ثقافة شعبية جعفر الديري - كتاب "الزار" للباحث البحريني جاسم بن حربان.. ثقافة شعبية

كتاب «الزار» لمؤلفه الفنان والباحث البحريني جاسم محمد بن حربان، أحد الكتب القيمة التي تبحث في إطار الثقافة الشعبية وفود ثقافة (الزار) وتجذرها وارتباطها بكل من عاش على أرض البحرين وزاول طقوسها وفنونها وعاداتها وتقاليدها، مستعيناً الباحث بالإرث الكبير الذي حظي به من والده الفنان الشعبي الراحل محمد جاسم بن حربان، والروايات الكثيرة من الذين عايشهم وزاول معهم ممارسة هذا الإرث، والتسجيلات الصوتية التي توجد في إذاعة البحرين، والتسجيلات التي سجلها من الرواة ومن حفلات الزار الكثيرة التي خاضها وتعلم فيها كيفية ممارسة الطقوس منذ كان صغيرا في أماكن مزاولته كما إنه شاهد الكثير من الحالات التي تأتي للعلاج. هذا إلى جانب بعض الكتب والمراجع وبعض المجلات المتخصصة.
ويؤكد بن الحربان عبر صفحات الكتاب أن فن الزار ذو ارتباط وثيق بمجتمع البحرين ذي السمات المتعددة والشرائح المجتمعية ذات الصبغات المتأصلة والوافدة، وهو التكوين المجتمعي البحريني الذي يلعب دوراً مهماً في وجود كثير من الثقافات على أرضه. وقد عمد بن في كتابه إلى إبراز الجانب اللحني مكتوباً موسيقياً وعرض كثيراً من الترتيبات الطقسية المتبعة تحت مسمى أمثلة، فبدأ في أفراد فصول متمثلة في التعريف بالموضوع ونشأته من خلال ما تناولته بعض الكتب والمراجع، ثم انتقل إلى الفصل الثاني الذي جاء تحت مسمى الزار الحبشي معتقداته وآلاته ونصوصه ومجموعاته بمشايخها، والفصل الثالث انفرد بموسيقى الزار والفرق الشعبية التي تمارسها وبدأ بالطنبورة، ثم جعل فصلاً آخر بمسمى الآلة وإيقاعات تمارس تلك الطقوس الزارية وهي الليوة وأبرز من خلالها كيفية صناعاتها وأقسامها وطقوسها ورقصاتها وأغنياتها مع إيجاد بعض الأمثلة، أما الفصل الخامس فتحدث فيه عن ارتباط الزار بالفنون الغنائية الشعبية الأخرى ووجوده بها، وذلك من خلال تعريفات مبسطة للفنون ونصوصها وبعض من آلاتها المستخدمة. ثم انتقل إلى العادات والتقاليد المتبعة في الزار، وعرض بعضاً من الحالات الزارية. أما الفصل التاسع فخصصه المؤلف للجن في المعتقد الشعبي.

طريقة قديمة للعلاج

يوضح بن حربان في فصل آخر من الكتاب أن الزار وطقوسه طريقة علاجية قديمة. ظهرت من الناس وللناس تستقرئ مكامن الأمراض النفسية وتضع لها الحلول المناسبة شأنها شأن أية طريقة يعتقدها الإنسان منساقة لمعتقده الفطري لتكون له ملاذاً يحتمي به في أوقات يصعب عليها استحداث ما لا يحيط ببيئته، لافتاً إلى أن الفنون الشعبية التي لازمت هذا المعتقد الطقسي هي أيضاً نتيجة التفاعل بين الأفراد والجماعات والبيئة المحيطة خلال الأزمان والأحقاب الماضية ولا يعرف من هو مبدعها الحقيقي.
ويدعو بن حربان في كتابه إلى أن تكون هناك مواجهة علمية شاملة لظاهرة الزار لا تقوم على مجرد الرفض أو القبول، بل تقوم على دراسة منهجية موضوعية محايدة تقدم الأسباب العلمية لحالات الشفاء في الزار، وإلى تشكيل فريق من الباحثين والأطباء النفسيين أي فريق قائم على التخصص لدراسة الزار، واجدا في الزار مادة أدبية وفنية يرجى وضعها في متناول الفنانين فهو أي الزار مصدر غني للاستلهام. على سبيل المثال لا الحصر يمكن الاستفادة منه في الألحان والإيقاعات والملابس بألوانها وأشكالها.
ويهيب بن حربان بالباحثين العمل على إبراز ما للثقافة الشعبية من جذور قوية في مجتمع بحريني صغير يحتوي على كثير من الطوائف والأعراق. وفي مجتمع يشكو من ندرة المراجع والمخطوطات والكتب التي تتصدى لمثل هذه الموضوعات الثقافية وقلة المتصدين لها في المجتمع المحلي وتهاوي الدور الجماعي الذي تبنى الحفاظ على مثل هذه العادات والتقاليد والطقوس، واقتراب نهاية التجمعات التي تهتم بها وتمارسها وعدم التواصل بين ما هو موجود وممارس وما يأتي من الخارج، وعدم وجود جهود حكومية تختص برعاية هذه الموروثات بتفعيلها وإيجاد مساحة خصبة تستطيع من خلالها أن تتواصل بتدوينها وأرشفتها لتبقى في متناول الباحثين والمتخصصين، وعدم وجود مراكز بحثية تهتم بالتراث بشكل عام. وأخيراً انتقال الكثير ممن يمتلكون الحفظ والممارسة من الرواة إلى رحمة الله. ما يدفع إلى التأكيد على أهمية تدوين ما تبقى ومن تبقى من المتمرسين بتلك الفنون الشعبية العريقة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى