حان موعد إذاعة النشرة الإخبارية. أدارت التلفزيون.
كانت بقية برنامج لا تدري ما أوله ولكن الصورة لم تشدها إلي الشاشة. المهم ان تستمع إلي الأخبار لعل جديدا آت. فمنذ متي وهي تنتظر هذا الجديد؟ طوال سنوات حرب لبنان وهي تنتظر، إلي متي سيطول الانتظار؟ وما هو الجديد؟
ظهر علي الشاشة صورة ساعة تدور عقاربها، ومع الدورة لحن يغني إعلانا لنوع من السكاير.
بدت صورة شاب وشابة ضاحكين يركبان سيارة يناديان المشاهدين لتدخين ذلك النوع من السكاير.
مدت يدها إلي الطاولة وولعت سيكارة.
كان الشابان في غاية السعادة. شعر الفتاة يطيره الهواء لينساب علي كتفيها ويغطي قسماً من وجه الفتي.
هل في الدنيا سعداء أو غير سعداء ينطلقون في الشوارع بصورة طبيعية لا يخافون قذائف ولا متفجرات ولا صواريخ أو قناصاً؟
وهذان اللذان يبدوان محبين أهي عاطفة حقيقية تربط بينهما أم أنهما أجادا تمثيل دوريهما؟ هل بقيت هناك محبة؟
لتستعجل عقارب الساعة علي اكمال دورتها، ما الذي ستحمله أخبار الليلة؟
خوفا جديدا؟ تطمينا جديدا؟ تخديرا جديدا؟ أكاذيب جديدة
علي الشاشة كلمة الأخبار مع موسيقاها المعهودة التي اقترنت بكل الأحداث المفجعة أتراها ستحمل الليلة أخبارا أفضل؟
بدت صورة المذيع ببسمته الوديعة المؤدبة فتفاءلت ليته يحمل اخبارا مطمئنة.
بدأ بأخبار لبنان فتحدث وهو لا يزال يحاول رسم البسمة المطمئنة، عن بعض حوادث اخلال بالأمن حدثت هنا وهناك، في مناطق متفرقة شملت معظم أنحاء لبنان. متفجرات وهجوم بالدبابات وقنص ورد علي الحوادث.
هذا الذي حدث اليوم وظنته نهارا هادئاً أو هكذا خيل اليها كم بيتا شرد أصحابه؟ لم تكن قد سمعت اصوات ولا أخبار كل هذا الذي حدث اليوم وظنته نهارا هادئا أو هكذا خيل اليها ولكن الآخرين؟ الآخرون المنكوبون ما احساسهم الآن؟
سحبت الوسادة من خلفها وانزلت قدميها خجلت أن تجلس جلسة مريحة في بيتها وهناك.. هناك من لم يعد لهم بيت ولا يعرفون مصيرهم أو مصير احبائهم.
علي الشاشة صورة لفيضانات ساحق تغمر البيوت بالمياه والناس يركبون زوارق هاربين من بيوتهم الغارقة بالسيول.
هناك يهربون خوفا من غضب الطبيعة وفي لبنان يتركون بيوتهم هربا من القتال.
ما اتعس أن يكون الخلاص بإمكانية الهرب من البيت طفل يبكي نسيه أهله في زحمة الهرب. كيف استطاع المصور ان يلتقط صورة هذا الطفل دون ان يحاول انقاذه. فضل مهنته علي تخليص هذا الصغير العاجز من الغرق.
تبقي الطبيعة أقل قسوة من البشر.
يظهر انها شردت عن تتبع الاخبار لأن الصورة التالية كانت لمتظاهرين. لا تدري أين. تلاحقهم الشرطة بسلاحها وهم يقتلعون حجارة الجدران والرصيف ليردوا علي الشرطة.
يقتلعون الحجارة؟ هنا.. هنا لا حاجة لهذا الجهد الكل مسلح. سلاح الجيوش يملكه أفراد والشرطة هي التي تخاف المتظاهرين.
كل المتظاهرين شبان في سن الفوران والمغامرة ولا يهمهم الرصاص ولا القتال. هذا هو العمر الحقيقي للبدء.
كل رجال الثورات بدأوا هكذا متظاهرين يطاردهم القانون وواحد منهم صار يحكم البلد. خيط رفيع جدا كان الحد الفاصل بين موته بتهمة الخيانة أو صعوده إلي كرسي الرئاسة.
كيف يعامل الظافر المتظاهرين الآن ضد بعد توليه الحكم؟ هل يتذكر أول عهده برفض الحكم السابق؟ هل أنساه الكرسي العدل الذي كان يطالب به!
وهذا الحبل الغليظ هل سيشنق به أحدا؟
يقول المذيع الآخر بوجه صارم عبوس: عثرت السلطات علي جثة المخطوف بعد ان دفعت اسرته ثمن الفدية لأن الأسرة اخبرت الشرطة عن مكان اللقاء بطالبي الفدية.
كيف أحس المخطوف؟ هل كان يتوقع النجاة؟ اتراهم عذبوه كثيرا قبل القتل؟ ماذا تقول أسرته وقد فقدته مع انها دفعت الثمن المطلوب لبقائه حيا؟
المخطوف عاد؟ المخطوف يعود؟؟؟ وفي لبنان صارت قاعدة إلا يعود المخطوفون. فكلمة اختطاف مرادفة للموت. الأمل مات.. الانتظار مات. كم تمني أهل المخطوف لو طلبت منهم فدية؟ لو دفعوا أرواحهم فداء من يحبون؟
ماذا تفعل أسرة المخطوف؟ ماذا تفعل زوجته؟ أولاده؟ هل ينتحرون حزنا هنا ندما هناك؟ ام أن الحياة بجبروتها هي دائما أقوي من الموت؟
خارطة أفريقيا علي الشاشة مشاكل جديدة في أحد أقسام القارة. هؤلاء الزنوج الذين لازلنا نسميهم عبيدا، كأنما العبودية هي جنسيتهم الحقيقية كيف انفجروا بهذه القوة ؟
هذه القارة السوداء صارت محط اهتمام الدول الكبري الكل يحاول جذب قسم إليه الصراع الدولي علي اشده هنا وبالأمس كانوا يباعون ويشترون كالسلع. اتراهم تحرروا حقيقة؟
وهنا في لبنان الناس ليسوا زنوجا ولكنهم عبيد.. عبيد فاشستية الحرية.
علي الشاشة صور أيد تحسب أوراقا مالية. قيمة بعض العملات علي هذه الأرض تهبط علي حساب صعود غيرها وبورصة الأمم تتلاعب بتكتيك يعمل لحسابها.
أسعار العملات العالمية علاقتها بلبنان؟ أهو الذي يتلاعب بمصيره؟ أم ان هذه الأوراق هي قدره؟
وصاحب الاصابع، هل يفرح بما بين يديه؟ أم أنه مجرد آلة حاسبة تحسب الأوراق لفرزها لغيره، وغيره لغيره، وتندلع النيران مشعلة ليس أوراق النقد.
يبتسم المذيع قائلا أنه يترك وقتا للإعلان.
إعلان عن خطوط نقل جوية.. والمسافرون من لبنان. لماذا يهربون؟ تمتعا برحلة، لملاقاة احبة. هل سيجدون بديلا لبلدهم.
ما اتعسهم ان يضطروا إلي الهرب من الوطن ما...
المضيفة الانيقة تساعد إحدي الراكبات علي حمل طفلها إلي اين تسافر السيدة؟ ولم هي وحدها وهذا الطفل اهو مهاجر ام عائد؟ والمضيفة كم من أطفال للآخرين تحمل، وكم تقدم من صواني طعام؟ وكم تحاول إراحة المسافرين، وحين تنتهي السفرة ويذهب كل في طريق تعود لتلاقي آخرين. ما هي مشاكل المضيفة؟ وما هي مشاكل المسافرين؟
أتراهم يستعجلون إنهاء الرحلة ام انهم يتمنون لو انها لا تنتهي؟
لو أنهم لا يصلون؟ هل هناك من يتمني ان يحدث للطائرة حادث فتكون هذه وسيلة مجبرة علي الانتحار الذي يبحثون عنه؟
ليتها تغمض عينيها ولا تحدق إلي الشاشة كفاها اختناقا في هموم لبنان.
