عبد الجبار السحيمي - مخلوقات وديعة…

(7)
أتحسس مسدسي حين أسمع كلمة « ثقافة ».

بهذه الصيغة، أو بصيغة قريبة منها، خرجت الكلمات من فم رجل أتعبه الحال مع ناس الثقافة، فهم مزعجون، درجة الوعي لديهم، لا تستكين إلى « فضيلة » مطلقة، لهم حاسة سابعة ترى الصورة و ما خلفها، و لا يستنيمون إلى التبرير الجاهز و السائد.

كلمات الرجل الذي يتحسس مسدسه، طالعة من الزمن الهتلري، الذي كان، و الذي كان قبله أيام جنكيزخان و الذي يأتي…

أفلاطون، لم يكن لديه مسدس ليشهره على… « الثقافة »، لكنه حين أقام دنيا سماها « فاضلة »، طرد عنها الشعراء ربما لأنهم مخلوقات قادرة على الحلم، لا يعجبهم العجب…

كان يا مكان..

لا الرجل هنا و لا أفلاطون..

لا المسدس و لا الثقافة.

يغريني دائما أن أفكر، في هذا التحول الذي يلف حياة الناس المشاهير و الذي يحدث بطيئا، أو بصورة انقلابية.

همنغواي، الذي كان يفيض بالقوة، رحالة لا يهدأ، من ساحات مصارعة الثيران، إلى الحرب الأهلية في إسبانيا، إلى دهاليز باريس، إلى بحر الكرايبي يصيد الحيتان، كيف وجد نفسه ذات صباح في بيته الريفي، غير قادر على استمرار تحمل المغامرة، فحشا بندقيته و ضغط على الزناد…؟!

ما الذي حدث للرجل، فأحدث له كل هذا التحول، من عشق الحياة إلى عشق الموت؟

السؤال سهل لكن الإجابة صعبة..

ريجيس دوبريه، مثقف آخر عاش مغامرة كبيرة يبحث عن معنى جدير بالحياة، عن حقيقة ما. و قادته المغامرة إلى أدغال غابات الموز، و شاهد نهاية غيفارا، ثم انتهى موظفا في مكتب ببناء الإسمنت قريبا من مكتب الرئيس، مستشارا له كما قيل.. يكتب الاعترافات.

ما الذي حدث له أيضا، حتى استبدل مغامرة الحركة بسكينة الإنزواء فوق كرسي بغرفة مكيفة؟ هل اكتشف لا جدوى ما يبحث عنه؟ هل هي الهزيمة، تأتي في شكل شيخوخة باكرة؟

مرة أخرى، السؤال ممكن و الإجابة مستعصية.

كان يا مكان..

لا رجل المسدس هنا، و لا دنيا أفلاطون الفاضلة، و لا الثقافة… و لكنه لو كان حيا، رجل المسدس ذاك، لأصابه الذهول مما حدث للثقافة و ما حدث للمثقفين، و لربما فكر أن يدعوهم إلى سهرة في بيته، احتفاء بكل هذا التحول الذي جعل هؤلاء المشاغبين مخلوقات وديعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى