"الفاتحة"
"الفاتحة"
-أحسن الله عزاءكم يا كناني..
سرادق العزاء قد دق في الساحة المقابلة للمنزل ، بذلك يكون الكناني قد خالف الموضة الجديدة والتي أصبح فيها الأثرياء يقيمون تعازيهم في الموت في صالات الأفراح الفخمة. ترتاح البرجوازية من تشتيت انتباهها في إعداد الطعام والشراب وتتكفل الصالة بكل شيء. ورغم ثراء الكناني إلا أنه كان يشعر بأن فقد والده أكبر من أن يمر بدون مشقة وجهد ؛ كان لا يزال مؤمنا بأعراف كلاسيكية ، فالسرادق أمام منزله تأكيد على رابط لا ينفصم بيت المتوفى وأقاربه المقربين. هنا يعلن الكناني بنوة بارة وأبوة يفخر بها وحزنا ليس كمثله حزن وتاريخا مشتركا لا يمكن القاؤه مهملا داخل صالة فاخرة...العزاء في منزل الأسرة امتداد لحياة والده..فهو انسان وليس سمكة تخصب البيض على قعر البحر ثم تتركه وحيدا.
جاءت طفلة سمراء ذات ضفيرتين قصيرتين وتمسحت بفخذي الكناني قائلة بصوت متقطع:
- ماما عايزاك...
تلقى تعازي رهط من الرجال ثم دخل الى باحة المنزل ووجد زوجته التي شارفت على انهاء حقبتها العشرينية ، نظر لها متسائلا فقالت بوجه متجمد:
- بعد رفع العزاء ستطلقني يا كناني... أعرف أن هذا ليس وقته .. لكنه قرار لا رجعة فيه.
دار بؤبؤا عينيه يمينا ويسارا ولم يفهم شيئا ، ماذا تقول هذا المجنونة. النساء لديهن حالات هذيان تنتابهن فجأة وفي أوقات غير منطقية أبدا. تركها دون أن ينطق عائدا الى سرادق العزاء. ونسي الأمر كله. فهي سوف تؤوب إلى رشدها بعد ايام قليلة. هكذا هن النساء ..يشتعلن فجأة وينطفئن فجأة كنيران أرض الجان وأفضل شيء تفعله في تلك اللحظات هو أن لا تفعل شيئا.
حسيبة صفراء البشرة ونضرة ممتلئة الصدر ، شعرها ناعم وقصير ، وهي من ذات قبيلته ، لقد تزوجها منذ خمس سنوات بعد أن اختارها من فيديو لحفل زفاف وعرفتها أمه فخطبتها له وتم كل شيء بسرعة لأنه يملك كل مقومات الزواج. ثم فجأة اصرت على الطلاق وتخلت عن كل حقوقها المالية بل حتى عن طفلتهما الوحيدة ، وهجرته إلى شقة استأجرتها لنفسها. أخبرته بأنها تريد الحرية وبأنها ستدخل دروسا لتعلم الرسم وستكون شقتها بمثابة مرسمها الخاص. حينها حك ذقنه بظفر سبابته بحيرة ثم طلقها.
نالت حسيبة طلاقا سهلا بل ونقدها الكناني مبلغا لا بأس به من المال ، وفي حقيقة الأمر فالكناني كان يفكر قبل ذلك بشكل هاجسي في الزواج للمرة الثانية. وهكذا نال حريته هو الآخر.
سألتها صديقتها:
- لا أحد يعرف سرك يا حسيبة.. لماذا طلبت الطلاق؟ الكناني رجل مقتدر ومحترم في نفس الوقت.
ارتدت مريلتها ووقفت أمام لوحة الرسم قابضة بإبهام يدها اليسرى على خشبة الألوان البيضاوية. ثم قالت بصوت خفيض:
- أنت لا تعلمين شيئا..
- ماذا سترسمين؟
قالت:
- لا أعرف..لم أكن أعلم أن الرسم صعب على هذا النحو يا سيودة.
- لقد تلبسك شيطان يا حسيبة..ماهذه الخزعبلات التي دخلت فيها.. طلاق ومرسم ورسم...
ردت عليها ضاحكة:
-شيطان خواجة..
ضحكت المرأتان ...وتلبستهما حالة مزعجة من الضحك المستمر غير المبرر....
تركت حسيبة لوحة الألوان وقرفصت على الأرض.
-سأخبرك بسر يا سيودة يا حبيبتي.
نظرت اليها سيودة فواصلت هي:
- ألم تشعري بامتهان كرامتك عند ممارسة الجنس مع زوجك من قبل.
اتسعت عينا سيودة وصرخت وهي تدق على صدرها:
- سجمي.. ماذا كان يفعل معك؟
واصلت حسيبة بصوت بارد:
- ليس شيئا مستهجنا يا سيودة .. بل هي ممارسة الجنس المعروفة.
-وطيب؟
- المسألة أنني كنت أشعر بالامتهان الشديد ولا أعرف لماذا .. تحملت هذا الامتهان لسنوات لكنني لم أعد أحتمل..
ثم تهدج صوتها وقالت:
- لم أعد احتمل يا سيودة..
مسحت عينيها بكم بلوزتها وأصيبت سيودة بالصدمة والخرس.
قالت من بين دموعها:
- تخيلي أن ترقدي على بطنك وأن تتحولي لكلبة .. كلبة خاضعة يتم توجيه جسدها لتنحط كأي حيوان في السيرك... لماذا يفترض علي كإنسان أن أنام على بطني ويعتليني ذكر أحمق من الخلف. هذه الوضعية بالتحديد كانت تشعرني بامتهان عميق .. كنت أرفضها ولكن الكناني كان يجبرني عليها. كنت أشعر بأنني اتعرض للاغتصاب في تلك الوضعية وأفقد حقي في المساواة في المتعة .. لن تفهميني...
كانت عينا سيودة جزعتين ؛ ثم قالت بابتسامة متوترة:
- انت مجنونة..حقا مجنونة ..
-ناوليني علبة السجائر...
اشعلت سجارة وظلت جالسة وهي تدخنها باستقرار نفسي عال.
- نحن النسوة يجب أن نتحدى امتهان كرامتنا يا سيودة حتى ونحن نمارس الجنس.
-سأذهب الآن.
قالت سيودة ذلك وهي تلملم حاجياتها الصغيرة كمفتاح السيارة وأحمر الشفاه وخلافه وتحشرها في حقيبتها الجلدية السوداء.
-أين أنت ذاهبة...
نظرت اليها سيودة وقالت ضاحكة:
- ذاهبة لامتهن كرامتي يا بنتي... ما أحلى امتهان الكرامة...
سألتها حسيبة:
- أثارك كلامي..صحيح؟
- قالت بخجل كاذب:
- بطلي قلة ادب.. باي يا عسل.
ظلت حسيبة وحيدة في مرسمها ، كانت تنظر الى لوحة الرسم القماشية البيضاء المشدودة على الحامل الخشبي بحيرة. كيف ستملأ هذا الفراغ الأبيض وداخلها أيضا فراغ. قررت حينئذ رسم صدرها بدقة كبيرة..وقد فعلت..
كان أول يوم لها في معهد تعليم الرسم ، فصل صغير لمعهد تم افتتاحه قريبا ؛ سعر الدورات فيه قليل نسبيا ، وكان الدارسون في الفصل الواحد لا يتجاوزون الثمان.
- هذه الدورة الأولى لكن .. وهي تتكون من واحد وعشرين ساعة .. وسنقتصر فيها على الجانب النظري... في الدورة التالية سنبدأ في الجانب التطبيقي..
كان الأستاذ شابا عشرينيا ؛ نحيل الجسد ورياضي البنية ، يفلفل شعره ويرتدي كوفية الفلسطينيين الحمراء ، يرتدي دائما ذات النمط المعهود من الثياب والذي يمثل إعلانا على الحصول على رتبة المثقف والمستنير. ينتعل شبشبا من جلد الماعز مبرزا أصابع قدمين صلبتين. وكانت حسيبة تتأمل كل هذه التفاصيل وأكثر باعجاب شديد تحول الى هيام كامل خلال الأيام التالية.
- إنه مثقف فعلا يا سيودة.. واسع الإطلاع .. رسام باهر ...
قالت سيودة:
- لاحظي أنك لم تتوقفي عن الحديث عنه منذ التقينا في هذا الكوفي.
- ولن أمل من الحديث عنه..سوف اقتحمه فهو لا يبد أي إشارة منه .. أعتقد أن لديه حبيبة وإلا لما كان باردا هكذا معي... لا يمكنني أن أقف حائرة هكذا من موقفه نحوي..سأقطع عرق وأسيح دمه يوم الثلاثاء القادم.. لقد قبل أن يلتقي بنا انا وأنت.
قالت سيودة:
- لقد أخبرتك أنني لن أذهب معك ولن ألتقي رجلا ولو في مكان عام..لا أحتاج لمزيد من المشاكل مع مرتضى.
قالت حسيبة:
- تحرري يا سيودة..تحرري مثلي..اتركي هذا الكائن اللزج وعيشي حياتك..اختاري أن تعيشي الحب..
- لا .. أنا مثل السمكة في الماء ..راضية بوضعي هكذا..صحيح أن مرتضى كائن لزج كما وصفتيه ولكنه أبو عيالي مهما كان الأمر...
- وحياتك ..حياتك الخاصة .. ألا تشعرين بأنك تهدرين عمرك مضحية بسعادتك من أجل أطفالك..
- بالعكس ..أشعر بسعادة وأنا أفعل ذلك...
- حمقاء فعلا...
أخرجت حسيبة علبة سجائرها فقالت سيودة بقلق:
- أرجوك لا تدخني في مكان عام وأنت معي..هذا يشعرني بالإحراج..بل ..بل بالخوف ..
قالت حسيبة بغضب:
- أنت تخضعين لحماقات المجتمع ... تخضعين لامتهان الزوج ..تخضعين لوهم الأمومة ... أنت بشر من لحم ودم ومشاعر يا سيودة...
أعادت علبة السجائر إلى حقيبتها وقالت:
- متى نتحرر من هذا السجن الكبير...؟
أوقفت سيارتها أمام بوابة المطعم ، نظرت الى وجهها في مرآة حقيبتها ، أعادت رسم شفتيها باللون ثم اكتحلت. اغلقت تكييف السيارة والمحرك وخرجت لتلتقي بالمدرس الشاب.
كانت صالة المطعم واسعة والنادلات الأثيوبيات ينقلن ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات للزبائن. تخيرت طاولة على ركن قصي وجلست في انتظار الحبيب.
مضت دقائق ورأت قامته النحيلة الفارعة تضيئ باب المطعم ، إنه يذكرها بجيفارا على نحو ما .. يذكرها بالثورة والثوار.. قالت له بهمس:
- لو رأيتك تحمل بندقية فسأنهار من العشق...
لوى شفتيه بعدم اكتراث.
- هل تحبين القتل؟
قالت بارتباك:
- لا ..لا أحب القتل.. ولم أقصد ذلك..
- أفهم قصدك...لكن هل القتل يمنح الذكر فحولة أكبر...
- لا أعتقد ذلك.. لكنني قصدت فقط....
لم تكمل حديثها فقد شعرت بالاحباط حينما شوه ما كانت تقصده.
- لم أشوه ما تقصدينه يا عزيزتي.. إنني فقط أعطيك الصورة كاملة...فالدكتاتور الذي يرتدي بذة عسكرية وعلى صدره مئات النياشين سيظل في نظري دكتاتورا وليس بطلا لأنني أرى الصورة كاملة...
ازداد ارتباكها ولم تعد تفهم شيئا.. كان يتحدث بثقة كبيرة ، يدخن كحالم ويتحدث كراهب حكيم .. فسقطت سقوطا مدويا في العشق.
لم تجد نفسها إلا وهي معه في شقته ، أعد لهما قهوة ؛ ثم اتبعها بتدخين الحشيش... رأت الدنيا تبتهج .. هناك أطفال ملائكة يطيرون فوق السقف.. وكان الشاب يتحول لإله أسطوري...رباه...رباه... وقفا عاريين وأخذ يداعب جسدها .. ثم تناول حزاما جلديا طويلا... أدار جسدها ثم رماها على الأرض وأخذ يجلد مؤخرتها بعنف ... كانت تتأوه .. وكانت تشعر بمرارة حلوة... ازداد عنف ضربه وارتفعت شهوتها ... وامتلأت الأرض بالدماء ...
السكون في تلك الليلة كان جاثما على كل شيء.. وحين استيقظت عند الظهر ..كانت عيناها متورمتان من عمق النوم ... لم يكن إلى جانبها فقد خرج على ما يبدو... اتجهت الى الحمام ... نظرت الى جسدها في المرآة ورأت خطوط السياط الحمراء تسطر جسدها .. رفعت رأسها وهي تنظر الى رقبتها.. كانت آثار عضات أسنانه واضحة ... من رقبتها وحتى نهديها وخصرها ... المياة الفاترة غسلت جسدها فشعرت بانتعاش كبير ... نظرت الى جسدها قبل أن تلفه بالمنشفة.. ثم ألقت بجسدها على السرير... كانت ابتسامتها واسعة جدا .. فالسعادة تغمرها وهي تشعر لأول مرة بأنها قد وجدت أخيرا من يقدر جسدها الجميل.
(تمت)
"الفاتحة"
-أحسن الله عزاءكم يا كناني..
سرادق العزاء قد دق في الساحة المقابلة للمنزل ، بذلك يكون الكناني قد خالف الموضة الجديدة والتي أصبح فيها الأثرياء يقيمون تعازيهم في الموت في صالات الأفراح الفخمة. ترتاح البرجوازية من تشتيت انتباهها في إعداد الطعام والشراب وتتكفل الصالة بكل شيء. ورغم ثراء الكناني إلا أنه كان يشعر بأن فقد والده أكبر من أن يمر بدون مشقة وجهد ؛ كان لا يزال مؤمنا بأعراف كلاسيكية ، فالسرادق أمام منزله تأكيد على رابط لا ينفصم بيت المتوفى وأقاربه المقربين. هنا يعلن الكناني بنوة بارة وأبوة يفخر بها وحزنا ليس كمثله حزن وتاريخا مشتركا لا يمكن القاؤه مهملا داخل صالة فاخرة...العزاء في منزل الأسرة امتداد لحياة والده..فهو انسان وليس سمكة تخصب البيض على قعر البحر ثم تتركه وحيدا.
جاءت طفلة سمراء ذات ضفيرتين قصيرتين وتمسحت بفخذي الكناني قائلة بصوت متقطع:
- ماما عايزاك...
تلقى تعازي رهط من الرجال ثم دخل الى باحة المنزل ووجد زوجته التي شارفت على انهاء حقبتها العشرينية ، نظر لها متسائلا فقالت بوجه متجمد:
- بعد رفع العزاء ستطلقني يا كناني... أعرف أن هذا ليس وقته .. لكنه قرار لا رجعة فيه.
دار بؤبؤا عينيه يمينا ويسارا ولم يفهم شيئا ، ماذا تقول هذا المجنونة. النساء لديهن حالات هذيان تنتابهن فجأة وفي أوقات غير منطقية أبدا. تركها دون أن ينطق عائدا الى سرادق العزاء. ونسي الأمر كله. فهي سوف تؤوب إلى رشدها بعد ايام قليلة. هكذا هن النساء ..يشتعلن فجأة وينطفئن فجأة كنيران أرض الجان وأفضل شيء تفعله في تلك اللحظات هو أن لا تفعل شيئا.
حسيبة صفراء البشرة ونضرة ممتلئة الصدر ، شعرها ناعم وقصير ، وهي من ذات قبيلته ، لقد تزوجها منذ خمس سنوات بعد أن اختارها من فيديو لحفل زفاف وعرفتها أمه فخطبتها له وتم كل شيء بسرعة لأنه يملك كل مقومات الزواج. ثم فجأة اصرت على الطلاق وتخلت عن كل حقوقها المالية بل حتى عن طفلتهما الوحيدة ، وهجرته إلى شقة استأجرتها لنفسها. أخبرته بأنها تريد الحرية وبأنها ستدخل دروسا لتعلم الرسم وستكون شقتها بمثابة مرسمها الخاص. حينها حك ذقنه بظفر سبابته بحيرة ثم طلقها.
نالت حسيبة طلاقا سهلا بل ونقدها الكناني مبلغا لا بأس به من المال ، وفي حقيقة الأمر فالكناني كان يفكر قبل ذلك بشكل هاجسي في الزواج للمرة الثانية. وهكذا نال حريته هو الآخر.
سألتها صديقتها:
- لا أحد يعرف سرك يا حسيبة.. لماذا طلبت الطلاق؟ الكناني رجل مقتدر ومحترم في نفس الوقت.
ارتدت مريلتها ووقفت أمام لوحة الرسم قابضة بإبهام يدها اليسرى على خشبة الألوان البيضاوية. ثم قالت بصوت خفيض:
- أنت لا تعلمين شيئا..
- ماذا سترسمين؟
قالت:
- لا أعرف..لم أكن أعلم أن الرسم صعب على هذا النحو يا سيودة.
- لقد تلبسك شيطان يا حسيبة..ماهذه الخزعبلات التي دخلت فيها.. طلاق ومرسم ورسم...
ردت عليها ضاحكة:
-شيطان خواجة..
ضحكت المرأتان ...وتلبستهما حالة مزعجة من الضحك المستمر غير المبرر....
تركت حسيبة لوحة الألوان وقرفصت على الأرض.
-سأخبرك بسر يا سيودة يا حبيبتي.
نظرت اليها سيودة فواصلت هي:
- ألم تشعري بامتهان كرامتك عند ممارسة الجنس مع زوجك من قبل.
اتسعت عينا سيودة وصرخت وهي تدق على صدرها:
- سجمي.. ماذا كان يفعل معك؟
واصلت حسيبة بصوت بارد:
- ليس شيئا مستهجنا يا سيودة .. بل هي ممارسة الجنس المعروفة.
-وطيب؟
- المسألة أنني كنت أشعر بالامتهان الشديد ولا أعرف لماذا .. تحملت هذا الامتهان لسنوات لكنني لم أعد أحتمل..
ثم تهدج صوتها وقالت:
- لم أعد احتمل يا سيودة..
مسحت عينيها بكم بلوزتها وأصيبت سيودة بالصدمة والخرس.
قالت من بين دموعها:
- تخيلي أن ترقدي على بطنك وأن تتحولي لكلبة .. كلبة خاضعة يتم توجيه جسدها لتنحط كأي حيوان في السيرك... لماذا يفترض علي كإنسان أن أنام على بطني ويعتليني ذكر أحمق من الخلف. هذه الوضعية بالتحديد كانت تشعرني بامتهان عميق .. كنت أرفضها ولكن الكناني كان يجبرني عليها. كنت أشعر بأنني اتعرض للاغتصاب في تلك الوضعية وأفقد حقي في المساواة في المتعة .. لن تفهميني...
كانت عينا سيودة جزعتين ؛ ثم قالت بابتسامة متوترة:
- انت مجنونة..حقا مجنونة ..
-ناوليني علبة السجائر...
اشعلت سجارة وظلت جالسة وهي تدخنها باستقرار نفسي عال.
- نحن النسوة يجب أن نتحدى امتهان كرامتنا يا سيودة حتى ونحن نمارس الجنس.
-سأذهب الآن.
قالت سيودة ذلك وهي تلملم حاجياتها الصغيرة كمفتاح السيارة وأحمر الشفاه وخلافه وتحشرها في حقيبتها الجلدية السوداء.
-أين أنت ذاهبة...
نظرت اليها سيودة وقالت ضاحكة:
- ذاهبة لامتهن كرامتي يا بنتي... ما أحلى امتهان الكرامة...
سألتها حسيبة:
- أثارك كلامي..صحيح؟
- قالت بخجل كاذب:
- بطلي قلة ادب.. باي يا عسل.
ظلت حسيبة وحيدة في مرسمها ، كانت تنظر الى لوحة الرسم القماشية البيضاء المشدودة على الحامل الخشبي بحيرة. كيف ستملأ هذا الفراغ الأبيض وداخلها أيضا فراغ. قررت حينئذ رسم صدرها بدقة كبيرة..وقد فعلت..
كان أول يوم لها في معهد تعليم الرسم ، فصل صغير لمعهد تم افتتاحه قريبا ؛ سعر الدورات فيه قليل نسبيا ، وكان الدارسون في الفصل الواحد لا يتجاوزون الثمان.
- هذه الدورة الأولى لكن .. وهي تتكون من واحد وعشرين ساعة .. وسنقتصر فيها على الجانب النظري... في الدورة التالية سنبدأ في الجانب التطبيقي..
كان الأستاذ شابا عشرينيا ؛ نحيل الجسد ورياضي البنية ، يفلفل شعره ويرتدي كوفية الفلسطينيين الحمراء ، يرتدي دائما ذات النمط المعهود من الثياب والذي يمثل إعلانا على الحصول على رتبة المثقف والمستنير. ينتعل شبشبا من جلد الماعز مبرزا أصابع قدمين صلبتين. وكانت حسيبة تتأمل كل هذه التفاصيل وأكثر باعجاب شديد تحول الى هيام كامل خلال الأيام التالية.
- إنه مثقف فعلا يا سيودة.. واسع الإطلاع .. رسام باهر ...
قالت سيودة:
- لاحظي أنك لم تتوقفي عن الحديث عنه منذ التقينا في هذا الكوفي.
- ولن أمل من الحديث عنه..سوف اقتحمه فهو لا يبد أي إشارة منه .. أعتقد أن لديه حبيبة وإلا لما كان باردا هكذا معي... لا يمكنني أن أقف حائرة هكذا من موقفه نحوي..سأقطع عرق وأسيح دمه يوم الثلاثاء القادم.. لقد قبل أن يلتقي بنا انا وأنت.
قالت سيودة:
- لقد أخبرتك أنني لن أذهب معك ولن ألتقي رجلا ولو في مكان عام..لا أحتاج لمزيد من المشاكل مع مرتضى.
قالت حسيبة:
- تحرري يا سيودة..تحرري مثلي..اتركي هذا الكائن اللزج وعيشي حياتك..اختاري أن تعيشي الحب..
- لا .. أنا مثل السمكة في الماء ..راضية بوضعي هكذا..صحيح أن مرتضى كائن لزج كما وصفتيه ولكنه أبو عيالي مهما كان الأمر...
- وحياتك ..حياتك الخاصة .. ألا تشعرين بأنك تهدرين عمرك مضحية بسعادتك من أجل أطفالك..
- بالعكس ..أشعر بسعادة وأنا أفعل ذلك...
- حمقاء فعلا...
أخرجت حسيبة علبة سجائرها فقالت سيودة بقلق:
- أرجوك لا تدخني في مكان عام وأنت معي..هذا يشعرني بالإحراج..بل ..بل بالخوف ..
قالت حسيبة بغضب:
- أنت تخضعين لحماقات المجتمع ... تخضعين لامتهان الزوج ..تخضعين لوهم الأمومة ... أنت بشر من لحم ودم ومشاعر يا سيودة...
أعادت علبة السجائر إلى حقيبتها وقالت:
- متى نتحرر من هذا السجن الكبير...؟
أوقفت سيارتها أمام بوابة المطعم ، نظرت الى وجهها في مرآة حقيبتها ، أعادت رسم شفتيها باللون ثم اكتحلت. اغلقت تكييف السيارة والمحرك وخرجت لتلتقي بالمدرس الشاب.
كانت صالة المطعم واسعة والنادلات الأثيوبيات ينقلن ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات للزبائن. تخيرت طاولة على ركن قصي وجلست في انتظار الحبيب.
مضت دقائق ورأت قامته النحيلة الفارعة تضيئ باب المطعم ، إنه يذكرها بجيفارا على نحو ما .. يذكرها بالثورة والثوار.. قالت له بهمس:
- لو رأيتك تحمل بندقية فسأنهار من العشق...
لوى شفتيه بعدم اكتراث.
- هل تحبين القتل؟
قالت بارتباك:
- لا ..لا أحب القتل.. ولم أقصد ذلك..
- أفهم قصدك...لكن هل القتل يمنح الذكر فحولة أكبر...
- لا أعتقد ذلك.. لكنني قصدت فقط....
لم تكمل حديثها فقد شعرت بالاحباط حينما شوه ما كانت تقصده.
- لم أشوه ما تقصدينه يا عزيزتي.. إنني فقط أعطيك الصورة كاملة...فالدكتاتور الذي يرتدي بذة عسكرية وعلى صدره مئات النياشين سيظل في نظري دكتاتورا وليس بطلا لأنني أرى الصورة كاملة...
ازداد ارتباكها ولم تعد تفهم شيئا.. كان يتحدث بثقة كبيرة ، يدخن كحالم ويتحدث كراهب حكيم .. فسقطت سقوطا مدويا في العشق.
لم تجد نفسها إلا وهي معه في شقته ، أعد لهما قهوة ؛ ثم اتبعها بتدخين الحشيش... رأت الدنيا تبتهج .. هناك أطفال ملائكة يطيرون فوق السقف.. وكان الشاب يتحول لإله أسطوري...رباه...رباه... وقفا عاريين وأخذ يداعب جسدها .. ثم تناول حزاما جلديا طويلا... أدار جسدها ثم رماها على الأرض وأخذ يجلد مؤخرتها بعنف ... كانت تتأوه .. وكانت تشعر بمرارة حلوة... ازداد عنف ضربه وارتفعت شهوتها ... وامتلأت الأرض بالدماء ...
السكون في تلك الليلة كان جاثما على كل شيء.. وحين استيقظت عند الظهر ..كانت عيناها متورمتان من عمق النوم ... لم يكن إلى جانبها فقد خرج على ما يبدو... اتجهت الى الحمام ... نظرت الى جسدها في المرآة ورأت خطوط السياط الحمراء تسطر جسدها .. رفعت رأسها وهي تنظر الى رقبتها.. كانت آثار عضات أسنانه واضحة ... من رقبتها وحتى نهديها وخصرها ... المياة الفاترة غسلت جسدها فشعرت بانتعاش كبير ... نظرت الى جسدها قبل أن تلفه بالمنشفة.. ثم ألقت بجسدها على السرير... كانت ابتسامتها واسعة جدا .. فالسعادة تغمرها وهي تشعر لأول مرة بأنها قد وجدت أخيرا من يقدر جسدها الجميل.
(تمت)