عبد القادر وساط - حُلم غابرييل غارسيا ماركيز

ذات ليلة رأى الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في منامه أنه يتجول بمدينة لندن، وأنه دخل إحدى المكتبات بشارع الإسكندر المقدوني، فوجد أن صاحبة المكتبة هي الشاعرة الروسية أنا أخماتوڤا.
كانت أنا أخماتوفا ترتدي السواد وتضع على كتفيها شالا أسود. وكانت تبدو في غاية الارتباك. سألها غارسيا ماركيز عن سبب اضطرابها فأجابته:
- لا أدري ما الذي يحدث لي في هذه المكتبة يا سيدي. أمر عجيب فعلا. إن أسماء المؤلفين، المطبوعة على أغلفة الروايات تتغير بكيفية غير مفهومة، خلال الليل.
مضت الشاعرة الروسية إلى أحد الرفوف وتناولت كتابا ضخما ثم عادت وناولته للروائي الكولومبي وقالت له:
- انظر معي يا سيدي... انظر إلى رواية" الحرب والسلام" وكيف صارت من تأليف دوستويفسكي.
تمعنَ غارسيا ماركيز في الكتاب. كان اسم فيودور دوستويفسكي هو المطبوع فعلا بأعلى الغلاف!
عادت أخماتوفا تقول له:
- أمر لا يصدق... بالأمس حين غادرت المكتبة وأحكمت إغلاق الأبواب كانت هذه الرواية لا تزال تحمل اسم ليون تولستوي.
طلب منها ماركيز أن تأذن له بمشاهدة الرفوف عن قرب. قالت له بصوت مرتعش:
- طبعا طبعا، تفضل سيدي. وهل وُجدت المكتبات إلا ليدخلها الزبائن؟
دخل الروائي وهو يقرض ظفر سبابته اليمنى كعادته حين يشعر بالحيرة. تناول رواية دون كيخوطي فوجدها من تأليف دانتي. التفت إلى أخماتوفا، التي كانت تقف خلفه. قالت له:
- ها أنت إذن ترى كل شيء بعينيك...
استمر ماركيز يتصفح الكتب المصفوفة بعناية في الرفوف.
اكتشف أن "صورة دوريان غراي" من تأليف تشارلز ديكنز. انتابته سورة من الضحك قبل أن يقول للشاعرة الروسية:
- إلا هذه ! إلا هذه ! ديكنز يَكتب " صورة دوريان غراي"؟
ضحكت أنا أخماتوفا رغم ارتباكها البين وقالت:
- أمر عجيب فعلا. في أقصى الرف ستجد أن أوسكار وايلد هو مؤلف البؤساء. ما الذي يحدث يا إلهي؟ ما الذي يحدث؟
ساد صمت قصير قبل أن يطلق غابرييل ماركيز ضحكة عالية من جديد.
كان قد عثر في أحد الرفوف على رواية " مائة عام من العزلة" وكان اسمه هو مطبوعا بحروف واضحة في أعلى الغلاف.
اقترب من أنا أخماتوفا وسألها مستغربا:
- هذه روايتي بالفعل. الظاهر أن اسم المؤلف لم يتغير. لكنْ هناك مشكلة. لأن هذه الرواية لم تصدر بعد.
قالت أخماتوفا وهي تنظر إليه مستغربة:
- لا أعرف كيف وصلت إلى هنا ما دامت لم تصدر ! الحق أني لا أعرف كيف.
قال ماركيز وهو يضحك:
- روايتي هذه لم أكتبها بعد. فهي لن تصدر إلا في عام 1967. أي بعد عشرين سنة من الآن!
حدقت فيه أنا أخماتوفا بقلق وقالت:
- عام 1967؟ ستكون قد مرت سنة على وفاتي آنئذ !
سألها ماركيز:
- هل ستموتين عام 1966؟
ابتسمت بحزن وقالت له :
- أجل، أجل. ذلك ما سوف يحدث.
ثم تناولت ورقة مكتوبة بخط يدها وأخذت تقرأ بالروسية هذا المقطع من إحدى قصائدها
حينما تمضي الريـحُ لحال سبيلها
مـن سـيحرك الأغصان ؟
حينما تذبل الأغصان
مـن سـيجمع قطرات النـدى
في الصباح..؟
وكان غابرييل غارسيا يستمع لها بإعجاب وهو يتساءل مع نفسه متى تعلمَ اللغة الروسية؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى