(أرجع يا كلّ الحب)
ترددها والدتي الحنون قبل غروب الشمس، والأفق يتشرب الدماء والشفق يسدل أهدابه برفق على القرية الحالمة. تناهى إلى أذني أن والدتي ابيضت عيناها من بكاء أعنيتها الهاربة. تساءلت نفسي ذات مساء كئيب عن العودة والحنين إلى (أغنيتي) التي لا تفتأ تذكرني بمَن ابيضت عيناه للحزن والألم .
أتذكّر الآن جيداً اختياري (المنفى) قبل أحد عشر عاماً هربت من حسد الأرض واغتيال الأعشاب الذابلة . أحد عشر كوكباً تهاوى إلى الأرض ، تجرعت بها هموم الغربة ، سئمت الاغتراب أو أن أكون نائياً عن ( أغنيتي ) التي تعلمت منها أجمل ما يكون عليه الغناء, وبالغناء نغسل عناء الفقر .فهي طالما كانت تردد ( لولا الأماني لم يعش الفقير ).
-آه يا فقر المشاعر.
-آه يا حسد الحساد .
أتذكّر عندما لحقت بأول قافلة تسابق الريح, فقد كانت تبعث على الكآبة والإحساس باليتم. مطلقاً العنان لنظرتي المخترقة أفق السماء، والغيوم تقترب من رأسي الصغير، والقافلة تنحدر من أعالي الجبال. انتابني وقتها شعور بأن الأرض تميدُ بنا. وتهتز طرباً وتقذف بنا إلى أرض تنتشل الرجال، وتنطق بالمجد والسؤدد، ولا تجد فيها غرباناً ناعقة.
-آه يا فقر المشاعر .
-آه يا ...
المنفى هنا جميل وأغلب من يقطنون به يعيشون بسلام . أضاجع وحدتي , وأتدثر بهمي الذي غدا شبحا يفسر أحلامي الباردة , وكأن الطير تقترب من رأسي لتشرب من كأس وحدتي الآخذة في صقيع مهول, وزمهرير المشاعر يطوح بالخوف عاليا.
-آه يا فقر الهروب.
-لا أريد أن أمكث في وحدتي خالي الوفاض .
تساءل خالي :
-متى العودة ياعزيزي ؟
-العودة لمن ؟
ومدن الثلج تخيم على مشاعري الباردة . ولكنها أغنيتي لابد من تقبيل يدها , وخدها , ورأسها , وما تبقى من جسدها .الأغنية المتدفقة في ذاتي . فقد رآها الطبيب تجري في عروقي الذابلة .
عزمت على العودة لأغنيتي ولأرضي التي آثرت أن تقذف بي إلى أرض أكثر عطاءً ونجابة.
تبقى دون عودتي أحد عشر يوماً وخالي متضجر مني يستعجل قدامي بالمسير جنوباً.
-أنا لا أستطيع أن أمكث أحد عشر يوماً هنا.
-وما العمل يا خال؟
-يا ولدي اشتقت إلى القرية وبيادرها.
خطر ببالي أن أعطيه ( ثوبي القديم ) وحقائبي لتنوب عني، في اليوم التالي طار إلى الجنوب، جنوب يتغلغل في داخل المرء إلى درجة إقصاء الذات، ومدغدغاً أحاسيسي بالبكاء. لم أودّعه ولم تلتقِ العينان. وغاب في الأفق. و للأفق وجه مخفياً في عالم الاغتراب، لا يظهر إلا عند اختفاء العزيز إلى فضاء الحب المليء بالأحزان. سكن الليل وداهمتني (حـمّى المتنبي) لتتضافر والألم بداخلي، ومع إشراقة دفء الصباح يتدفق إلى أذني صوت مؤنس وحدتي مؤخراً في الهاتف :
-يا صباح الفل والكاذي .
-يا صباح الجنوب – وحمداً لله على سلامتك .
-كانت رحلة موفقة .
-كيف والدتي ؟
لفه الصمت قليلاً , وداهمتني نوبة أقفلت على إثرها سماعة الهاتف . وعاد مجددا وهاتفني وقال جذلا :
- ارتدّ بصرُها عندما ألقيت بثوبك على وجهها .
سمعت أغنية مازالت ترن في أذني تعيد شريط الذكريات أمام عيني المتعبة من الترحال والمنفى . وها أنا أشعر أنَّ أغنية تمزقت بداخلي . مزقتها السنون الباردة!
ارتعشت يدي كأنما تجمدت الدماء بداخلها واقشعر جلدي لتسقط سماعة الهاتف وصوت خالي يهوي ببطء إلى قعر بئر مظلم .
ترددها والدتي الحنون قبل غروب الشمس، والأفق يتشرب الدماء والشفق يسدل أهدابه برفق على القرية الحالمة. تناهى إلى أذني أن والدتي ابيضت عيناها من بكاء أعنيتها الهاربة. تساءلت نفسي ذات مساء كئيب عن العودة والحنين إلى (أغنيتي) التي لا تفتأ تذكرني بمَن ابيضت عيناه للحزن والألم .
أتذكّر الآن جيداً اختياري (المنفى) قبل أحد عشر عاماً هربت من حسد الأرض واغتيال الأعشاب الذابلة . أحد عشر كوكباً تهاوى إلى الأرض ، تجرعت بها هموم الغربة ، سئمت الاغتراب أو أن أكون نائياً عن ( أغنيتي ) التي تعلمت منها أجمل ما يكون عليه الغناء, وبالغناء نغسل عناء الفقر .فهي طالما كانت تردد ( لولا الأماني لم يعش الفقير ).
-آه يا فقر المشاعر.
-آه يا حسد الحساد .
أتذكّر عندما لحقت بأول قافلة تسابق الريح, فقد كانت تبعث على الكآبة والإحساس باليتم. مطلقاً العنان لنظرتي المخترقة أفق السماء، والغيوم تقترب من رأسي الصغير، والقافلة تنحدر من أعالي الجبال. انتابني وقتها شعور بأن الأرض تميدُ بنا. وتهتز طرباً وتقذف بنا إلى أرض تنتشل الرجال، وتنطق بالمجد والسؤدد، ولا تجد فيها غرباناً ناعقة.
-آه يا فقر المشاعر .
-آه يا ...
المنفى هنا جميل وأغلب من يقطنون به يعيشون بسلام . أضاجع وحدتي , وأتدثر بهمي الذي غدا شبحا يفسر أحلامي الباردة , وكأن الطير تقترب من رأسي لتشرب من كأس وحدتي الآخذة في صقيع مهول, وزمهرير المشاعر يطوح بالخوف عاليا.
-آه يا فقر الهروب.
-لا أريد أن أمكث في وحدتي خالي الوفاض .
تساءل خالي :
-متى العودة ياعزيزي ؟
-العودة لمن ؟
ومدن الثلج تخيم على مشاعري الباردة . ولكنها أغنيتي لابد من تقبيل يدها , وخدها , ورأسها , وما تبقى من جسدها .الأغنية المتدفقة في ذاتي . فقد رآها الطبيب تجري في عروقي الذابلة .
عزمت على العودة لأغنيتي ولأرضي التي آثرت أن تقذف بي إلى أرض أكثر عطاءً ونجابة.
تبقى دون عودتي أحد عشر يوماً وخالي متضجر مني يستعجل قدامي بالمسير جنوباً.
-أنا لا أستطيع أن أمكث أحد عشر يوماً هنا.
-وما العمل يا خال؟
-يا ولدي اشتقت إلى القرية وبيادرها.
خطر ببالي أن أعطيه ( ثوبي القديم ) وحقائبي لتنوب عني، في اليوم التالي طار إلى الجنوب، جنوب يتغلغل في داخل المرء إلى درجة إقصاء الذات، ومدغدغاً أحاسيسي بالبكاء. لم أودّعه ولم تلتقِ العينان. وغاب في الأفق. و للأفق وجه مخفياً في عالم الاغتراب، لا يظهر إلا عند اختفاء العزيز إلى فضاء الحب المليء بالأحزان. سكن الليل وداهمتني (حـمّى المتنبي) لتتضافر والألم بداخلي، ومع إشراقة دفء الصباح يتدفق إلى أذني صوت مؤنس وحدتي مؤخراً في الهاتف :
-يا صباح الفل والكاذي .
-يا صباح الجنوب – وحمداً لله على سلامتك .
-كانت رحلة موفقة .
-كيف والدتي ؟
لفه الصمت قليلاً , وداهمتني نوبة أقفلت على إثرها سماعة الهاتف . وعاد مجددا وهاتفني وقال جذلا :
- ارتدّ بصرُها عندما ألقيت بثوبك على وجهها .
سمعت أغنية مازالت ترن في أذني تعيد شريط الذكريات أمام عيني المتعبة من الترحال والمنفى . وها أنا أشعر أنَّ أغنية تمزقت بداخلي . مزقتها السنون الباردة!
ارتعشت يدي كأنما تجمدت الدماء بداخلها واقشعر جلدي لتسقط سماعة الهاتف وصوت خالي يهوي ببطء إلى قعر بئر مظلم .