ها نحن أخيرا. أنا وأنت فقط وسط هذا الصمت المهيب. لقد رحلوا جمعيا وتركونا وحدنا. لا. لسنا كذلك; ثمة أجساد ممددة في أسرتها الباردة الخالية من الأحلام. لا تقلقي حبيبتي لن يسببوا لنا أي ازعاج; أعدك بذلك. هم منشغلون الآن في عالم ثان. لا داعي للعجلة سننضم إليهم بعد قليل. بعد أن أرتشف رشفة من القارورة بيدي و أرقد جوارك و يستحيل كل شيء في نظرنا إلى عدم. وتتحول أرواحنا إلى طيور من نور. لن أندم على شيء. في سبيل هذه اللحظة المفصلية من حياتي; ليس ثمة معنى للندم. لا فائدة اجنيها من الندم. ربما لكنت ندمت على الذي مضى من عمري;لكن ليس للذي هو آت. حدسي يقول لي أن ما سيأتي هو الأفضل لكلينا. ربما سيقربنا أكثر. تتحد أرواحنا في جسد الحلم; تصبح روحا واحدة في جسد طائر زئبقي; يفرد جناحه يسبح بلا خوف في سماء هيولية تعج بالأرواح. لن نغرق في لجة الأوهام; فثمة قشة تحملها أمواج الشك القادمة من ضفة اليقين نتمسك بها. ربما نعبر معا لشط الخلود. لا تكوني متشائمة لا أحد يعلم ماذا يحدث في الطرف الآخر.
ولكنك قلت بعظمة لسانك الآن أنها لم تكن تنظر لواحد مثلك. هكذا كان دوما يصرخ الكائن الهلامي القابع في دواخلي.
نعم قلت. أين أنا وأين أنت؟
بعد الذي حدث مساء اليوم وأنا منهمك في عملي الروتيني بموالة نملة. أخرج الجسد البارد الملفوف بثياب الصمت أحكي له قصة ما قبل النوم والرحيل حسب مهنتي ثم أعيده إلى الدرج الخاص به... بعد الذي حدث لا يجب التعويل على المنطق. ثمة أشياء حدثت وتحدث كل لحظة في الحياة لا منطق لها; ولو أردنا أن نحشرها في زواية المنطق أوالعقل وتلك التفاهات التي يتشدق بها أصحاب النظرية الوجودية لنسفنا فكرة الحياة برمتها.. ذلك الغموض الموحي هو الذي يجعل لحياتنا معنى. أنا مثلا بعرجي الظاهر وهيئتي البائسة الحياة بالنسبة لي مشوار طويل مرهق أما أنت بساقيك النحيلتين وقوامك الرشيق لابد أن حيواتك سهول خضراء ممتدة تضج بالفرح بالزهو و الحركة والعنفوان. كنت أعلم بيني وبين نفسي أن جدر عقلي التي متنتها بأعمدة المنطق تتضعضع أمام ضربات قلبك المرهف; وأنه لا محالة سيأتي عليّ يوم بعد أن ينفذ من ذهني كل جهد; كل فكرة; كل خاطرة ادخرتها... أرفع الراية البيضاء وأسلم. قلبي المجنون ابن المجنون أحبك وراح يبني من طوب العاطفة و حجارة الشوق قصرا للأوهام في مخيلتي الرخوة. ساعات أحس بعبثية كل ذلك وأن تعويذة واحدة يمكن أن تنسفه من الوجود لكنني كنت أتشبث بحبال الشك حتى لا ينفذ صبري. كان سهلا عليّ الهروب مني للأمام; صعب عليّ التقدم خطوة للوراء; ففضلت ثابتا كالصنم يتسع أفق رؤاي ويضيق على منظر واحد. لم يكن بمقدوري البوح. حتى نفسي كنت أزجرها عندما تخطرين على بالها ناهيك أن أدعها تفكر في الاقدام على خطوة ما. ولو لا أنني وجدتك ممددة أمامي بذلك الحضور الذي يؤول إلى زوال أبدي; إلى فناء لما تجرأت وفاتحتك في الأمر من الأساس. لكنها الأقدار; يبدو أن القدر مغرم ببعض الناس هنا. أما أنا فقدري يعشقني بجنون. وما نحن فيه وبصدده وتلك القارورة السحرية بيدي يؤكد ذلك. لا تتعجبي; أعلم أن جسدك الممدد أمامي كتمثال من الشمع بكل سطوته عاجز عن فهمي. لكن روحك التي أعرف سترهف وتفهم. كنت أتحين الفرص لألتقيك. طالبة مجتهدة تبحث عن مرجع ما دورية ما بين كم هائل من الكتب المصفوفة في الأرفف. لا أحد ينفذ إلى صفحات المراجع الصفراء وأغلفة الكتب القديمة غير دودة.. أنا بحكم عملي في المكتبة كنت الدودة. أكمن لك هناك. في الركن المظلم بين صفحات كتب علماء النفس التي تعج بفوضى الذات. لم التفت إلى الحديث أن ذلك الركن مسكون بالأرواح. ليس لمثلي أن يخشى الأرواح وجسدي مسكون بك. كنت أمتص رحيق الكتب وأغزله وشاح وأنتظر قدومك وأنا ونصيبي. ساعات تدسين نقود في جيبي وتقرصين بعينيك المشاغبتين قلبي; ساعات تكفيني ايماءة خفيفة تسيل من شفتيك الكرزيتين ابتسامة لطيفة على وجهي وكنت ممتنا لذلك.. حتى دخل المكتبة ذات يوم مدير المشرحة. وضع يده في كتفي ونحن نسير في الردهات وهمس.
- يا دودة أريدك في أمر هام. تعال معي.
وأخذني للخارج لا أخفي عليك; خفت أنه يريد أن أقرضه بعض المال. أولئك الدكاترة; يضعون ربطات عنق أنيقة و عطر من النوع الغالي وينتعلون أحذية لامعة; ولا يكاد يمر أسبوع من الشهر يهرولون إليّ.. وبعدها لا أرى وجوههم إلا في الشاشة. بلعت ريقي ودعوت في سري. فاجأني طلبه.
في المساء كنا نتجول في ثلاجة المشرحة.
- هل تخاف من الأشباح؟
سألني ونحن نقف في ذات المكان الذي ترقدين فيه الآن. - حسنا إنها مهنة سهلة ستدر عليك دخل اضافي. ما عليك سوى الجلوس هنا حتى يأتي ذووهم.
ابتسم وقال بسخرية:
- جليس أموات يعني. يمكنك الثرثرة معهم في كل شيء عدا الحديث في السياسة لا نريد أن نسبب لهم الغم ونسلبهم الحلم.
التزمت بوصيته وبما أنني لا أفقه في الدين; فلا يوجد ما يشعرهم بالدفء غير الحديث في الجنس. عليّ أن أكون حذرا. ثمة أطفال يرقدون في الجوار ولا يصح الحديث في هذه الأمور في وجودهم. ثم أن العجوز صابر جارك على اليمين عندما أخبرته بالأمس بما قاله إمام المسجد ذات خطبه; اكفهر وجهه وأرغى وأزبد; ضرب الصندوق بقبضة يده وتمتم: لن أقبل أن تكون فوزية زوجتي حوريتي في الجنة جهنم أرحم.
لم يتبق غير الحديث في الحب وحتى هذا لو فتحت لهم المجال وكل شخص أفشى سره لنشبت معركة. لذا فضلت الصمت. عندما سحبت الدرج الذي ترقدين فيه كنت أنوى التحدث مع الشابة التي قال عنها زميلي في العمل أن الموت زادها هيبة وكسا جسدها الفاتن سكينة لم ير مثلها من قبل.. كنت أنوى التحدث معك عن أحدث نظريات التخسيس وأجود أنواع أحمر الشفاه. أضحك الآن من سخرية القدر.. أنا جالس قربك أثرثر في أمور تافهة ولا أملك اجابة. ربما
هذه القارورة السحرية بيدي تجيب عن السؤال المربك.
هل حياتي معك بدأت من قبل أم هي تبدأ الآن أم لم تبدأ بعد.
ولكنك قلت بعظمة لسانك الآن أنها لم تكن تنظر لواحد مثلك. هكذا كان دوما يصرخ الكائن الهلامي القابع في دواخلي.
نعم قلت. أين أنا وأين أنت؟
بعد الذي حدث مساء اليوم وأنا منهمك في عملي الروتيني بموالة نملة. أخرج الجسد البارد الملفوف بثياب الصمت أحكي له قصة ما قبل النوم والرحيل حسب مهنتي ثم أعيده إلى الدرج الخاص به... بعد الذي حدث لا يجب التعويل على المنطق. ثمة أشياء حدثت وتحدث كل لحظة في الحياة لا منطق لها; ولو أردنا أن نحشرها في زواية المنطق أوالعقل وتلك التفاهات التي يتشدق بها أصحاب النظرية الوجودية لنسفنا فكرة الحياة برمتها.. ذلك الغموض الموحي هو الذي يجعل لحياتنا معنى. أنا مثلا بعرجي الظاهر وهيئتي البائسة الحياة بالنسبة لي مشوار طويل مرهق أما أنت بساقيك النحيلتين وقوامك الرشيق لابد أن حيواتك سهول خضراء ممتدة تضج بالفرح بالزهو و الحركة والعنفوان. كنت أعلم بيني وبين نفسي أن جدر عقلي التي متنتها بأعمدة المنطق تتضعضع أمام ضربات قلبك المرهف; وأنه لا محالة سيأتي عليّ يوم بعد أن ينفذ من ذهني كل جهد; كل فكرة; كل خاطرة ادخرتها... أرفع الراية البيضاء وأسلم. قلبي المجنون ابن المجنون أحبك وراح يبني من طوب العاطفة و حجارة الشوق قصرا للأوهام في مخيلتي الرخوة. ساعات أحس بعبثية كل ذلك وأن تعويذة واحدة يمكن أن تنسفه من الوجود لكنني كنت أتشبث بحبال الشك حتى لا ينفذ صبري. كان سهلا عليّ الهروب مني للأمام; صعب عليّ التقدم خطوة للوراء; ففضلت ثابتا كالصنم يتسع أفق رؤاي ويضيق على منظر واحد. لم يكن بمقدوري البوح. حتى نفسي كنت أزجرها عندما تخطرين على بالها ناهيك أن أدعها تفكر في الاقدام على خطوة ما. ولو لا أنني وجدتك ممددة أمامي بذلك الحضور الذي يؤول إلى زوال أبدي; إلى فناء لما تجرأت وفاتحتك في الأمر من الأساس. لكنها الأقدار; يبدو أن القدر مغرم ببعض الناس هنا. أما أنا فقدري يعشقني بجنون. وما نحن فيه وبصدده وتلك القارورة السحرية بيدي يؤكد ذلك. لا تتعجبي; أعلم أن جسدك الممدد أمامي كتمثال من الشمع بكل سطوته عاجز عن فهمي. لكن روحك التي أعرف سترهف وتفهم. كنت أتحين الفرص لألتقيك. طالبة مجتهدة تبحث عن مرجع ما دورية ما بين كم هائل من الكتب المصفوفة في الأرفف. لا أحد ينفذ إلى صفحات المراجع الصفراء وأغلفة الكتب القديمة غير دودة.. أنا بحكم عملي في المكتبة كنت الدودة. أكمن لك هناك. في الركن المظلم بين صفحات كتب علماء النفس التي تعج بفوضى الذات. لم التفت إلى الحديث أن ذلك الركن مسكون بالأرواح. ليس لمثلي أن يخشى الأرواح وجسدي مسكون بك. كنت أمتص رحيق الكتب وأغزله وشاح وأنتظر قدومك وأنا ونصيبي. ساعات تدسين نقود في جيبي وتقرصين بعينيك المشاغبتين قلبي; ساعات تكفيني ايماءة خفيفة تسيل من شفتيك الكرزيتين ابتسامة لطيفة على وجهي وكنت ممتنا لذلك.. حتى دخل المكتبة ذات يوم مدير المشرحة. وضع يده في كتفي ونحن نسير في الردهات وهمس.
- يا دودة أريدك في أمر هام. تعال معي.
وأخذني للخارج لا أخفي عليك; خفت أنه يريد أن أقرضه بعض المال. أولئك الدكاترة; يضعون ربطات عنق أنيقة و عطر من النوع الغالي وينتعلون أحذية لامعة; ولا يكاد يمر أسبوع من الشهر يهرولون إليّ.. وبعدها لا أرى وجوههم إلا في الشاشة. بلعت ريقي ودعوت في سري. فاجأني طلبه.
في المساء كنا نتجول في ثلاجة المشرحة.
- هل تخاف من الأشباح؟
سألني ونحن نقف في ذات المكان الذي ترقدين فيه الآن. - حسنا إنها مهنة سهلة ستدر عليك دخل اضافي. ما عليك سوى الجلوس هنا حتى يأتي ذووهم.
ابتسم وقال بسخرية:
- جليس أموات يعني. يمكنك الثرثرة معهم في كل شيء عدا الحديث في السياسة لا نريد أن نسبب لهم الغم ونسلبهم الحلم.
التزمت بوصيته وبما أنني لا أفقه في الدين; فلا يوجد ما يشعرهم بالدفء غير الحديث في الجنس. عليّ أن أكون حذرا. ثمة أطفال يرقدون في الجوار ولا يصح الحديث في هذه الأمور في وجودهم. ثم أن العجوز صابر جارك على اليمين عندما أخبرته بالأمس بما قاله إمام المسجد ذات خطبه; اكفهر وجهه وأرغى وأزبد; ضرب الصندوق بقبضة يده وتمتم: لن أقبل أن تكون فوزية زوجتي حوريتي في الجنة جهنم أرحم.
لم يتبق غير الحديث في الحب وحتى هذا لو فتحت لهم المجال وكل شخص أفشى سره لنشبت معركة. لذا فضلت الصمت. عندما سحبت الدرج الذي ترقدين فيه كنت أنوى التحدث مع الشابة التي قال عنها زميلي في العمل أن الموت زادها هيبة وكسا جسدها الفاتن سكينة لم ير مثلها من قبل.. كنت أنوى التحدث معك عن أحدث نظريات التخسيس وأجود أنواع أحمر الشفاه. أضحك الآن من سخرية القدر.. أنا جالس قربك أثرثر في أمور تافهة ولا أملك اجابة. ربما
هذه القارورة السحرية بيدي تجيب عن السؤال المربك.
هل حياتي معك بدأت من قبل أم هي تبدأ الآن أم لم تبدأ بعد.