جعفر الديري - الهاشمي: المظاهر العروضية مواطن للتميز الموسيقي يصعب تكرارها

قال أستاذ الدراسات العليا لموسيقى الشعر ومناهج النقد بجامعة البحرين الناقد أ.د علوي الهاشمي، ان مظاهر الزحاف والعلل التي تقع في أضرب القصيدة وعروضها وحشوها، مما يصعب أو يستحيل تكراره بين الشعراء أو في قصائدهم أو حتى في أبيات القصيدة الواحدة، لافتا إلى أهمية هذه المظاهر العروضية، كمواطن خصبة للتميز الموسيقي المتحرك في سكون الشكل العروضي المفروض على الشاعر.
جاء ذلك خلال مشاركة د.الهاشمي، في الندوة الموسعة (الجواهري معاصراً) -نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية مؤخرا في مقرها بدبي- بورقة نقدية تناول فيها "إيقاع تجربة الموت عروضياً في شعر الجواهري من خلال أربع قصائد مختارة"، هي: ناجيت قبركِ، أجب أيها القلب، أخي جعفر، لقد أسرى بيَ الأجلُ.
وأكد المحاضر أهمية الزحافات والعلل والحشو الذي يقع في الشكل العروضي، بالإضافة إلى القوافي ومجاري حروف الرويّ فيها، بما تقوم به من دور فاعل في بث جو موسيقي خاص بالشاعر في تلك القصيدة منبعث من تجربتها وموضوعها ولغتها وصورها ومنعكس على بنيتها الإيقاعية بما في ذلك شكلها العروضي وإطارها الوزني.
وأوضح صاحب كتاب السكون المتحرك، أن الشكل العروضي قد يصلح إطارًا لإيقاع القصيدة الثابت والذي يصعب أو يستحيل ربطه بعلاقة محكمة واضحة ودقيقة بموضوع القصيدة؛ لذلك ينبغي البحث عن موسيقى القصيدة ذات العلاقة بالتجربة والموضوع والغرض في محتوى ذلك الإطار السكوني الثابت، المتمثل في اللغة الشعرية تركيبًا وتخييلًا، فهي مكمن الموسيقى الحقيقي الذي تنسل منه القوافي بأصواتها وحروف رويّها وحركات مجاريها، وهي ألصق باللغة من التصاقها بالوزن، أو ربما تصلح القافية لأن تكون الوسيط المشترك بين إيقاع الشكل العروضي ومحتواه الموسيقي، تمامًا كما هي مظاهر الحشو والعلل والزحافات. بالإضافة إلى أنواع أخرى كثيرة من الإيقاع الثابت غير إيقاع الشكل العروضي وزنًا وقافية، كإيقاع اللون وإيقاع الحرف وإيقاع الفراغ وإيقاع الجرس اللفظي وإيقاع الصورة.
وبين الناقد العربي أن الشكل العروضي هو إطار إيقاعي تتحرك داخله ألوان من الموسيقى المنبعثة من مكونات القصيدة المختلفة وعناصرها المتصلة بالتجربة والموضوع واللغة والعاطفة وغير ذلك مما يمكن أن يتفشى من خلال بعض مظاهر الشكل العروضي أحيانًا كالزحافات والعلل والقافية واختيار الوزن المناسب.
وفي الوقت الذي أكد فيه د.الهاشمي، صعوبة بل استحالة الربط المحكم الدقيق والواثق علميًا بين موضوع القصيدة العربية أو غرضها الذي تتضمنه والشكل العروضي أو الوزن والقافية اللتين يختارهما الشاعر لقصيدته بوعي أو بغير قصد، لفت إلى ان هذا لا يمنع المتذوق أو الناقد المتمعن في القصيدة أن يتفحَّص ويمعن النظر في العلاقات بين مكوناتها البنائية المتبادلة والمتمثلة في كل من بنية الإيقاع وبنية اللغة وبنية المضمون.
وأشار إلى إن تحسس هذه العلاقة أو استشعارها، على ما فيها من تذوق انطباعي خاص بالمتلقي، يمكن أن تجد أثرها النقدي فيما تتسم به بنية القصيدة العربية التراثية من غنائية تتمحور حول الذات الشاعرة. ولعل من شأن هذه الغنائية المميزة لأسلوب القصيدة عند العرب أن تجد لها صدى منعكسًا لحركة الذات الشاعرة على أبنيتها المختلفة، ومنها بنية الإيقاع التي مثل الشكل العروضي بوزنه وقوافيه إطارها الموسيقي المتعارف عليه. وهو ما حاول تلمسه في قصائد الجواهري الأربع المختارة من التمييز بن أوزانها وقوافيها والكشف عن العلاقات التي تربطها بتجربة الموت.
ورأى د.الهاشمي في دراسته أن العلاقة بين العاطفة والتفكير أو غلبة أحدهما على الآخر لدى الشاعر إزاء تجربة الموت هو ما دفع الجواهري إلى اختيار الشكل العروضي المركَّب التفاعيل في قصيدتين هما (ناجيت قبركِ) التي اختار لها وزن البسيط، وقصيدة (أجب أيها القلب) التي اختار لها وزن الطويل، مشيرا إلى ان القصيدتين صراع واضح بين العاطفة والعقل عند وقوف الذات الشاعرة أمام تجربة الموت، ما جعل الوحدة العروضية المركَّبة من تفعيلتين مختلفتين مناسبة لتجسيد ذلك الصراع. في حين نجد تفرُّد العاطفة المنفعلة المتحكمة في رؤية الشاعر إزاء تجربة الموت، منعكسًا على الشكل العروضي المتمثل في الوزن الصافي ذي التفاعيل الواحدة الموحدة الذي اختاره الجواهري لقصيدته الرثائية في أخيه الشهيد (جعفر) حين اختار وزن المتقارب. وكذلك الأمر نفسه حين اختار مجزوء وزن الوافر ليرثي نفسه من جراء ما عاناه طويلًا من الشعور المرّ بالغربة بعيدًا عن دجلة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى