- قتلتها .. قتلتها .
عاريا يصيح " السماك " من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده يقطر دما.
وقفت " بهتيم " على شعر رأسها , حين تردد الخبر.
- الزفر تزوج عزيزة.
وركضت على ألسنتها, إلى دكان " السماك" تسأل أم " محمد" زوجته القديمة صحة الخبر, وزحفت " بهتيم" على عيونها إلى ما وراء الشرفة والنوافذ والجدران, وقد أطلقت أخيلتها, تعرى "عزيزة" و السماك غارق في التقبيل والمضاجعة .
- الزفر صاد حورية البلد؟!
- هل تطيق رائحته ؟
- جنية و مخاوية .
عندما عثر أهالي " بهتيم" على جثة " محمود الحداد " طافية فوق مياه المصرف ونفايات البشر, استقبلت " عزيزة" النبأ بهدوء وبرود شديدين , وقامت , ارتدت ثياب الحداد , وقالت :
- خلف الوعـد .
أطلقت الشرطة المخبرين وراءها, بضعة أيام, ثم جاءت بالكلب " هول" يهز ذيله, و يتشمم الرجال والنساء, الذين اصطفوا أمام مقهى " حسن سلامه", وفجأة توقف الكلب, وشب على " عزيزة" يجرها من ثيابها وهو ينبح . وفى المحكمة أشار وكيا النيابة بسباته, وقال:
- لن تفلت هذه المرة من القصاص.
ردت "عزيزة" من داخل القفص:
- خل الكلب يحلف اليمين يا حضرة القاضي.
هجر "السماك" البحر والشبكة والقارب, وأحالت زوجته القديمة محل السمك إلى محل لبيع الفول و الفلافل .
مر يوم وراء يوم, تسعون يوما والنوافذ مغلقة, والشرفة مغلقة, وباب الشقة لا يفتح, بل يوارب, ويتلقى "السماك" من " أم محمد" الطعام والدخان والفاكهة وزجاجات البيرة وفص الأفيون, ويستدير, يدير مؤشر الراديو , تغنى كوكب الشرق, ويقبل على " عزيزة" التي تطول وتقصر وتسمن وتنحف وتخشن وتنعم وتتلون سمراء وبيضاء وشقراء, إلى أن هل عصر اليوم الواحد والتسعين, بجلباب أبيض نظيف, وذقن ناعمة وشعر حليق , يتجشأ ويتمطى ويسير بخطوات ثابتة تجاه الدكان المواجه للبيت.
خرجت " أم محمد " من وراء طاسة الطعمية , وقالت:
- آن الأوان تزور بيتنا يا زفـر.
هوى " السماك" بكفه على وجهها , وقال: هكذا حالك إن أردت أبق, وإن أردت خذي أولادك وارحلي, فأرض الله واسعة.
لم يكن يمر أسبوع إلا و تستلقي " بهتيم" على قفاها من الضحك, حين ترمى " السماك" بأي شيء يقع في يدها: شبشب, حذاء, وابور جاز, وهى تطارده, وتسب وتلعن حظها الأسود, وهو يجرى أمامها, ويختبئ كفأر مذعور.
- قتلتها .. قتلتها .
عاريا لا يزال " السماك" يصيح من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده, يقطر دما, والنهار يشقشق, و " بهتيم" تتجمع , الشيوخ والشباب, الرجال والنساء, الصبيان والبنات, يتدافعون بالدراجات والسيارات والعربات الكارو وعلى الأقدام.
- هو يقدر عليها ؟
- كان غيره أشطر .
- الولية لحست مخه .
- كل من تزوجوها قتلوا.
- يجعل سره في أضعف خلقه.
هنا لا يعلم أحد كم مرة تزوجت ؟ ومن أين أتت " عزيزة" ؟ صعيدية أم بحراوية ؟ من القرى أم من بنات البندر , ساحلية أو صحراوية ؟ وعبد الواحد نفسه أكبر شيوخ " بهتيم" لا يعرف لها أبا ولا أما, لكنه يحلف , حين تأتيه نوبة اليقظة , برب السماء والعرش :
" لما فتحت عيني على الدنيا , كانت " عزيزة" شابة , كما هي الآن , تقيم "بهتيم" وتقعدها بحلاوتها التي تزيد يوما بعـد يوم, وجدي الكبير قال لي : أن أباه أحد ضحاياها , وصمت . منذ بضعة شهور, والدنيا في عز الليل , اندفع " حسن سلامه " زوجها الأخير – الذي يضرب الحائط برأسه فيثقبها – من باب بيته , والنار تشتعل في جسده, يجرى ويتلوى ويقفز , ويصرخ ويتمرغ في التراب.
وفى الصباح استيقظت "عزيزة " من النوم براحتها, ارتدت ثياب الحداد , وقالت :
- لكل أجل كتاب .
- قتلتها.. قتلتها..
عاريا لا يزال " السماك" يصيح من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده يقطر دما , و" بهتيم" لا تزال , في الضوء الرمادي, تتجمع , حتى المرضى والعميان والعرجان والمشلولون والبلهاء ومقطوعو الأطراف , و عبد الواحد نفسه كان قادما إلى هنا محمولا على كرسيه .
- عزيزة ماتت.
- قتلت يا حاج.
- يمهل ولا يهمل.
- من قتل يقتل .
- على يد الزفـر.
- أقل عيل في بهتيم كان يضربه على قفاه.
- السماك طيب وليس ضعيفا.
على الشط , في ساعة فجرية, والدنيا برد , خلع " السماك" جلبابه, وظل بالسروال والصد يرى المفتوح الصدر , وقال لنفسه :
" رزق العباد على الخلاق "
ثم ركب القارب, وقبض على المجدافين , يشق طريقه بين الموج, إلى أن غاب بعيدا عن الشط , سمع نداءا خافتا, لم يستطع تحديد مصدره, نهض.. يتلفت حواليه, وطرح الشبكة بكل عزمه.
من عند الأشجار والنخيل جاءت ؟ من الأعالي في السماوات هبطت ؟ من قاع البحر و اللؤلؤ والمرجان صعدت ؟ لا يدرى " السماك" إلا أن " عزيزة" ترقص الآن فوق الماء عارية,تتمايل مع الموجات بدرا مضيئا , وهى قادمة إليه , تفك ضفائرها, التي غطت البحر, وسارت به من بحر لبحر, ومن سماء لسماء, ومن أرض لأرض.
ظهر ذلك اليوم , عاد " السماك" رأسا إلى بيت " عزيزة" وألقى بصيده : البوري والبلطي والبياض تحت أقدامها.
- أنا عذراء لم يمسسني بشر.
- هذه هي الجنة.
- لكنى حامل وعليك أن تفسح الطريق للقادم .
- لن أخلف ليلة.
- وعـد الحر دين عليه.
- رقبتي سدادة.
- قتلتها.. قتلتها..
وسقط " السماك " من فوق سور البلكونة , فأطلت " عزيزة " من النافذة ترمق القادم هناك .
عاريا يصيح " السماك " من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده يقطر دما.
وقفت " بهتيم " على شعر رأسها , حين تردد الخبر.
- الزفر تزوج عزيزة.
وركضت على ألسنتها, إلى دكان " السماك" تسأل أم " محمد" زوجته القديمة صحة الخبر, وزحفت " بهتيم" على عيونها إلى ما وراء الشرفة والنوافذ والجدران, وقد أطلقت أخيلتها, تعرى "عزيزة" و السماك غارق في التقبيل والمضاجعة .
- الزفر صاد حورية البلد؟!
- هل تطيق رائحته ؟
- جنية و مخاوية .
عندما عثر أهالي " بهتيم" على جثة " محمود الحداد " طافية فوق مياه المصرف ونفايات البشر, استقبلت " عزيزة" النبأ بهدوء وبرود شديدين , وقامت , ارتدت ثياب الحداد , وقالت :
- خلف الوعـد .
أطلقت الشرطة المخبرين وراءها, بضعة أيام, ثم جاءت بالكلب " هول" يهز ذيله, و يتشمم الرجال والنساء, الذين اصطفوا أمام مقهى " حسن سلامه", وفجأة توقف الكلب, وشب على " عزيزة" يجرها من ثيابها وهو ينبح . وفى المحكمة أشار وكيا النيابة بسباته, وقال:
- لن تفلت هذه المرة من القصاص.
ردت "عزيزة" من داخل القفص:
- خل الكلب يحلف اليمين يا حضرة القاضي.
هجر "السماك" البحر والشبكة والقارب, وأحالت زوجته القديمة محل السمك إلى محل لبيع الفول و الفلافل .
مر يوم وراء يوم, تسعون يوما والنوافذ مغلقة, والشرفة مغلقة, وباب الشقة لا يفتح, بل يوارب, ويتلقى "السماك" من " أم محمد" الطعام والدخان والفاكهة وزجاجات البيرة وفص الأفيون, ويستدير, يدير مؤشر الراديو , تغنى كوكب الشرق, ويقبل على " عزيزة" التي تطول وتقصر وتسمن وتنحف وتخشن وتنعم وتتلون سمراء وبيضاء وشقراء, إلى أن هل عصر اليوم الواحد والتسعين, بجلباب أبيض نظيف, وذقن ناعمة وشعر حليق , يتجشأ ويتمطى ويسير بخطوات ثابتة تجاه الدكان المواجه للبيت.
خرجت " أم محمد " من وراء طاسة الطعمية , وقالت:
- آن الأوان تزور بيتنا يا زفـر.
هوى " السماك" بكفه على وجهها , وقال: هكذا حالك إن أردت أبق, وإن أردت خذي أولادك وارحلي, فأرض الله واسعة.
لم يكن يمر أسبوع إلا و تستلقي " بهتيم" على قفاها من الضحك, حين ترمى " السماك" بأي شيء يقع في يدها: شبشب, حذاء, وابور جاز, وهى تطارده, وتسب وتلعن حظها الأسود, وهو يجرى أمامها, ويختبئ كفأر مذعور.
- قتلتها .. قتلتها .
عاريا لا يزال " السماك" يصيح من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده, يقطر دما, والنهار يشقشق, و " بهتيم" تتجمع , الشيوخ والشباب, الرجال والنساء, الصبيان والبنات, يتدافعون بالدراجات والسيارات والعربات الكارو وعلى الأقدام.
- هو يقدر عليها ؟
- كان غيره أشطر .
- الولية لحست مخه .
- كل من تزوجوها قتلوا.
- يجعل سره في أضعف خلقه.
هنا لا يعلم أحد كم مرة تزوجت ؟ ومن أين أتت " عزيزة" ؟ صعيدية أم بحراوية ؟ من القرى أم من بنات البندر , ساحلية أو صحراوية ؟ وعبد الواحد نفسه أكبر شيوخ " بهتيم" لا يعرف لها أبا ولا أما, لكنه يحلف , حين تأتيه نوبة اليقظة , برب السماء والعرش :
" لما فتحت عيني على الدنيا , كانت " عزيزة" شابة , كما هي الآن , تقيم "بهتيم" وتقعدها بحلاوتها التي تزيد يوما بعـد يوم, وجدي الكبير قال لي : أن أباه أحد ضحاياها , وصمت . منذ بضعة شهور, والدنيا في عز الليل , اندفع " حسن سلامه " زوجها الأخير – الذي يضرب الحائط برأسه فيثقبها – من باب بيته , والنار تشتعل في جسده, يجرى ويتلوى ويقفز , ويصرخ ويتمرغ في التراب.
وفى الصباح استيقظت "عزيزة " من النوم براحتها, ارتدت ثياب الحداد , وقالت :
- لكل أجل كتاب .
- قتلتها.. قتلتها..
عاريا لا يزال " السماك" يصيح من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده يقطر دما , و" بهتيم" لا تزال , في الضوء الرمادي, تتجمع , حتى المرضى والعميان والعرجان والمشلولون والبلهاء ومقطوعو الأطراف , و عبد الواحد نفسه كان قادما إلى هنا محمولا على كرسيه .
- عزيزة ماتت.
- قتلت يا حاج.
- يمهل ولا يهمل.
- من قتل يقتل .
- على يد الزفـر.
- أقل عيل في بهتيم كان يضربه على قفاه.
- السماك طيب وليس ضعيفا.
على الشط , في ساعة فجرية, والدنيا برد , خلع " السماك" جلبابه, وظل بالسروال والصد يرى المفتوح الصدر , وقال لنفسه :
" رزق العباد على الخلاق "
ثم ركب القارب, وقبض على المجدافين , يشق طريقه بين الموج, إلى أن غاب بعيدا عن الشط , سمع نداءا خافتا, لم يستطع تحديد مصدره, نهض.. يتلفت حواليه, وطرح الشبكة بكل عزمه.
من عند الأشجار والنخيل جاءت ؟ من الأعالي في السماوات هبطت ؟ من قاع البحر و اللؤلؤ والمرجان صعدت ؟ لا يدرى " السماك" إلا أن " عزيزة" ترقص الآن فوق الماء عارية,تتمايل مع الموجات بدرا مضيئا , وهى قادمة إليه , تفك ضفائرها, التي غطت البحر, وسارت به من بحر لبحر, ومن سماء لسماء, ومن أرض لأرض.
ظهر ذلك اليوم , عاد " السماك" رأسا إلى بيت " عزيزة" وألقى بصيده : البوري والبلطي والبياض تحت أقدامها.
- أنا عذراء لم يمسسني بشر.
- هذه هي الجنة.
- لكنى حامل وعليك أن تفسح الطريق للقادم .
- لن أخلف ليلة.
- وعـد الحر دين عليه.
- رقبتي سدادة.
- قتلتها.. قتلتها..
وسقط " السماك " من فوق سور البلكونة , فأطلت " عزيزة " من النافذة ترمق القادم هناك .