابلة للاستهلاك ثم الزوال ؟
ما الذي يمكننا الاستغناء عنه ؟
لا شيء تقريبا ، مادام الحجر ملاذنا .
في كل لحظة نطلب اللباس والمأكل والمشرب والمأوى والعمل والتنقل والاهتمام والاعتراف واللذة والسعادة والحب والتفاؤل والصحة والعافية والسلطة والمجد والجاه والمال وطول العمر، ونطلب أيضا الراحة والطمأنينة والأمن والغبطة والزهو والمتعة والسفر ،نطلب كل ما يمكنه أن يتحقق ولا يتحقق ،طمعا في الشعور بالامتلاء ،حتى ينزاح عنا الخوف من الفاقة والحاجة فالحياة في نظرنا غنيمة قابلة للاستغلال.
أن يكتنز البعض منا جهد الآخرين وحياتهم ووقتهم مقابل قليلا من المال ، كي يصبح أكثر سلطة، فيوفر لنفسه القدر الأكبر من الملذات والأهواء ،إنه لعلامة على فقره المدقع، ذلك المرض المزمن الذي لا يرجى منه الشفاء ، مهما تكاثر مال صاحبه وممتلكاته، إذ سيزداد تعطشه إلى المزيد ،إلى حد الجنون ،حتى يأتي عليه يوما فيدرك أن امتلاك الأشياء بات بلا معنى، بل جعله محاطا بطمع الآخرين وحسدهم وشعورهم بالظلم والحرمان .
كاهنة عباس
فللفقير الحق في أن يحظى بما يكفيه من الرزق ،وما يحفظ كرامته ، أن ينال نصيبه من الثروة ،رغم اعتقادي الراسخ أن توزيعها بين جميع الناس ليس بالعادل وأن مثل هذه المسألة لن تجد لها حلا أبدا، لاتصالها بطبيعة الإنسان وتعطشه المستمر للسلطة ، ومع ذلك أود إعادة النظر في معاني الفقر والغنى .
جل الموجودات هي فقيرة وغنية في الآن نفسه ما عدا الإنسان ، فالحيوانات مثلا ،لا تملك شيئا ،وهي لا تسعى إلى امتلاك شيء ولا تكتنز ،لا ما تقتاته ولا ما تنتجه، إلا على وجه الاستثناء، مثل النمل والنحل ،لقلة الحاجة إلى ذلك وانعدامها في أغلب الأحيان ، فهي لا تلزم بإقامة مبادلات في ما بينها كي تستمر، كما هو شأن المجتمعات الإنسانية .
بل تجتاح في المقام الأول إلى أن تحيا ، لإدراكها الفطري بأن الحياة أثمن هبة، تغني عن غيرها من الثروات ،فلا حاجة للطير أو الخيل أو الغزلان أو الجمال أو غيرها من الحيوانات إلى أن تملك أرضا أو بيتا أو شجرا أو أي شيء آخر، لأنها متصلة بالضوء والريح والمطر والجبل والتربة ،أي بما تهبه لها الموجودات أخرى في كل لحظة وآنية ،من ماء وهواء وخضرة ونور .
كل كائن ينمو ويكبر ويكتمل ليكون مثالا للعطاء والسخاء في الطبيعة ،كذلك هو شأن البحار والغابات والسماوات والأشجار والأزهار والوديان والأنهار والجبال والأفلاك والنجوم والشمس والقمر ،إنها ليست إلا عطاء وسخاء مستمرين، بل وحتى الصحاري بامتداد فضائها وتكاثر رمالها وانتشار كثبانها ،فهي أجمل مثال للكثرة والتزايد وللتقاطع بين معاني الفقر والغناء ،المجسد في ذلك اللقاء العجيب الغريب بين كثرة الرمال والقفار ،أي خلو الصحراء من كل عطاء ،مع ما تذرفه الرمال والرياح الكثيفة في فضائها .
لذلك كان السخاء هو النظام المسير والخيط الخفي الرابط بين الكائنات، كلما انخفض العنف والصراع القائمين بينها من أجل البقاء والحياة .
جل الكائنات إذا مستغنية عن اكتناز ثروة ما ، لتمتعها بما يغنيها عنه .
فما هي يا ترى ،هذه الثروة التي تغني عن كل حاجة ،وهل حرم منها الإنسان لسبب ما ؟
إنها الانسجام مع الحياة ، ما يبعثه في كل كائن من زهو وفرح يغني عن كل كنز أو ثروة .......
فاكتفاء الحيوانات بما هي عليه، غير مكترثة بمستقبل ممكن ولا عابئة بماضيها، يجعلها لا تبحث عن أية ثروة أي عن أية قيمة لشيء ما ، تتجاوز ما تحتاج إليه لتستمر، هي إذا مستغنية أي مكتفية بما لديها ،بما توفره لنفسها حينا .
إنها في غنى عما يفرحها أو يزيدها قوة ، لا تطلب شيئا ولا تنتظر شيئا ولا تملك شيئا .
من الفقير ومن الغني منا ،يا ترى ؟
وهل نحن فعلا أغنياء بهذا الكم الهائل من الحجارة ومن البنيان ، هذا الكم الهائل من السيارات ومن الآلات والمعدات ومن الأسلحة والطائرات والدبابات ؟
هل نحن فعلا أغنياء بامتلاكنا هذه الأدوات البلاستيكية ،القابلة للاستهلاك ثم الزوال ؟
ما الذي يمكننا الاستغناء عنه ؟
لا شيء تقريبا ، مادام الحجر ملاذنا .
في كل لحظة نطلب اللباس والمأكل والمشرب والمأوى والعمل والتنقل والاهتمام والاعتراف واللذة والسعادة والحب والتفاؤل والصحة والعافية والسلطة والمجد والجاه والمال وطول العمر، ونطلب أيضا الراحة والطمأنينة والأمن والغبطة والزهو والمتعة والسفر ،نطلب كل ما يمكنه أن يتحقق ولا يتحقق ،طمعا في الشعور بالامتلاء ،حتى ينزاح عنا الخوف من الفاقة والحاجة فالحياة في نظرنا غنيمة قابلة للاستغلال.
أن يكتنز البعض منا جهد الآخرين وحياتهم ووقتهم مقابل قليلا من المال ، كي يصبح أكثر سلطة، فيوفر لنفسه القدر الأكبر من الملذات والأهواء ،إنه لعلامة على فقره المدقع، ذلك المرض المزمن الذي لا يرجى منه الشفاء ، مهما تكاثر مال صاحبه وممتلكاته، إذ سيزداد تعطشه إلى المزيد ،إلى حد الجنون ،حتى يأتي عليه يوما فيدرك أن امتلاك الأشياء بات بلا معنى، بل جعله محاطا بطمع الآخرين وحسدهم وشعورهم بالظلم والحرمان .
كاهنة عباس