جعفر الديري - نابليون العظيم.. طفل بين يدي ماري لويز.. حكايات

«جوزيفين» عقبة من أعتى عقبات الدهر لا يمكن إزاحتها بسهولة، لكن الرغبة في وريث للعرش قوية وطاغية وتسحق كل من يقف بوجهها حتى لو كانت رفيقة العمر الأولى، أما قرص الشهد «ماري لويز»، فيفضل الموت على تركها لولي عهد بريطانيا أو سواه من ذوات الأرومة وأبناء الطبقات الأرستقراطية.
بلى هو ابن لفلاح فقير وامرأة لاكتها ألسنة السوء، لكن المعجزة المحققة على يديه، لا يستطيع تحقيقها سواه، إنه نابليون إمبراطور فرنسا الأعظم، وغداً يُتوج على العالم برمته، بمن فيهم ماري لويز.
ما قيمة هؤلاء أمامه؟! لكنه يعلم في قرارة نفسه أنه يتوق لنسب شريف، حتى حبّه لأمه لا يعني أنه لا يخجل من ماضيها، أما أبوه فتوفي وأراحه من عاره، وعليه الآن أن يُنشئ أسرة مجيدة تنتسب لشخصه وعظمته، ولن يتحقق ذلك دون زوجة ولود، وطالما أنه يبحث عن الولد، فلا بأس بتخير امرأة هي الأجمل في أوروبا بأسرها، أما جوزيفين فما يزال يحبها، لكنها عديمة النفع، هو مايزال يتذكر صبرها معه وتحمّلها حياته الأولى الشقية، لكنها أخذت ما تستحق وزيادة، إسرافها وبذخها بات حديث أوروبا كلها، بل إنه يعلم بسلوكها الشائن لكنه يغض الطرف، ماذا تطلب أكثر هذه المرأة العنود؟!.
قال لنفسه لابد أن أحسم أمري الآن وفوراً، أعرف جميع ألاعيبها، إنها ستأتي الآن، وحينما أفاتحها بأمر الطلاق تتصنع الإغماء، بل وتُخرج قارورة من جيبها وتدّعي أنها سم تعتزم تجرعه إن لم يكف عن حديث الطلاق، لكنه هذه المرّة لن يتراجع أبداً.
وإذ دخلت جوزيفين الجميلة، التي أسرت قلوب الشعراء والفنانين، وبدت في أبهى زينتها، واقتربت منه، متشبثة بالحب الذي تعرف يقيناً أنه مايزال حياً في قلبه، أحسّ بالضعف لكنه تمالك نفسه سريعاً، وقال في صوت جهد أن يكون ثابتاً..
ماذا قررت الآن؟.
بشأن ماذا؟.
صاح في غضب:
لا تتغابي يا جوزيفين.
انخرطت في البكاء، ثم ادعت الإغماء، لكنه اقترب منها وهمس في أذنها
ألاعيبك هذه لم تعد تنطلي علي.
وإذ أحست بانكشاف أمرها، أفاقت من رقدتها، واستبدلت الإغماء بالمرح
لا تعد للموضوع إذاً.
قال في نفاذ صبر:
تعلمين يا جوزيفين أنه لا أحد يقوى على مخالفة نابليون ولا حتى بابا روما نفسه، ومع ذلك منحتك وقتاً طويلاً لتعاودي التفكير.
أجهشت في البكاء ثم قالت:
ماذا تجد في ماري لويز لا تجد فيّ أنا صديقتك وزوجتك؟.
قال وعيناه تطلقان حمماً:
أريد وريثاً يا جوزيفين وأنت لا تستطيعين منحه.
تهالكت على الكرسي في شبه إعياء، بينما خرج من الغرفة إلى مكتبه الأثير، وضع رأسه بين راحتيه، وصورة الولد تملأ عليه كل جارحة، إلا أن ماري لويز أطلت بوجهها الجميل، فسارع إلى إخراج الكوب، كانت صورتها عليه، ما أجملها من فتاة، هي وحدها اللائقة بإمبراطور فرنسا العظيم، لكن جوزيفين لن تقبل بالطلاق والوقت ينفد والوزير «فوشيه» لا يترك ساعة دون أن يذكره برغبة الشعب الفرنسي بوريث للإمبراطورية، لا يترك ساعة دون أن يذكره بخصمه ولي عهد بريطانيا منافسه على قرص الشهد ماري لويز، فمتى يتحقق له ما يتمنى؟ ماذا تريد جوزيفين أكثر مما أعطيتها إمارة لها ولابنها وابنتها، حساب مفتوح في البنك، جميع ما ترغب فيه ينفذ دون اعتراض، لكنها تأبى أن تقبل الطلاق، وكاردينال فرنسا يرفض هو الآخر، لكنه حسم أمره هذه الليلة غداً ستكون جوزيفين مطلقة، وماري لويز زوجته، ولن يترك لأحد أن يعترض على ما نوى، والويل لمن يقف في طريقه!.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى