بدءاً فان ظاهرة غياب مسرح الاطفال عن واقع الحركة المسرحية في العراق، تعد من الظواهر السلبية التي تواجه مسرحنا العراقي، فعلى الرغم من حالة الرقي التي يشهدها مسرحنا في هذه الفترة، الا ان اهماله للنشاط الخاص بالاطفال يعد تقليلا من قيمة الجهود الابداعية التي تروم تأسيس مسرح عراقي ذي خصوصية متميزة.
ان مشكلة الاهمال لمسرح الاطفال العراقي ليست مشكلة جديدة، فطالما تحدث الكثير من الفنانين والنقاد والصحفيين عن هذه المشكلة وسبر اغوارها، وطرحوها للنقاش في اكثر من مناسبة،
الا انها لم تحظ بصيغة عمل فعلي تؤدي الى تأسيس مسرح عراقي يعنى بالاطفال وثقافتهم ويبلور وعيهم بالواقع، ويدعوهم للاشتراك فيه والتفاعل معه تفاعلا موضوعيا لخدمة الوطن والامة، ولا نريد هناك تكرار اهمية القيمة التربوية لمسرح الاطفال، فلا شك ان كل من يعمل في المجال المسرحي يعي هذه الاهمية ويدركها.
ان هدفنا في هذا المقال: ايجاد منفذ صغير للولوج في امكانية تأسيس مسرح عراقي للاطفال، ويبدو ان هذا الامر من الصعوبة بحيث لا يمكن تحقيقه ـ حسب راينا ـ دون ان يتوفر النص المسرحي العراقي الموجه للاطفال، لان المسرح قبل هذا وذاك، عبارة عن نص مسرحي مكتوب، وبعيدا عن المناهج الاخراجية والمدارس المسرحية التي تعتبر النص المسرحي مجرد خامة من خامات العرض المسرحي، فان مسرحنا لا يمكن ان يجد خصوصيته الا من خلال النصوص المسرحية التي تتطرق لاشكال ومضامين مسرحية جديدة، ويلتقي مسرح الاطفال الذي نروم تأسيسه في هذا الامر، اذ لا بد لنا قبل كل شيء ان نسأل انفسنا ماذا نقدم للاطفال على مسرحهم.
ان الاهتمام بالمادة الدرامية في مسرح الاطفال امر في غاية الاهمية، لان ما سيقدم على المسرح سينعكس بالضرورة على البناء النفسي والفكري للاطفال، لذلك كان لا بد من توفر حالة وعي جدية عند العاملين في مسرح الاطفال، خاصة الكاتب المسرحي الذي يمثل الهيكل العام للعرض المسرحي، ولو حاولنا مراجعة العروض المسرحية المتذبذبة التي قدمت للاطفال في مسرحنا، نجد ان اغلبها لا يرتقي للقيمة الكبيرة لمسرح الاطفال، وهذا لا ينفي وجود عروض متميزة، الا ان غالبية ما قدم لدينا يدور في موضوعات تقليدية تتكرر بين عرض واخر، فكم شاهدنا من عروض تعتمد على حكاية (علاء الدين والمصباح السحري)، وكأن الادب الانساني لم ينجب غير هذه الحكاية، ومع ان هناك اختلافات طفيفة في المعالجات الاخراجية او في ميدان النص المسرحي، الا ان الحكاية بقيت على سياقها العام، في حصول علاء الدين على المصباح السحري ومحاولة الاشرار الاستيلاء عليه لزيادة شرورهم واستعبادهم لبسطاء الناس.
ان هذا التكرار في الموضوعات المقدمة للاطفال سببه عدم وجود كاتب مسرحي متخصص في الكتابة للاطفال، بحيث يعي اهمية هذا الجانب الابداعي ويتعامل معه تعاملا جديا يؤدي به الى البحث عن مضامين جديدة واستقراء التراث الانساني استقراء موضوعيا والاستفادة من درره الادبية التي ما زالت تشع بنور المعرفة منذ الاف السنين، ولذلك فاننا ندعو الكتاب المسرحيين للاستفادة من حكايات (كليلة ودمنة) التي راينا فيها بذورا درامية تصلح لان تكون مشروعا مسرحيا ناجحا لتقديم عروض مسرحية تعتمد في بنيتها التأليفية على هذه الحكايات التي تعتبر درة حكايات الخرافات، الامر الذي سيؤدي الى وجود دافع مهم لتأسيس مسرح عراقي للاطفال، ولكننا قبل ان نحاول الاستفادة من هذه الحكايات علينا ان نضع امامنا النقاط التالية كي تكون خطا عمليا يمكن السير عليه لتحقيق ما نصو اليه.
1 ـ مسرح الاطفال العراقي لا يمكن ان يكون الا مسرحا تعليميا، وبالنظر لان حكايات (كليلة ودمنة) هي بالاصل حكايات تعليمية تتصف بالوعظ الاخلاقي، فان امكانية الاستفادة منها في عروض مسرح الاطفال تتسم بالكثير من جوانب النجاح، خاصة وانها كتبت من قبل الفيلسوف الهندي (بيدبا)، أي انها تحمل الكثير من الثمار الفلسفية التي يحتاجها الطفل في سنواته المبكرة.
2 ـ جاءت هذه الحكايات على لسان الحيوانات، أي انها قد امتلكت اهم ميزة من مميزات مسرح الاطفال، الا وهي وجود المخلوقات الحيوانية مع الانسان، وحدوث صلات مادية بين الاثنين، خاصة وان الاطفال يميلون الى الاهتمام بالشخوص الحيوانية اكثر من اهتمامهم بالشخوص البشرية، وهذا يعني ان الموعظة الاخلاقية التي ترد على لسان الحيوانات ستجد قبولا حسنا في نفوس الاطفال.
3 ـ وجود شخصيتي (كليلة ودمنة) وجودا مستمرا في بعض الحكايات امر يساعد على امكانية خلق شخصيات نموذجية تبقى في ذاكرة الاطفال طويلا مثل شخصيات (السندباد، ميكي ماوس، قراقوز) وغيرها، ونرى ان شخصيتي (كليلة ودمنة) هما الشخصيتان اللتان من الممكن ان يكونا شخصيتين محببتين لدى الاطفال، بحيث نجعل وجودهما في عروضنا المسرحية شرطا اساسيا سواء كمشاركين في الحدث المسرحي او كراويتين للحدث.
4 ـ الاسلوب الشيق واللغة الجميلة التي نقلت بهما هذه الحكايات من قبل (عبدالله بن المقفع) لا بد من المحافظة عليهما في عروض مسرح الاطفال، لانها ستوفر ثروة لغوية للاطفال، وستتيح لهم التمتع ببلاغة اللغة العربية وحسن صياغتها، الامر الذي سيؤدي الى تهذيب السنة الاطفال وتعويدهم على نطق لغتهم العربية وحبها.
5 ـ هناك عنصر مهم يتوفر في هذه الحكايات، ونقصد به عنصر (الخرافة) وهو من العناصر المهمة التي تتأسس عليها المادة الدرامية للاطفال، اذ ان الخرافة تجد صدى كبيرا في اذهان الاطفال وتربي فيهم قدرة التخيل والانطلاق في عوالم واسعة.
انها مجرد دعوة للاستفادة من هذا التراث الانساني الفريد، وخدمة اطفالنا بفتح اذهانهم على هذه الكنوز الثمينة منن المعرفة البشرية، وهي محاولة للوصول الى المستويات التي وصلت اليها مسراح الاطفال في الكويت والاردن ولبنان، علما ان مسرحنا العراقي قد سبق هذه المسارح بعقود طويلة، لكنه ما زال غير قادر على اللحاق بمسرح الاطفال في هذه البلدان الشقيقة.
----------
* جماعة الناصرية للتمثيل
ان مشكلة الاهمال لمسرح الاطفال العراقي ليست مشكلة جديدة، فطالما تحدث الكثير من الفنانين والنقاد والصحفيين عن هذه المشكلة وسبر اغوارها، وطرحوها للنقاش في اكثر من مناسبة،
الا انها لم تحظ بصيغة عمل فعلي تؤدي الى تأسيس مسرح عراقي يعنى بالاطفال وثقافتهم ويبلور وعيهم بالواقع، ويدعوهم للاشتراك فيه والتفاعل معه تفاعلا موضوعيا لخدمة الوطن والامة، ولا نريد هناك تكرار اهمية القيمة التربوية لمسرح الاطفال، فلا شك ان كل من يعمل في المجال المسرحي يعي هذه الاهمية ويدركها.
ان هدفنا في هذا المقال: ايجاد منفذ صغير للولوج في امكانية تأسيس مسرح عراقي للاطفال، ويبدو ان هذا الامر من الصعوبة بحيث لا يمكن تحقيقه ـ حسب راينا ـ دون ان يتوفر النص المسرحي العراقي الموجه للاطفال، لان المسرح قبل هذا وذاك، عبارة عن نص مسرحي مكتوب، وبعيدا عن المناهج الاخراجية والمدارس المسرحية التي تعتبر النص المسرحي مجرد خامة من خامات العرض المسرحي، فان مسرحنا لا يمكن ان يجد خصوصيته الا من خلال النصوص المسرحية التي تتطرق لاشكال ومضامين مسرحية جديدة، ويلتقي مسرح الاطفال الذي نروم تأسيسه في هذا الامر، اذ لا بد لنا قبل كل شيء ان نسأل انفسنا ماذا نقدم للاطفال على مسرحهم.
