ثقافة شعبية جعفر الديري - تاريخ النفوذ البرتغالي في البحرين (1521 - 1602)

يعد العام 1602 عاما فاصلا في تاريخ البحرين، فبعد 80 عاما من الاحتلال البرتغالي في 1521، واستشهاد زعيم الجبور مقرن بن زامل؛ استطاعت الجزيزة تحرير أرضها بفضل بطولات الأهالي منهم 12 ألفا تحصنوا في القلعة.
وبحسب الباحثة البحرينية د.فوزية الجيب فان المؤرخين "درجوا على دراسة فترة الوجود البرتغالي في الخليج كحقبة تاريخية ذات طبيعة متسقة وسمات كبرى بارزة ومعروفة وآثار منتشرة على مناطق الخليج بشكل موحد ومتماثل إلى حد بعيد، من دون الأخذ في الاعتبار بطريقة واضحة خصوصية كل بقعة من بقاع الخليج المتميزة بشعبها وطبيعتها وموقعها وأوضاعها الاقتصادية وآليات الحكم فيها".
لذلك وجدنا د.الجيب في كتابها "تاريخ النفوذ البرتغالي في البحرين (1521 - 1602)"، تحاول قراءة هذه المرحلة بصبر وأناة لا في سياق التدخل البرتغالي المباشر في البحرين فحسب، ولكن من حيث البحث في موازين القوى العالمية التي سادت تلك الفترة، وفي ضوء حركة الكشوف الجغرافية المتسارعة في تلك المرحلة، وصولا إلى جلاء هذا الغازي، مخلفا وراءه ما يدل على شراسته وعنفه، سيما وأن الكتاب هو في الأصل أطروحة علمية نالت عليه صاحبته درجة أكاديمية. فالكتاب يحاول إضاءة ما استغلق على الافهام بشأن هذه المرحلة التي لا يمكن وصفها إلا بالغامضة، وخصوصا ان امتدادها الزمني كان كبيرا، وعليه فإن تأثيرها هو كذلك.
الأمر الذي حدا بالناقد حسام أبواصبع الى القول بأنه بصدور كتاب فوزية الجيب "تاريخ النفوذ البرتغالي في البحرين (1521 - 1602)"، ربما يمكن القول باطمئنان إن هذه الفترة قد بدأت تلقى العناية اللازمة على مستوى البحث والتمحيص، مشيرا الى ان المتابع لحركة التأليف التاريخي في البحرين يجد ندرة في تلك المؤلفات التي تبحث بعمق في فترة الاحتلال أو النفوذ - كما يفضل البعض - البرتغالي. فالجهود التأليفية تعد قليلة نسبيا، والاجتهادات في قراءة هذه الفترة تحديدا أقل بكثير مما ينبغي لتأمين صورة جلية لما كان عليه الوضع من جميع الجوانب، ومن مختلف الزوايا والأبعاد. لقد كتب عدد من المؤلفين عن هذه الفترة من تاريخ البحرين بشكل عرضي سريع، وفي سياق عام أحيانا، يستهدف بالدرجة الأولى تقديم عرض سريع لمختلف المراحل والحقب التاريخية، ومن ضمنها فترة النفوذ البرتغالي، والمدقق في الكتابات التاريخية بالكاد يعثر على أبحاث موسعة تفصيلية في المسألة البرتغالية بشكل مفرد، هناك بالطبع جهود لا يمكن إغفالها حاولت استنطاق هذه الفترة نذكر منها على سبيل المثال مشروع عيسى أمين الموسوم بـ «الموسوعة البرتغالية»، وهناك أيضا اجتهاد محمد السلمان، وخالد آل خليفة، وعلي أبا حسين وغيرهم ممن أفردوا الدراسات والمؤلفات لسبر هذه المرحلة.
تطرقت د.الجيب في دراستها للدكتوراة إلى أحداث حقبة وصفتها بالمبهمة في هذه الفترة من تاريخ البحرين التي كانت واقعة فيها تحت تأثير النفوذ البرتغالي. وهي أهمية تكمن في ان هذه الحقبة توازن القوى العالمية واثرها على الطرق الملاحية ومحطاتها التي كانت آنذاك تعد عنصرا هاما في رفع مستوى التجارة الدولية. وهو ما ركزت عليه الجيب في كتابها من حيث اثر ممالك جنوب اوروبا وتحديدا اسبانيا والبرتغال في طرق هيمنتها على منافذ الملاحة الى الشرق الاقصى وكيفية نقلها توابل الشرق الى الغرب الاوروبي الذي لطالما تعامل مع ذلك بمستوى تعامله مع الذهب. وكان من الطبيعي ان تكون البحرين محط أنظار البرتغاليين نظرا لاهمية موقعها الاستراتيجي في الخليج ومكانتها المرموقة في مجال التجارة.
يتألف كتاب د.الجيب من مقدمة وخمسة فصول: الأول وعالجت فيه الجيب الأوضاع العالمية في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، وموقع البرتغال المميز في إطارها على أربعة مستويات متصلة بالوضع في القارة الأوروبية من مختلف الجوانب، وبالوضع الخاص بالدولة العثمانية، وبالمنطقة والبحر الأحمر، وأخيرا بالأوضاع السياسية في الخليج العربي قبيل الغزو وأثناءه. أما الفصل الثاني فعالجت فيه المؤلفة أوضاع البحرين قبيل دخول البرتغاليين من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، إضافة إلى وصف لما كانت عليه البحرين تلك الفترة ديموغرافيا. أما الفصل الثالث فيتناول وضع البحرين تحت الاحتلال البرتغالي، من حيث الدوافع والأسباب، ونمط الحكم البرتغالي، إضافة إلى ردات فعل الأهالي تجاه هذا المستعمر والثورات التي حصلت احتجاجا على هذا المستعمر، أما الفصل الرابع فيتناول قضية الصراع على منطقة الخليج بين البرتغاليين والعثمانيين، ويختتم الكتاب بذكر مختلف العوامل والظروف والأسباب التي أسهمت في إنهاء الوجود البرتغالي وذلك بسبب ظهور قوى عالمية منافسة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى