طق طق ...
طق طق..
"يا عمنا... الأجرة"..
فرقع الكمساري بأصابعه ، الرجل العجوز قال بفم خال من الاسنان:
- مالك يا كمساري...اصبر الصبر طيب..
قال الكمساري:
- أنا محصل ولست كمساري...انا اعمل في القطاع العام يعني موظف يا عمنا...
مط العجوز فمه الكهفي مبتسما بسخرية وقال:
- يعني عايز برستيج...
غضب الكمساري ..كان شابا اسمرا في العقد الثاني ؛ يرتدي بذة اشتراكية قديمة.
- الأجرة يا عمنا..
- يا ولد أصبر..
- أصبر على اي شيء .. اعطني الأجرة فقط...
قال العجوز بجدية:
- أصبر حتى أصبح رئيسا...
فرقع الكمساري اصابعه بنفاد صبر طالبا الأجرة من باقي الركاب ؛ فقال العجوز:
- البلد أصبحت هاملة ... سأصبح رئيسا وسأجعلكم جميعا مرفهون تنعمون بالأكل والشرب المجاني والمواصلات المتوفرة والعلاج المجاني...
ثم ازداد علو صوته الحاد:
- الانتخابات قادمة وسأرشح نفسي للرئاسة... هذه البلد تحتاجني..
لم يستجب لحديثه أحد ؛ فأصر رافعا صوته أكثر:
- أنا قرأت كتبا..لست جاهلا..لست أميا... سأجعل رغيف الخبز رخيصا .. سأعطي الأجانب الخبز بسعر مختلف عنه للمواطن..وحتى المواطن سأعطيه الخبز بحسب غناه أو فقره...
صرخ طفل رضيع فجأة .. هدهدته أمه ، فتوقف عن الصراخ فجأة كذلك.
- المواصلات ستكون مجانية للمواطنين .. انتخبوني وسأجعلكم سعداء...
شاب يحمل حقيبة مدرسية على ظهره لا تتناسب مع عمره البتة. التفت وقال فجأة:
- هل سنقدم اوراقنا الثبوتية للخباز كلما أردنا شراء خبز ليستوثق من جنسيتنا مثلا..
نظر اليه العجوز بحنق وقال:
- انت غر صغير لا تفهم شيئا...
رمقه الشاب بغضب وقال:
- اذا كنت تفهم فأهمني كيف سيتأكد صاحب الخبز من جنسيتك وقدرتك المالية إذن..
نفض العجوز رأسه ككاهن تورط أمام صنمه.
- يا ابني هذه تفاصيل ..تفاصيييييل... هذا عملي كرئيس .. وبالتأكيد لن أخبرك بكل أسراري ليسرقها منافسي في الانتخابات..
صمت الشاب على مضض ؛ وظل الباص المزدحم بالواقفين والجالسين يتهادى ، يسقط ويرتفع في طريق معبد بالحفر... ، صرخ الطفل مرة أخرى.. فقال العجوز مخاطبا الركاب:
- انتخبوني كرئيس قادم.. سأقوم بتأميم كل شيء ..كل شيء.. سأنهي حكم الرأسمالية الطفيلية .. سنتساوى جميعا..
الشاب الواقف والساخط رد عليه:
- ستحولنا الى الاتحاد السوفيتي السوداني..
صعد الدم إلى وجه العجوز:
- يا ولد لا تكن وقحا..تذكر أنك تتحدث مع مرشح رئاسي..
قال الشاب وجسده يتأرجع جراء ارتجاج حركة الباص:
- أرحمونا.. كلكم تريدون أن تصبحوا رؤساء.. من ستحكمون إذن...
اشتط العجوز غضبا:
- أليس من حقي .. اليس هذا حقي المكفول بالدستور .. هل تصادره.. أنتم شباب لا تؤمنون بالديموقراطية..
طقطق الكمساري:
- طيب ...الأجرة يا ريس..
حدجه العجوز بغضب:
- اصبر يا ولد..
- الى متى يا عمنا..؟
- الى أن أطرح برنامجي الانتخابي على الجماهير..
قال الكمساري:
- يا عمنا .. لو ادخلت يدك في جيبك واخرجت الجنيهات الثلاثة فلن يجعلك ذلك تخسر الانتخابات..
تجاهله العجوز وقال:
- التأميم يا شعبي البطل... لا كمساري بعد اليوم.. ستركبون المواصلات مجانا .. سانشئ شبكة ضخمة من المواصلات...وهذا الكمساري القلق سوف يحصل على دعم اجتماعي شهري حتى نجد له وظيفة تناسبه.
توقف الباص فنهضت امرأة طويلة القامة ، ذات مؤخرة بارزة خلف الثوب .. تابعها الجميع الى ان هبطت وغادرت بعدهاتحرك الباص بتؤدة...فالتفت الجميع بما فيهم العجوز والشاب الى شؤونهم.
- عليكم أن تكونوا مواطنين فاعلين... ان تختاروا من ينقذكم من هذا الظلم والفقر والقمع..
قال الشاب:
- كل من هب ودب يريد أن يصبح رئيسا .. الحكومة تخدع الأغبياء بهذه الانتخابات المزعومة.. وأمثال هذا العجوز من المجانين هم من يمنحون النظام شرعية زائفة.
صرخ العجوز:
- ليس من حقك أن تنعتني بالمجنون ولا الجاهل...
- من حقي ما دمت مواطنا أن انعتك بالمجنون اذا كان ذلك مضرا بحقنا في اسقاط النظام..
- وما الضرر في كلامي..
- الضرر انك لا تملك شيئا لتقدمه للناس..لا فكرا ولا علما بل ولا حتى اسنانا .. لا يمكننا أن نخرج من حكم طاغية عجوز لحكم احمق عجوز آخر.
توتر الركاب وتصاعدت همهمات ممتعضة.
- انا لست عجوزا.. أسناني سقطت نتيجة المرض فقط... وهل أنت لحمة لتهتم بوجود اسناني أم مواطنا فتهتم بأفكاري وقدراتي..
- يا عمنا الأجرة ياخ..
-اسكت أنت الآخر يا كمساري..
نهض العجوز وسيقانه ترتعش وتوجه ناحية الشاب:
- انا اقوى منك.. انتم شباب هذا الزمان.. شباب خنيث ومائع وضعيف.. هل تعتقد أنك أقوى مني... هيا صارعني...
أشاح الشاب عنه..
-صارعني هيا لتعلم من العجوز..
دار حول الشاب فأشاح عنه الشاب...
- هل أنت خائف.. ألم تقل أن أسناني سقطت...
- اذهب يا عجوز..فلن أصارعك..
فجاة ارسل العجوز صفعة لوجه الشاب.. حينها صاح الركاب:
- لا اله الا الله... استهدوا بالله...
أمسك الشاب بتلابيب العجوز... وصاح الكمساري:
- لا تتشاجرا هنا.. قف يا سواق..اوقف الباص...
لم يتوقف العجوز عن توجيه صفعات بأطراف أصابعه وكان الشاب يمسك بياقة قميص العجوز ، ويحاول تهويشه بقبضة يده...اندفع الكمساري وصاح:
- يا عمنا.. لماذا تثير مشاكل... ادفع الاجرة وإلا سنذهب الى قسم الشرطة...
توقف الباص ودفع الكمساري بالشاب والعجوز الى الخارج.
- تشاجرا هناك... هيا...
كان العجوز يطيح بقبضاته في الهواء وكان الشاب يتجنبها... انقض عليه الكمساري واحاطه بساعديه:
- ادفع الأجرة واذهب لحال سبيلك..
- أنا رئيس .. ابتعد عني.. اتركني .. اتركني.. لا زلت شابا يا تافهين...لا زلت قويا.. وسألقنكم درسا لن تنسوه...
امسك الشاب بقدمي العجوز والكمساري بيديه وكتفيه وأرقداه على التراب...
- يا كلاب يا كلاب.. لا تستحقون رئيسا مثلي...
كان يرفس بقدميه الضعيفتين..ادخل الكمساري يده في جيب بنطال العجوز وأخرج كومة من نقود مهترئة وقديمة وأخذ منها الأجرة ثم أعادها لجيب العجوز.
- انت رئيس بخيل..
قال الكمساري وهو يطلق سراح العجوز.. ثم ركب الباص وصفر للسائق ليغادر.. تاركا الشاب ممسكا بقدمي العجوز.
- اتركني يا ولد.. اتركني يا صعلوك..
- اذهب ايها العجوز المجنون الى حال سبيلك..
رمى الشاب بقدمي العجوز ثم دار على عقبيه وغادره...
صرخ العجوز باكيا كما تصرخ القردة... ثم قفز مطبقا على خناق الشاب من الخلف...
- اتركني يا عج.....
وأحس الشاب بشيء بارد ينفذ من لحم ظهره الى داخل تجويفه الصدري..فعقد حاجبيه ... ثم أحس بذات الشيء ينفذ مرات ومرات ومرات...
كان العجوز يقف فوق جثة الشاب وهو يصرخ:
- أنا الرئيس يا كلاب... أنا الرئيس يا كلاب .. أنا الرئيس يا كلاب..
طق طق..
"يا عمنا... الأجرة"..
فرقع الكمساري بأصابعه ، الرجل العجوز قال بفم خال من الاسنان:
- مالك يا كمساري...اصبر الصبر طيب..
قال الكمساري:
- أنا محصل ولست كمساري...انا اعمل في القطاع العام يعني موظف يا عمنا...
مط العجوز فمه الكهفي مبتسما بسخرية وقال:
- يعني عايز برستيج...
غضب الكمساري ..كان شابا اسمرا في العقد الثاني ؛ يرتدي بذة اشتراكية قديمة.
- الأجرة يا عمنا..
- يا ولد أصبر..
- أصبر على اي شيء .. اعطني الأجرة فقط...
قال العجوز بجدية:
- أصبر حتى أصبح رئيسا...
فرقع الكمساري اصابعه بنفاد صبر طالبا الأجرة من باقي الركاب ؛ فقال العجوز:
- البلد أصبحت هاملة ... سأصبح رئيسا وسأجعلكم جميعا مرفهون تنعمون بالأكل والشرب المجاني والمواصلات المتوفرة والعلاج المجاني...
ثم ازداد علو صوته الحاد:
- الانتخابات قادمة وسأرشح نفسي للرئاسة... هذه البلد تحتاجني..
لم يستجب لحديثه أحد ؛ فأصر رافعا صوته أكثر:
- أنا قرأت كتبا..لست جاهلا..لست أميا... سأجعل رغيف الخبز رخيصا .. سأعطي الأجانب الخبز بسعر مختلف عنه للمواطن..وحتى المواطن سأعطيه الخبز بحسب غناه أو فقره...
صرخ طفل رضيع فجأة .. هدهدته أمه ، فتوقف عن الصراخ فجأة كذلك.
- المواصلات ستكون مجانية للمواطنين .. انتخبوني وسأجعلكم سعداء...
شاب يحمل حقيبة مدرسية على ظهره لا تتناسب مع عمره البتة. التفت وقال فجأة:
- هل سنقدم اوراقنا الثبوتية للخباز كلما أردنا شراء خبز ليستوثق من جنسيتنا مثلا..
نظر اليه العجوز بحنق وقال:
- انت غر صغير لا تفهم شيئا...
رمقه الشاب بغضب وقال:
- اذا كنت تفهم فأهمني كيف سيتأكد صاحب الخبز من جنسيتك وقدرتك المالية إذن..
نفض العجوز رأسه ككاهن تورط أمام صنمه.
- يا ابني هذه تفاصيل ..تفاصيييييل... هذا عملي كرئيس .. وبالتأكيد لن أخبرك بكل أسراري ليسرقها منافسي في الانتخابات..
صمت الشاب على مضض ؛ وظل الباص المزدحم بالواقفين والجالسين يتهادى ، يسقط ويرتفع في طريق معبد بالحفر... ، صرخ الطفل مرة أخرى.. فقال العجوز مخاطبا الركاب:
- انتخبوني كرئيس قادم.. سأقوم بتأميم كل شيء ..كل شيء.. سأنهي حكم الرأسمالية الطفيلية .. سنتساوى جميعا..
الشاب الواقف والساخط رد عليه:
- ستحولنا الى الاتحاد السوفيتي السوداني..
صعد الدم إلى وجه العجوز:
- يا ولد لا تكن وقحا..تذكر أنك تتحدث مع مرشح رئاسي..
قال الشاب وجسده يتأرجع جراء ارتجاج حركة الباص:
- أرحمونا.. كلكم تريدون أن تصبحوا رؤساء.. من ستحكمون إذن...
اشتط العجوز غضبا:
- أليس من حقي .. اليس هذا حقي المكفول بالدستور .. هل تصادره.. أنتم شباب لا تؤمنون بالديموقراطية..
طقطق الكمساري:
- طيب ...الأجرة يا ريس..
حدجه العجوز بغضب:
- اصبر يا ولد..
- الى متى يا عمنا..؟
- الى أن أطرح برنامجي الانتخابي على الجماهير..
قال الكمساري:
- يا عمنا .. لو ادخلت يدك في جيبك واخرجت الجنيهات الثلاثة فلن يجعلك ذلك تخسر الانتخابات..
تجاهله العجوز وقال:
- التأميم يا شعبي البطل... لا كمساري بعد اليوم.. ستركبون المواصلات مجانا .. سانشئ شبكة ضخمة من المواصلات...وهذا الكمساري القلق سوف يحصل على دعم اجتماعي شهري حتى نجد له وظيفة تناسبه.
توقف الباص فنهضت امرأة طويلة القامة ، ذات مؤخرة بارزة خلف الثوب .. تابعها الجميع الى ان هبطت وغادرت بعدهاتحرك الباص بتؤدة...فالتفت الجميع بما فيهم العجوز والشاب الى شؤونهم.
- عليكم أن تكونوا مواطنين فاعلين... ان تختاروا من ينقذكم من هذا الظلم والفقر والقمع..
قال الشاب:
- كل من هب ودب يريد أن يصبح رئيسا .. الحكومة تخدع الأغبياء بهذه الانتخابات المزعومة.. وأمثال هذا العجوز من المجانين هم من يمنحون النظام شرعية زائفة.
صرخ العجوز:
- ليس من حقك أن تنعتني بالمجنون ولا الجاهل...
- من حقي ما دمت مواطنا أن انعتك بالمجنون اذا كان ذلك مضرا بحقنا في اسقاط النظام..
- وما الضرر في كلامي..
- الضرر انك لا تملك شيئا لتقدمه للناس..لا فكرا ولا علما بل ولا حتى اسنانا .. لا يمكننا أن نخرج من حكم طاغية عجوز لحكم احمق عجوز آخر.
توتر الركاب وتصاعدت همهمات ممتعضة.
- انا لست عجوزا.. أسناني سقطت نتيجة المرض فقط... وهل أنت لحمة لتهتم بوجود اسناني أم مواطنا فتهتم بأفكاري وقدراتي..
- يا عمنا الأجرة ياخ..
-اسكت أنت الآخر يا كمساري..
نهض العجوز وسيقانه ترتعش وتوجه ناحية الشاب:
- انا اقوى منك.. انتم شباب هذا الزمان.. شباب خنيث ومائع وضعيف.. هل تعتقد أنك أقوى مني... هيا صارعني...
أشاح الشاب عنه..
-صارعني هيا لتعلم من العجوز..
دار حول الشاب فأشاح عنه الشاب...
- هل أنت خائف.. ألم تقل أن أسناني سقطت...
- اذهب يا عجوز..فلن أصارعك..
فجاة ارسل العجوز صفعة لوجه الشاب.. حينها صاح الركاب:
- لا اله الا الله... استهدوا بالله...
أمسك الشاب بتلابيب العجوز... وصاح الكمساري:
- لا تتشاجرا هنا.. قف يا سواق..اوقف الباص...
لم يتوقف العجوز عن توجيه صفعات بأطراف أصابعه وكان الشاب يمسك بياقة قميص العجوز ، ويحاول تهويشه بقبضة يده...اندفع الكمساري وصاح:
- يا عمنا.. لماذا تثير مشاكل... ادفع الاجرة وإلا سنذهب الى قسم الشرطة...
توقف الباص ودفع الكمساري بالشاب والعجوز الى الخارج.
- تشاجرا هناك... هيا...
كان العجوز يطيح بقبضاته في الهواء وكان الشاب يتجنبها... انقض عليه الكمساري واحاطه بساعديه:
- ادفع الأجرة واذهب لحال سبيلك..
- أنا رئيس .. ابتعد عني.. اتركني .. اتركني.. لا زلت شابا يا تافهين...لا زلت قويا.. وسألقنكم درسا لن تنسوه...
امسك الشاب بقدمي العجوز والكمساري بيديه وكتفيه وأرقداه على التراب...
- يا كلاب يا كلاب.. لا تستحقون رئيسا مثلي...
كان يرفس بقدميه الضعيفتين..ادخل الكمساري يده في جيب بنطال العجوز وأخرج كومة من نقود مهترئة وقديمة وأخذ منها الأجرة ثم أعادها لجيب العجوز.
- انت رئيس بخيل..
قال الكمساري وهو يطلق سراح العجوز.. ثم ركب الباص وصفر للسائق ليغادر.. تاركا الشاب ممسكا بقدمي العجوز.
- اتركني يا ولد.. اتركني يا صعلوك..
- اذهب ايها العجوز المجنون الى حال سبيلك..
رمى الشاب بقدمي العجوز ثم دار على عقبيه وغادره...
صرخ العجوز باكيا كما تصرخ القردة... ثم قفز مطبقا على خناق الشاب من الخلف...
- اتركني يا عج.....
وأحس الشاب بشيء بارد ينفذ من لحم ظهره الى داخل تجويفه الصدري..فعقد حاجبيه ... ثم أحس بذات الشيء ينفذ مرات ومرات ومرات...
كان العجوز يقف فوق جثة الشاب وهو يصرخ:
- أنا الرئيس يا كلاب... أنا الرئيس يا كلاب .. أنا الرئيس يا كلاب..