ان الاهتمام بالمادة الدرامية في مسرح الاطفال امر في غاية الاهمية، لان ما سيقدم على المسرح سينعكس بالضرورة على البناء النفسي والفكري للاطفال، لذلك كان لا بد من توفر حالة وعي جدية عند العاملين في مسرح الاطفال، خاصة الكاتب المسرحي الذي يمثل الهيكل العام للعرض المسرحي، ولو حاولنا مراجعة العروض المسرحية المتذبذبة التي قدمت للاطفال في مسرحنا، نجد ان اغلبها لا يرتقي للقيمة الكبيرة لمسرح الاطفال، وهذا لا ينفي وجود عروض متميزة، الا ان غالبية ما قدم لدينا يدور في موضوعات تقليدية تتكرر بين عرض واخر، فكم شاهدنا من عروض تعتمد على حكاية (علاء الدين والمصباح السحري)، وكأن الادب الانساني لم ينجب غير هذه الحكاية، ومع ان هناك اختلافات طفيفة في المعالجات الاخراجية او في ميدان النص المسرحي، الا ان الحكاية بقيت على سياقها العام، في حصول علاء الدين على المصباح السحري ومحاولة الاشرار الاستيلاء عليه لزيادة شرورهم واستعبادهم لبسطاء الناس.
ان هذا التكرار في الموضوعات المقدمة للاطفال سببه عدم وجود كاتب مسرحي متخصص في الكتابة للاطفال، بحيث يعي اهمية هذا الجانب الابداعي ويتعامل معه تعاملا جديا يؤدي به الى البحث عن مضامين جديدة واستقراء التراث الانساني استقراء موضوعيا والاستفادة من درره الادبية التي ما زالت تشع بنور المعرفة منذ الاف السنين، ولذلك فاننا ندعو الكتاب المسرحيين للاستفادة من حكايات (كليلة ودمنة) التي راينا فيها بذورا درامية تصلح لان تكون مشروعا مسرحيا ناجحا لتقديم عروض مسرحية تعتمد في بنيتها التأليفية على هذه الحكايات التي تعتبر درة حكايات الخرافات، الامر الذي سيؤدي الى وجود دافع مهم لتأسيس مسرح عراقي للاطفال، ولكننا قبل ان نحاول الاستفادة من هذه الحكايات علينا ان نضع امامنا النقاط التالية كي تكون خطا عمليا يمكن السير عليه لتحقيق ما نصو اليه.
1 ـ مسرح الاطفال العراقي لا يمكن ان يكون الا مسرحا تعليميا، وبالنظر لان حكايات (كليلة ودمنة) هي بالاصل حكايات تعليمية تتصف بالوعظ الاخلاقي، فان امكانية الاستفادة منها في عروض مسرح الاطفال تتسم بالكثير من جوانب النجاح، خاصة وانها كتبت من قبل الفيلسوف الهندي (بيدبا)، أي انها تحمل الكثير من الثمار الفلسفية التي يحتاجها الطفل في سنواته المبكرة.
2 ـ جاءت هذه الحكايات على لسان الحيوانات، أي انها قد امتلكت اهم ميزة من مميزات مسرح الاطفال، الا وهي وجود المخلوقات الحيوانية مع الانسان، وحدوث صلات مادية بين الاثنين، خاصة وان الاطفال يميلون الى الاهتمام بالشخوص الحيوانية اكثر من اهتمامهم بالشخوص البشرية، وهذا يعني ان الموعظة الاخلاقية التي ترد على لسان الحيوانات ستجد قبولا حسنا في نفوس الاطفال.
3 ـ وجود شخصيتي (كليلة ودمنة) وجودا مستمرا في بعض الحكايات امر يساعد على امكانية خلق شخصيات نموذجية تبقى في ذاكرة الاطفال طويلا مثل شخصيات (السندباد، ميكي ماوس، قراقوز) وغيرها، ونرى ان شخصيتي (كليلة ودمنة) هما الشخصيتان اللتان من الممكن ان يكونا شخصيتين محببتين لدى الاطفال، بحيث نجعل وجودهما في عروضنا المسرحية شرطا اساسيا سواء كمشاركين في الحدث المسرحي او كراويتين للحدث.
4 ـ الاسلوب الشيق واللغة الجميلة التي نقلت بهما هذه الحكايات من قبل (عبدالله بن المقفع) لا بد من المحافظة عليهما في عروض مسرح الاطفال، لانها ستوفر ثروة لغوية للاطفال، وستتيح لهم التمتع ببلاغة اللغة العربية وحسن صياغتها، الامر الذي سيؤدي الى تهذيب السنة الاطفال وتعويدهم على نطق لغتهم العربية وحبها.
5 ـ هناك عنصر مهم يتوفر في هذه الحكايات، ونقصد به عنصر (الخرافة) وهو من العناصر المهمة التي تتأسس عليها المادة الدرامية للاطفال، اذ ان الخرافة تجد صدى كبيرا في اذهان الاطفال وتربي فيهم قدرة التخيل والانطلاق في عوالم واسعة.
انها مجرد دعوة للاستفادة من هذا التراث الانساني الفريد، وخدمة اطفالنا بفتح اذهانهم على هذه الكنوز الثمينة منن المعرفة البشرية، وهي محاولة للوصول الى المستويات التي وصلت اليها مسراح الاطفال في الكويت والاردن ولبنان، علما ان مسرحنا العراقي قد سبق هذه المسارح بعقود طويلة، لكنه ما زال غير قادر على اللحاق بمسرح الاطفال في هذه البلدان الشقيقة.
----------
* جماعة الناصرية للتمثيل