الخبر الآخر صورة جماهير غفيرة تحمل تمثالا بحجم عمارة مصنوع علي صورة كاريكاتورية يصرخ الجمهور ويهتف بلغة لا تفهمها ويسحبون التمثال صابين عليه تنكات من النفط. يولعونه بالنار صاحب هذا التمثال الذي كان ولا شك رمزا قائما في أحد الميادين. كيف تحولت عواطف الجماهير عنه إلي حد تشويهه إلي تمثال مسخ يحرق.
هل يستحق هذه النهاية؟ هل كان يستحق امجاده السابقة؟ وفي لبنان كم تمثالا بقي؟
دمروا! خربوا! قتلوا! نكلوا! شوهوا! شردوا! عذبوا! احرقوا! و... وخلقوا اصناما جديدة.
عارضات الأزياء اللواتي ظهرن علي الشاشة يرتدين آخر صرعات الأزياء. الكاميرا تدور بين متفرجين ومتفرجات. ما الفصل الآن؟ ما لهم يعرضون أزياء الصيف؟ السنا في فصل الشتاء؟ يقولون ان هذا ما أعد للصيف القادم!
الصيف القادم! يضمنون ان يعيشوا إلي ذاك الفصل؟ يضمنون يوما قادما! ساعة قادمة! نسيت... نسيت انهم ليسوا في لبنان.
هؤلاء المتفرجون والمتفرجات لديهم الوقت الكافي والمال الفائض لتضييعه علي التفرج علي الأزياء الجديدة. وفي لبنان آلاف من المشردين والجائعين؟
والعارضة ما نصيبها من كل هذا؟ تحاول اظهار جمال الفستان بكل مفاتنها الطبيعية والاصطناعية. أهذا هو كل دورها في الحياة؟ ارتداء ثياب لترتديها الأخريات. توفر عليهن وقت تجربة الفستان.. والرجال.. الرجال لماذا جاءوا؟ ليشتروا للنساء؟ كانوا يشترون النساء، في الماضي، في زمن الرقيق، مباشرة فصاروا يشترون لهن الثياب بعد تطور أسلوب البيع كله واحد الرجال يدفعون والنساء يستلمن.
القسم الأخير من الأخبار مخصص لعالم الرياضة فرقة فازت وأخري خسرت تقدم الخاسرون والرابحون يتصافحون هذه تقاليد الروح الرياضية هل يمكن ان تنتهي أحداث لبنان بهذه القبل وهذا العناق والمصافحة؟ وهل كانت مباراة لتنتهي هكذا؟
المذيعة ترتدي اليوم فستانا جديدا لكنه لا يناسبها أما تسريحة شعرها المستعار فجعلتها تبدو أفضل شكلا.
لا تستطيع المذيعة تغيير ما حولها، لا تستطيع المذيعة تغيير مادة الأخبار فلم تحسن غير تغيير مظهرها الخارجي.. متي نصبح قادرين علي تطوير الاعماق وتغييرها.. متي؟ ... متي؟ .... متي؟....
البرنامج الذي سيتلو الأخبار فيلم تتذكر انها شاهدته منذ سنوات خلت قبل ابتداء الحرب في لبنان.. تذكر نهايته تماماً حين تموت البطلة ويحملها حبيبها غير آبه لوجود زوجها ويأخذها إلي الشرفة مطلا علي الأماكن التي كان فيها الحبيبان السابقان يلتقيان ينتهي الفيلم، والبطل يقول بصوت واهن حزين: الآن صارت ملكي.
وتذكر يومها كم بكت كم ذرفت دموعا اغرقت مناديل.
كانت ترعي مادة الأفلام شركة سكاير أخري.
تذكرت هي سيكارتها بين اصابعها فلتر مطفأ السيكارة احترقت ورمادها يتناثر علي يدها وعلي فستانها.. والكرسي.. والأرض.. وكل ما حواليها.
مدت أصابعها تتحسس خديها لم يكن عليهما دموع ولا آثار دموع ولكنها احست ذرات الرماد بين أهدابها.
وشفاهها تحسست طعم الرماد.
كانت بقية برنامج لا تدري ما أوله ولكن الصورة لم تشدها إلي الشاشة. المهم ان تستمع إلي الأخبار لعل جديدا آت. فمنذ متي وهي تنتظر هذا الجديد؟ طوال سنوات حرب لبنان وهي تنتظر، إلي متي سيطول الانتظار؟ وما هو الجديد؟
ظهر علي الشاشة صورة ساعة تدور عقاربها، ومع الدورة لحن يغني إعلانا لنوع من السكاير.
بدت صورة شاب وشابة ضاحكين يركبان سيارة يناديان المشاهدين لتدخين ذلك النوع من السكاير.
مدت يدها إلي الطاولة وولعت سيكارة.
كان الشابان في غاية السعادة. شعر الفتاة يطيره الهواء لينساب علي كتفيها ويغطي قسماً من وجه الفتي.
هل في الدنيا سعداء أو غير سعداء ينطلقون في الشوارع بصورة طبيعية لا يخافون قذائف ولا متفجرات ولا صواريخ أو قناصاً؟
وهذان اللذان يبدوان محبين أهي عاطفة حقيقية تربط بينهما أم أنهما أجادا تمثيل دوريهما؟ هل بقيت هناك محبة؟
لتستعجل عقارب الساعة علي اكمال دورتها، ما الذي ستحمله أخبار الليلة؟
خوفا جديدا؟ تطمينا جديدا؟ تخديرا جديدا؟ أكاذيب جديدة
علي الشاشة كلمة الأخبار مع موسيقاها المعهودة التي اقترنت بكل الأحداث المفجعة أتراها ستحمل الليلة أخبارا أفضل؟
بدت صورة المذيع ببسمته الوديعة المؤدبة فتفاءلت ليته يحمل اخبارا مطمئنة.
بدأ بأخبار لبنان فتحدث وهو لا يزال يحاول رسم البسمة المطمئنة، عن بعض حوادث اخلال بالأمن حدثت هنا وهناك، في مناطق متفرقة شملت معظم أنحاء لبنان. متفجرات وهجوم بالدبابات وقنص ورد علي الحوادث.
هذا الذي حدث اليوم وظنته نهارا هادئاً أو هكذا خيل اليها كم بيتا شرد أصحابه؟ لم تكن قد سمعت اصوات ولا أخبار كل هذا الذي حدث اليوم وظنته نهارا هادئا أو هكذا خيل اليها ولكن الآخرين؟ الآخرون المنكوبون ما احساسهم الآن؟
سحبت الوسادة من خلفها وانزلت قدميها خجلت أن تجلس جلسة مريحة في بيتها وهناك.. هناك من لم يعد لهم بيت ولا يعرفون مصيرهم أو مصير احبائهم.
علي الشاشة صورة لفيضانات ساحق تغمر البيوت بالمياه والناس يركبون زوارق هاربين من بيوتهم الغارقة بالسيول.
هناك يهربون خوفا من غضب الطبيعة وفي لبنان يتركون بيوتهم هربا من القتال.
ما اتعس أن يكون الخلاص بإمكانية الهرب من البيت طفل يبكي نسيه أهله في زحمة الهرب. كيف استطاع المصور ان يلتقط صورة هذا الطفل دون ان يحاول انقاذه. فضل مهنته علي تخليص هذا الصغير العاجز من الغرق.
تبقي الطبيعة أقل قسوة من البشر.
يظهر انها شردت عن تتبع الاخبار لأن الصورة التالية كانت لمتظاهرين. لا تدري أين. تلاحقهم الشرطة بسلاحها وهم يقتلعون حجارة الجدران والرصيف ليردوا علي الشرطة.
يقتلعون الحجارة؟ هنا.. هنا لا حاجة لهذا الجهد الكل مسلح. سلاح الجيوش يملكه أفراد والشرطة هي التي تخاف المتظاهرين.
كل المتظاهرين شبان في سن الفوران والمغامرة ولا يهمهم الرصاص ولا القتال. هذا هو العمر الحقيقي للبدء.
كل رجال الثورات بدأوا هكذا متظاهرين يطاردهم القانون وواحد منهم صار يحكم البلد. خيط رفيع جدا كان الحد الفاصل بين موته بتهمة الخيانة أو صعوده إلي كرسي الرئاسة.
كيف يعامل الظافر المتظاهرين الآن ضد بعد توليه الحكم؟ هل يتذكر أول عهده برفض الحكم السابق؟ هل أنساه الكرسي العدل الذي كان يطالب به!
وهذا الحبل الغليظ هل سيشنق به أحدا؟
يقول المذيع الآخر بوجه صارم عبوس: عثرت السلطات علي جثة المخطوف بعد ان دفعت اسرته ثمن الفدية لأن الأسرة اخبرت الشرطة عن مكان اللقاء بطالبي الفدية.
كيف أحس المخطوف؟ هل كان يتوقع النجاة؟ اتراهم عذبوه كثيرا قبل القتل؟ ماذا تقول أسرته وقد فقدته مع انها دفعت الثمن المطلوب لبقائه حيا؟
المخطوف عاد؟ المخطوف يعود؟؟؟ وفي لبنان صارت قاعدة إلا يعود المخطوفون. فكلمة اختطاف مرادفة للموت. الأمل مات.. الانتظار مات. كم تمني أهل المخطوف لو طلبت منهم فدية؟ لو دفعوا أرواحهم فداء من يحبون؟
ماذا تفعل أسرة المخطوف؟ ماذا تفعل زوجته؟ أولاده؟ هل ينتحرون حزنا هنا ندما هناك؟ ام أن الحياة بجبروتها هي دائما أقوي من الموت؟
خارطة أفريقيا علي الشاشة مشاكل جديدة في أحد أقسام القارة. هؤلاء الزنوج الذين لازلنا نسميهم عبيدا، كأنما العبودية هي جنسيتهم الحقيقية كيف انفجروا بهذه القوة ؟
هذه القارة السوداء صارت محط اهتمام الدول الكبري الكل يحاول جذب قسم إليه الصراع الدولي علي اشده هنا وبالأمس كانوا يباعون ويشترون كالسلع. اتراهم تحرروا حقيقة؟
وهنا في لبنان الناس ليسوا زنوجا ولكنهم عبيد.. عبيد فاشستية الحرية.
علي الشاشة صور أيد تحسب أوراقا مالية. قيمة بعض العملات علي هذه الأرض تهبط علي حساب صعود غيرها وبورصة الأمم تتلاعب بتكتيك يعمل لحسابها.
أسعار العملات العالمية علاقتها بلبنان؟ أهو الذي يتلاعب بمصيره؟ أم ان هذه الأوراق هي قدره؟
وصاحب الاصابع، هل يفرح بما بين يديه؟ أم أنه مجرد آلة حاسبة تحسب الأوراق لفرزها لغيره، وغيره لغيره، وتندلع النيران مشعلة ليس أوراق النقد.
يبتسم المذيع قائلا أنه يترك وقتا للإعلان.
إعلان عن خطوط نقل جوية.. والمسافرون من لبنان. لماذا يهربون؟ تمتعا برحلة، لملاقاة احبة. هل سيجدون بديلا لبلدهم.
ما اتعسهم ان يضطروا إلي الهرب من الوطن ما...
المضيفة الانيقة تساعد إحدي الراكبات علي حمل طفلها إلي اين تسافر السيدة؟ ولم هي وحدها وهذا الطفل اهو مهاجر ام عائد؟ والمضيفة كم من أطفال للآخرين تحمل، وكم تقدم من صواني طعام؟ وكم تحاول إراحة المسافرين، وحين تنتهي السفرة ويذهب كل في طريق تعود لتلاقي آخرين. ما هي مشاكل المضيفة؟ وما هي مشاكل المسافرين؟
أتراهم يستعجلون إنهاء الرحلة ام انهم يتمنون لو انها لا تنتهي؟
لو أنهم لا يصلون؟ هل هناك من يتمني ان يحدث للطائرة حادث فتكون هذه وسيلة مجبرة علي الانتحار الذي يبحثون عنه؟
ليتها تغمض عينيها ولا تحدق إلي الشاشة كفاها اختناقا في هموم لبنان.
الخبر الآخر صورة جماهير غفيرة تحمل تمثالا بحجم عمارة مصنوع علي صورة كاريكاتورية يصرخ الجمهور ويهتف بلغة لا تفهمها ويسحبون التمثال صابين عليه تنكات من النفط. يولعونه بالنار صاحب هذا التمثال الذي كان ولا شك رمزا قائما في أحد الميادين. كيف تحولت عواطف الجماهير عنه إلي حد تشويهه إلي تمثال مسخ يحرق.
هل يستحق هذه النهاية؟ هل كان يستحق امجاده السابقة؟ وفي لبنان كم تمثالا بقي؟
دمروا! خربوا! قتلوا! نكلوا! شوهوا! شردوا! عذبوا! احرقوا! و... وخلقوا اصناما جديدة.
عارضات الأزياء اللواتي ظهرن علي الشاشة يرتدين آخر صرعات الأزياء. الكاميرا تدور بين متفرجين ومتفرجات. ما الفصل الآن؟ ما لهم يعرضون أزياء الصيف؟ السنا في فصل الشتاء؟ يقولون ان هذا ما أعد للصيف القادم!
الصيف القادم! يضمنون ان يعيشوا إلي ذاك الفصل؟ يضمنون يوما قادما! ساعة قادمة! نسيت... نسيت انهم ليسوا في لبنان.
هؤلاء المتفرجون والمتفرجات لديهم الوقت الكافي والمال الفائض لتضييعه علي التفرج علي الأزياء الجديدة. وفي لبنان آلاف من المشردين والجائعين؟
والعارضة ما نصيبها من كل هذا؟ تحاول اظهار جمال الفستان بكل مفاتنها الطبيعية والاصطناعية. أهذا هو كل دورها في الحياة؟ ارتداء ثياب لترتديها الأخريات. توفر عليهن وقت تجربة الفستان.. والرجال.. الرجال لماذا جاءوا؟ ليشتروا للنساء؟ كانوا يشترون النساء، في الماضي، في زمن الرقيق، مباشرة فصاروا يشترون لهن الثياب بعد تطور أسلوب البيع كله واحد الرجال يدفعون والنساء يستلمن.
القسم الأخير من الأخبار مخصص لعالم الرياضة فرقة فازت وأخري خسرت تقدم الخاسرون والرابحون يتصافحون هذه تقاليد الروح الرياضية هل يمكن ان تنتهي أحداث لبنان بهذه القبل وهذا العناق والمصافحة؟ وهل كانت مباراة لتنتهي هكذا؟
المذيعة ترتدي اليوم فستانا جديدا لكنه لا يناسبها أما تسريحة شعرها المستعار فجعلتها تبدو أفضل شكلا.
لا تستطيع المذيعة تغيير ما حولها، لا تستطيع المذيعة تغيير مادة الأخبار فلم تحسن غير تغيير مظهرها الخارجي.. متي نصبح قادرين علي تطوير الاعماق وتغييرها.. متي؟ ... متي؟ .... متي؟....
البرنامج الذي سيتلو الأخبار فيلم تتذكر انها شاهدته منذ سنوات خلت قبل ابتداء الحرب في لبنان.. تذكر نهايته تماماً حين تموت البطلة ويحملها حبيبها غير آبه لوجود زوجها ويأخذها إلي الشرفة مطلا علي الأماكن التي كان فيها الحبيبان السابقان يلتقيان ينتهي الفيلم، والبطل يقول بصوت واهن حزين: الآن صارت ملكي.
وتذكر يومها كم بكت كم ذرفت دموعا اغرقت مناديل.
كانت ترعي مادة الأفلام شركة سكاير أخري.
تذكرت هي سيكارتها بين اصابعها فلتر مطفأ السيكارة احترقت ورمادها يتناثر علي يدها وعلي فستانها.. والكرسي.. والأرض.. وكل ما حواليها.
مدت أصابعها تتحسس خديها لم يكن عليهما دموع ولا آثار دموع ولكنها احست ذرات الرماد بين أهدابها.
وشفاهها تحسست طعم الرماد.