مضيتَ؟ إلى أين؟ هلاَّ تعود = إليَّ، إلى روحيَ اللائبِ
حنانك، ضقْتُ، وضاقت حياتي = بهذا الصدى المحرق اللاهب
بأشواق العاتيات تزلزل ص = دريَ في عنفها الصاخب
حنانك، قلبي يذوب وراءك، = أواه من قلبي الذائب
تلفَّتْ، وراعِ بقاياه تذوى = وتفنى مع الأمل الغارب
مضيتَ؟ وكيف؟ ألا رجعة = ترد إلي القلب دنيا رؤاه؟
لقد أقفر الكون في ناظريَّ = وغشى الظلام مجالي ضياه
وكيف أحس جمالَ الوجود = ووجهك عني توارى سناه
فما أقبح العيش يا موحشي = وياما أشد سواد الحياه
وأنت بعيد بعيد هناك... = وقلبي وحيد يعاني أساه
مضيتَ؟ فيا لحنيني إليك = وواهاً لأمسى القريب البعيدِ
زمان أمر بدرب الكروم = وللدرب نفح جنان الخلود
ويشرد طرفي زيطوي المدى = ولقياك غاية طرفي الشرود
وفي القلب نار جموح الوقود = ينادي بها الشوق: يا نار زيدي
وطرفي قرير بذاك الشرود = وقلبي سعيد بذاك الوقود
ويفجأني وقع خطو بعيد = ورائيَ، أصغي إليه طويلا
ويهتف قلبيَ: هذي خطاه = أرى في صداها عليه دليلا
خطى العنفوان، خطى الكبرياء = تنم عليه عظيماً نبيلا
وتختطف الروحَ غيبوبةٌ = وقد رحتَ تدنو قليلاً قليلا
وأغرق في حلم ساحرٍ = أحال حياتي فناً جميلا
وفي غمرات الذهول العميق = تطالعني القامة الفارعة
فأشخص، ثم أغمضْ حياءً = واكسر من لهفتي الجائعة
وأبدى جمودَ الخلِّي كأن لم = ترج دمي الطلعة الرائعة
وتحت جمودي اضطراب عصوف = أداريه مغضيةً وادعه
وتحت جمودي من العاطفات = أعاصير جارفة دافعة
وتنهب عيناك وجهي وقد = عرا مهجتي منهما ما عرا
فيمحى بعينيَّ كل الوجود = ويمحى بعينيَّ كلَّ الورى
وما لفتة النسر يا فتنتي = تطلع من عاليات الذُّرى
وسلّط لحظاً على إلفِهِ = عنيفَ التوقد، مستكبرا
بأروع منك وعيناك فيَّ = أوارٌ تلظى وسحر سري
وتمضي، وأمضي مع العابرين = وما بيننا غير نجوى النظر
وطيف ابتسام على شفتيك = ووهْجُ هيام بعمقي استعر
وقد هبط الليل حلوَ الغموض = خلوبَ الرؤى، عبقريَّ الصور
وماجت الريح خضر الكروم = مشعشعةً بضياء القمر
وفاض الوجود شعوراً وشعراً = وذاب من الوجد حتى الحجر!
سل الدرب كم جئت غبَّ النوى = أجرُّ الخطى في الغروب الحزينْ
وحولي من الذكريات الخوالي = طيوف تثير لهيب الحنين
أخاف تكرُّ عليها الليالي = وتدفن تحت ركام السنين
فيبسط قلبي جناحيْ هواه = عليها ويحنو حنوَّ الضنيين
وأنت بأعماق روحي صلاة = يسبح باسمك روحي الأمين
مضيت؟ إلى أين؟ هلاَّ تعود = لروحي اللهيف، لقلبي الغريب؟
توحدتُ بعدك يا موحشي = على الدرب، درب الكروم الجديب
أسير إلى غير ما غاية = وكفى على جرح قلبي الخضيب
وفي مقلتيَّ غيوم حزانى = وفوق جبيني وجوم كئيب
وسمتك في خاطري مائل = يهيج الحنين ويذكي اللهيب
إلى أين؟ رحماك يا ابن الصحاري = وبرد ظماء الفؤاد العميدْ
فما برمال عطاشى نَمتْكَ = كهذا الغليل الملح العنيد
إلى أين؟ يا لك طيفاً ألمَّ = وعانق روحي بحلم سعيد
ويا لك وهْمَ سراب تألق = في قفر عمري لقلبي الشريد
حنانك، عد، كيف أحيا الحياةَ = وأنت هناك بعيد، بعيد
(المطوقة)
مجلة الرسالة - العدد 845
بتاريخ: 12 - 09 - 1949
حنانك، ضقْتُ، وضاقت حياتي = بهذا الصدى المحرق اللاهب
بأشواق العاتيات تزلزل ص = دريَ في عنفها الصاخب
حنانك، قلبي يذوب وراءك، = أواه من قلبي الذائب
تلفَّتْ، وراعِ بقاياه تذوى = وتفنى مع الأمل الغارب
مضيتَ؟ وكيف؟ ألا رجعة = ترد إلي القلب دنيا رؤاه؟
لقد أقفر الكون في ناظريَّ = وغشى الظلام مجالي ضياه
وكيف أحس جمالَ الوجود = ووجهك عني توارى سناه
فما أقبح العيش يا موحشي = وياما أشد سواد الحياه
وأنت بعيد بعيد هناك... = وقلبي وحيد يعاني أساه
مضيتَ؟ فيا لحنيني إليك = وواهاً لأمسى القريب البعيدِ
زمان أمر بدرب الكروم = وللدرب نفح جنان الخلود
ويشرد طرفي زيطوي المدى = ولقياك غاية طرفي الشرود
وفي القلب نار جموح الوقود = ينادي بها الشوق: يا نار زيدي
وطرفي قرير بذاك الشرود = وقلبي سعيد بذاك الوقود
ويفجأني وقع خطو بعيد = ورائيَ، أصغي إليه طويلا
ويهتف قلبيَ: هذي خطاه = أرى في صداها عليه دليلا
خطى العنفوان، خطى الكبرياء = تنم عليه عظيماً نبيلا
وتختطف الروحَ غيبوبةٌ = وقد رحتَ تدنو قليلاً قليلا
وأغرق في حلم ساحرٍ = أحال حياتي فناً جميلا
وفي غمرات الذهول العميق = تطالعني القامة الفارعة
فأشخص، ثم أغمضْ حياءً = واكسر من لهفتي الجائعة
وأبدى جمودَ الخلِّي كأن لم = ترج دمي الطلعة الرائعة
وتحت جمودي اضطراب عصوف = أداريه مغضيةً وادعه
وتحت جمودي من العاطفات = أعاصير جارفة دافعة
وتنهب عيناك وجهي وقد = عرا مهجتي منهما ما عرا
فيمحى بعينيَّ كل الوجود = ويمحى بعينيَّ كلَّ الورى
وما لفتة النسر يا فتنتي = تطلع من عاليات الذُّرى
وسلّط لحظاً على إلفِهِ = عنيفَ التوقد، مستكبرا
بأروع منك وعيناك فيَّ = أوارٌ تلظى وسحر سري
وتمضي، وأمضي مع العابرين = وما بيننا غير نجوى النظر
وطيف ابتسام على شفتيك = ووهْجُ هيام بعمقي استعر
وقد هبط الليل حلوَ الغموض = خلوبَ الرؤى، عبقريَّ الصور
وماجت الريح خضر الكروم = مشعشعةً بضياء القمر
وفاض الوجود شعوراً وشعراً = وذاب من الوجد حتى الحجر!
سل الدرب كم جئت غبَّ النوى = أجرُّ الخطى في الغروب الحزينْ
وحولي من الذكريات الخوالي = طيوف تثير لهيب الحنين
أخاف تكرُّ عليها الليالي = وتدفن تحت ركام السنين
فيبسط قلبي جناحيْ هواه = عليها ويحنو حنوَّ الضنيين
وأنت بأعماق روحي صلاة = يسبح باسمك روحي الأمين
مضيت؟ إلى أين؟ هلاَّ تعود = لروحي اللهيف، لقلبي الغريب؟
توحدتُ بعدك يا موحشي = على الدرب، درب الكروم الجديب
أسير إلى غير ما غاية = وكفى على جرح قلبي الخضيب
وفي مقلتيَّ غيوم حزانى = وفوق جبيني وجوم كئيب
وسمتك في خاطري مائل = يهيج الحنين ويذكي اللهيب
إلى أين؟ رحماك يا ابن الصحاري = وبرد ظماء الفؤاد العميدْ
فما برمال عطاشى نَمتْكَ = كهذا الغليل الملح العنيد
إلى أين؟ يا لك طيفاً ألمَّ = وعانق روحي بحلم سعيد
ويا لك وهْمَ سراب تألق = في قفر عمري لقلبي الشريد
حنانك، عد، كيف أحيا الحياةَ = وأنت هناك بعيد، بعيد
(المطوقة)
مجلة الرسالة - العدد 845
بتاريخ: 12 - 09 - 1949