" أود لو يموت حبيبي
ويتساقط المطر على المقبرة
وعليّ كذلك وأنا أذرع الطرقات
حداداً على أول وآخر من أحبني ".
- صمويل بيكيت
حلّ الليل بعد أن توارت شمس المغيب بجدائلها الحمراء الوحشية ليهبط صباح جديد، ينتابني إحساس غريب ـ لم أعهده وأنا معها هنا ـ حين يفد إليّ برد الليل ليفك عني سوار برد العزلة. لكني لا أتحرر إلا عندما يسود الصمت فأنفض الوحدة وابتدئ مسعاي . حجرتي لم تزل كئيبة من بعدها، والصورة المعتمة فى إطارها العتيق لم تعد تفصح شيئاً مما مضى وانتهى.
أوصدت بابي. اتدفأ في ذاتي. أمشي فى الطل الخفيف. الدرب طويل، والليل قصير .. لا يكفي ما تبقى من حياتي. أود لو أجمع شتات نفسي، فيكتب لي النجاة، أو ألملم اسمها من الطرقات البعيدة، فنعيد معاً فرحة الوصال. للعشق صهيل ينهب الأرض يطرق القلب. هل أجهدني الصبر؟ لا شك. بعض العناء وأصل إلى ما أصبو إليه.
لما بان شبحها بعيداً فى متاهات الليل.. لم يكن ثمة شىء سوى حفيف الأوراق المتساقطة ووقع خطاي الوحيدة. صار الصمت، الآن، ماء مشوباً بعد صفاء. لكن شبحها راح يدنو حتى استشعرت النهاية. لا يهم فالرحيل عذاب مثلما التوق. والحائط المتداعي أوشك على التهاوي . ها قد هلت. لازالت الحانة في غيمتها الرمادية حيث يجاهد الضوء الخافت ليخترق. ولازال سكونها يتمطى مللاً وأملاً فى وصال عشاقٍ قدامى. يُفتح الباب فأدخل. اتطلع مأخوذاً إلى البعيد. توقفني خصاص النوافذ المغلقة بإحكام. الطاولة نفسها مهجورة دوماً. أُبصر رجلاً مبتسماً.. أهو الساقي؟ اقترب من ذاك العجوز الذى يبدو مألوفاً. نعم، وكيف أنساه.. ذاك العجوز الذى يقابلني بحنو كل ليلة كأنما يتوقع ظهوري اللامفاجىء كل ليلة.
قال: " نهاية هادئة ! " قلت: " أجل "
صفاء لا ألمسه إلا هنا، حين يخامرني الفراغ.. فراغ العالم بعد فراقها، أرحل إلى هنا، أترقب اسمها، رائحتها، كيانها، حتى يشرف الليل على الموت فأقفل عائداً إلى صومعتي.
قال: " أمازلت وحيداً؟ " أجبت بصوت خافت: " بلى .. ومخالب الموت تتوارى خلفي ".
قال: " لن يسقط الظل عن صاحبه قبلما ينقضي الأجل ".
لمع النصل فأضاء عتمة عقلي، وانبعث آهة ألم مكتومة، في لحيظة بدت كساعات نهارية طويلة جثمت فوق صدري. ظننت أن المسافة المتبقية على الافصاح التام لن تستغرق إلا ثوان معدودة. لكن ...
تنبهت أن زمناً مضى، لا أدرك حدوده. لكنني لما نظرت دهِشاً حولى.. الباب موارب، لم أجد العجوز، أين رحل؟ أثمة نهاية أخرى؟ أتطلع إلى كرسيه المجاور. استنجد بالفراغ والضوء الخافت دونما أمل. لازمتني الهزائم رغماً عن قلبي. أخرج من الحانة. الريح تعصف والمطر يشتد. خبرّتني العاصفة بأن الحبيبة على وشك الهبوب. سأصل سالماً.
ويتساقط المطر على المقبرة
وعليّ كذلك وأنا أذرع الطرقات
حداداً على أول وآخر من أحبني ".
- صمويل بيكيت
حلّ الليل بعد أن توارت شمس المغيب بجدائلها الحمراء الوحشية ليهبط صباح جديد، ينتابني إحساس غريب ـ لم أعهده وأنا معها هنا ـ حين يفد إليّ برد الليل ليفك عني سوار برد العزلة. لكني لا أتحرر إلا عندما يسود الصمت فأنفض الوحدة وابتدئ مسعاي . حجرتي لم تزل كئيبة من بعدها، والصورة المعتمة فى إطارها العتيق لم تعد تفصح شيئاً مما مضى وانتهى.
أوصدت بابي. اتدفأ في ذاتي. أمشي فى الطل الخفيف. الدرب طويل، والليل قصير .. لا يكفي ما تبقى من حياتي. أود لو أجمع شتات نفسي، فيكتب لي النجاة، أو ألملم اسمها من الطرقات البعيدة، فنعيد معاً فرحة الوصال. للعشق صهيل ينهب الأرض يطرق القلب. هل أجهدني الصبر؟ لا شك. بعض العناء وأصل إلى ما أصبو إليه.
لما بان شبحها بعيداً فى متاهات الليل.. لم يكن ثمة شىء سوى حفيف الأوراق المتساقطة ووقع خطاي الوحيدة. صار الصمت، الآن، ماء مشوباً بعد صفاء. لكن شبحها راح يدنو حتى استشعرت النهاية. لا يهم فالرحيل عذاب مثلما التوق. والحائط المتداعي أوشك على التهاوي . ها قد هلت. لازالت الحانة في غيمتها الرمادية حيث يجاهد الضوء الخافت ليخترق. ولازال سكونها يتمطى مللاً وأملاً فى وصال عشاقٍ قدامى. يُفتح الباب فأدخل. اتطلع مأخوذاً إلى البعيد. توقفني خصاص النوافذ المغلقة بإحكام. الطاولة نفسها مهجورة دوماً. أُبصر رجلاً مبتسماً.. أهو الساقي؟ اقترب من ذاك العجوز الذى يبدو مألوفاً. نعم، وكيف أنساه.. ذاك العجوز الذى يقابلني بحنو كل ليلة كأنما يتوقع ظهوري اللامفاجىء كل ليلة.
قال: " نهاية هادئة ! " قلت: " أجل "
صفاء لا ألمسه إلا هنا، حين يخامرني الفراغ.. فراغ العالم بعد فراقها، أرحل إلى هنا، أترقب اسمها، رائحتها، كيانها، حتى يشرف الليل على الموت فأقفل عائداً إلى صومعتي.
قال: " أمازلت وحيداً؟ " أجبت بصوت خافت: " بلى .. ومخالب الموت تتوارى خلفي ".
قال: " لن يسقط الظل عن صاحبه قبلما ينقضي الأجل ".
لمع النصل فأضاء عتمة عقلي، وانبعث آهة ألم مكتومة، في لحيظة بدت كساعات نهارية طويلة جثمت فوق صدري. ظننت أن المسافة المتبقية على الافصاح التام لن تستغرق إلا ثوان معدودة. لكن ...
تنبهت أن زمناً مضى، لا أدرك حدوده. لكنني لما نظرت دهِشاً حولى.. الباب موارب، لم أجد العجوز، أين رحل؟ أثمة نهاية أخرى؟ أتطلع إلى كرسيه المجاور. استنجد بالفراغ والضوء الخافت دونما أمل. لازمتني الهزائم رغماً عن قلبي. أخرج من الحانة. الريح تعصف والمطر يشتد. خبرّتني العاصفة بأن الحبيبة على وشك الهبوب. سأصل سالماً.