أنا عربي!
صحت في باب المطار
فاختصرتُ لجنديّةِ الأمنِ الطّريقَ إليّ،
ذهبتُ إليها وقلتُ: استجوبيني، ولكن
سريعًا، لو سمحتِ، لأنّي لا أريد التّأخّرَ
عن موعد الطّائرة.
قالت: من أين أنت؟
من غساسنةِ الجَولان أصلُ فروسيّتي - قلتُ
جارُ مومِسٍ من أريحا؛
تلك الّتي وشَتْ إلى يهوذا بالطّريقِ إلى الضِّفّة الغربيّة
يوم احتلّها فاحتلّها التّاريخُ من بعدهِ
في الصّفحةِ الأولى.
من حَجر الخليل الصُّلبِ أجوبتي
وُلدتُ زمنَ المؤابيّينَ النّازلينَ من قبلكم
أرضَ الزّمانِ الخانعة،
من كَنعانَ أبي
وأمّي فينيقيّةٌ من جنوبِ لبنان في السّابقْ،
ماتت أمُّها، أمّي، قبل شهرين
ولم تودّعْ جثمانَ أمّها، أمّي، قبل شهرين،
بكيتُ بِحضنها كي تؤانسَها الأُلفةُ في البُقَيعَةِ
عند سفحِ المُصيبة والنّصيب،
لبنانُ يا أختُ المستحيلْ، وأنا
أمُّ أمّي الوحيدةُ
في الشِّمال!
***
سألتني: ومن رتَّبَ الحقيبةَ لك؟
قلتُ: أسامة بنُ لادن، ولكن!
رويدكِ، فهذا مُزاحُ الجراحِ المتاحْ،
نكتةٌ يحترفُها الواقعيّونَ مثلي ها هنا
في الكفاحْ،
أناضلُ منذ ستّينَ عامًا بالكلام عن السّلام،
لا أسطو على المستوطنة،
ولستُ أملِكُ مثلَكُم دبّابةً كالّتي
على متنها، دغدغَ الجنديُّ غزّة،
لم أرمِ قنبلةً من الأباتشي في سِجلّيَ الشّخصيّْ
لا لنقصٍ فيّ
بل لأنّي أرى في الأفقِ المدى صدى السّأمِ
من ثورةِ السِّلميِّ في غير موضعها
ومن حُسن السّلوك.
***
هل أعطاكَ أحدُهُم شيئًا في الطّريق إلى هنا - سألت،
قلتُ: هو المنفيُّ في النَّيربْ
أعطانيَ الذّكرياتْ
ومِفتاحَ بيتٍ في الحكاياتْ
صدأُ الحديد على المفتاحِ وَتّرَني ولكنّي
كالمَعدِنِ الأصليِّ؛ أُرجِّعُ ذاتي بذاتي، إن أحنّ،
من أنينِ اللاجئينْ
يَبعثُ الشّوقُ جناحهُ عبر الحدودِ
لا حَرسٌ أو ألفُ يمنعُهُ
ولا أنتِ، أكيد.
***
قالت: هل من أداةٍ حادّةٍ في حيازتك؟
قلتُ: عاطفتي
بَشَرتي.. وملامحُ القمحيِّ فيّْ،
وُلدتُ هنا بلا ذنبٍ سوى الحظّ،
متشائلًا قد كنتُ في السّبعين
أنا المتفائلَ بأنشودتين عصيّتينِ عليكِ الآن
في سجنِ جِلْبُوَّعْ.
أَصْلي
وفصلي من رواياتِ الزّمانِ الفجِّ
جنازةُ الماضي وعرسٌ
في قاعةِ الأملِ القريب،
بلحٌ من الغَورِ رعرعني
وفسّرني الكلام.
في حيازتي طفلٌ أجّلتُه عن موعد التّوليدِ كي يأتي
إلى صباحٍ لا كهذا الهشِّ يا بنت أوكرانيا.
في حيازتي أنّ المؤذّنَ صادحًا يُطربُني رغم إلحادي
أصيحُ كي تَجفُلَ الأنّاتُ في النّاياتْ
وكي تَصدَحَ الكمنجةُ في الطّبنجةِ من خلودٍ في الوجود.
***
تأخذني الجنديّةُ إلى تفتيشِ حاجاتي
تأمرُني بفتحِ الحقيبة،
أفعلُ ما تشاء!
فينِزُّ من قلب الحقيبةِ قلبي، وأغنيتي
ومعنى المعنى يفُزُّ فصاحةً وفجاجةً منها وفيها كلُّ ما فيّ.
***
تسألني: وما هذا؟
أقولُ: سورةُ الإسراءِ من معراجِ أوردتي وتفسيرُ الجلالين،
ديوانُ أبي الطّيّب المتنبّي وأختي مرام، صورةً وحقيقةً في آن،
شالٌ حريريٌّ يدثّرني ويحميني من برد البُعادِ عن الأقاربْ،
تَبغٌ من عرّابة البطّوفِ دَوَّخَني إلى أن حشّشَ المجهولُ فيّْ
وفيَّ وفيٌّ وفيّْ.. زعترٌ بلديّْ
جلّنارُ النّارْ، جليليٌّ بَهيّْ
عقيقي، كافوري، بَخورُي وأنّيَ حَيّْ.
مَرجانُ حيفا المشعُّ المستديمُ المستنيرُ
المستحيلُ المستريحُ في جيبِ عودتنا بلا سببٍ
سوى أنّا عَبَدنا حُسنَ نِيّتنا وأوثقنا
النّكبةَ السّقطةَ في الماضي وفيّ!
***
تُسَلِّمُني الجنديّةُ إلى الشّرطيِّ الّذي
تحسّسني في فجأةٍ ثمّ صاح:
ما هذا؟!
عضويَ الوطنيّْ - أقولُ
ونسلي.. حمى أهلي وبيضتا حمامٍ
تفقّسانِ رجولةً وأنوثةً منّي ولي،
يبحثُ بي
عن كلّ شيء ممكنٍ وخطيرْ
لكنّهُ أعمى هذا الغريبَ الّذي
ينسى قنابلَ بي أشدَّ مضاضةً وأهمّ:
عنفواني، جُموحي، نزقَ النّسور في لهفي وفي جسدي
شامَتي وشهامتي، هذا أنا
كاملًا متكاملًا لن يراني فيما يرى
هذا الغبيّ.
***
الآن، وبعد ساعتينِ من معركة المعنويّاتْ
ألعَقُ جرحي لخمسِ دقائقَ كافياتْ
ثمّ أصعدُ الطّائرة الّتي ارتفعت. لا للذّهاب
ولا للإياب،
بل لأرى جنديّةَ الأمنِ تحتي
الشّرطيَّ في نشيدِ حذائيَ الوطنيِّ تحتي
وتحتي أكذوبة التّاريخِ المعلّبِ مِثلَ
بن غوريون الّذي صارَ كما كان كما كان كما كان
تحتي.
صحت في باب المطار
فاختصرتُ لجنديّةِ الأمنِ الطّريقَ إليّ،
ذهبتُ إليها وقلتُ: استجوبيني، ولكن
سريعًا، لو سمحتِ، لأنّي لا أريد التّأخّرَ
عن موعد الطّائرة.
قالت: من أين أنت؟
من غساسنةِ الجَولان أصلُ فروسيّتي - قلتُ
جارُ مومِسٍ من أريحا؛
تلك الّتي وشَتْ إلى يهوذا بالطّريقِ إلى الضِّفّة الغربيّة
يوم احتلّها فاحتلّها التّاريخُ من بعدهِ
في الصّفحةِ الأولى.
من حَجر الخليل الصُّلبِ أجوبتي
وُلدتُ زمنَ المؤابيّينَ النّازلينَ من قبلكم
أرضَ الزّمانِ الخانعة،
من كَنعانَ أبي
وأمّي فينيقيّةٌ من جنوبِ لبنان في السّابقْ،
ماتت أمُّها، أمّي، قبل شهرين
ولم تودّعْ جثمانَ أمّها، أمّي، قبل شهرين،
بكيتُ بِحضنها كي تؤانسَها الأُلفةُ في البُقَيعَةِ
عند سفحِ المُصيبة والنّصيب،
لبنانُ يا أختُ المستحيلْ، وأنا
أمُّ أمّي الوحيدةُ
في الشِّمال!
***
سألتني: ومن رتَّبَ الحقيبةَ لك؟
قلتُ: أسامة بنُ لادن، ولكن!
رويدكِ، فهذا مُزاحُ الجراحِ المتاحْ،
نكتةٌ يحترفُها الواقعيّونَ مثلي ها هنا
في الكفاحْ،
أناضلُ منذ ستّينَ عامًا بالكلام عن السّلام،
لا أسطو على المستوطنة،
ولستُ أملِكُ مثلَكُم دبّابةً كالّتي
على متنها، دغدغَ الجنديُّ غزّة،
لم أرمِ قنبلةً من الأباتشي في سِجلّيَ الشّخصيّْ
لا لنقصٍ فيّ
بل لأنّي أرى في الأفقِ المدى صدى السّأمِ
من ثورةِ السِّلميِّ في غير موضعها
ومن حُسن السّلوك.
***
هل أعطاكَ أحدُهُم شيئًا في الطّريق إلى هنا - سألت،
قلتُ: هو المنفيُّ في النَّيربْ
أعطانيَ الذّكرياتْ
ومِفتاحَ بيتٍ في الحكاياتْ
صدأُ الحديد على المفتاحِ وَتّرَني ولكنّي
كالمَعدِنِ الأصليِّ؛ أُرجِّعُ ذاتي بذاتي، إن أحنّ،
من أنينِ اللاجئينْ
يَبعثُ الشّوقُ جناحهُ عبر الحدودِ
لا حَرسٌ أو ألفُ يمنعُهُ
ولا أنتِ، أكيد.
***
قالت: هل من أداةٍ حادّةٍ في حيازتك؟
قلتُ: عاطفتي
بَشَرتي.. وملامحُ القمحيِّ فيّْ،
وُلدتُ هنا بلا ذنبٍ سوى الحظّ،
متشائلًا قد كنتُ في السّبعين
أنا المتفائلَ بأنشودتين عصيّتينِ عليكِ الآن
في سجنِ جِلْبُوَّعْ.
أَصْلي
وفصلي من رواياتِ الزّمانِ الفجِّ
جنازةُ الماضي وعرسٌ
في قاعةِ الأملِ القريب،
بلحٌ من الغَورِ رعرعني
وفسّرني الكلام.
في حيازتي طفلٌ أجّلتُه عن موعد التّوليدِ كي يأتي
إلى صباحٍ لا كهذا الهشِّ يا بنت أوكرانيا.
في حيازتي أنّ المؤذّنَ صادحًا يُطربُني رغم إلحادي
أصيحُ كي تَجفُلَ الأنّاتُ في النّاياتْ
وكي تَصدَحَ الكمنجةُ في الطّبنجةِ من خلودٍ في الوجود.
***
تأخذني الجنديّةُ إلى تفتيشِ حاجاتي
تأمرُني بفتحِ الحقيبة،
أفعلُ ما تشاء!
فينِزُّ من قلب الحقيبةِ قلبي، وأغنيتي
ومعنى المعنى يفُزُّ فصاحةً وفجاجةً منها وفيها كلُّ ما فيّ.
***
تسألني: وما هذا؟
أقولُ: سورةُ الإسراءِ من معراجِ أوردتي وتفسيرُ الجلالين،
ديوانُ أبي الطّيّب المتنبّي وأختي مرام، صورةً وحقيقةً في آن،
شالٌ حريريٌّ يدثّرني ويحميني من برد البُعادِ عن الأقاربْ،
تَبغٌ من عرّابة البطّوفِ دَوَّخَني إلى أن حشّشَ المجهولُ فيّْ
وفيَّ وفيٌّ وفيّْ.. زعترٌ بلديّْ
جلّنارُ النّارْ، جليليٌّ بَهيّْ
عقيقي، كافوري، بَخورُي وأنّيَ حَيّْ.
مَرجانُ حيفا المشعُّ المستديمُ المستنيرُ
المستحيلُ المستريحُ في جيبِ عودتنا بلا سببٍ
سوى أنّا عَبَدنا حُسنَ نِيّتنا وأوثقنا
النّكبةَ السّقطةَ في الماضي وفيّ!
***
تُسَلِّمُني الجنديّةُ إلى الشّرطيِّ الّذي
تحسّسني في فجأةٍ ثمّ صاح:
ما هذا؟!
عضويَ الوطنيّْ - أقولُ
ونسلي.. حمى أهلي وبيضتا حمامٍ
تفقّسانِ رجولةً وأنوثةً منّي ولي،
يبحثُ بي
عن كلّ شيء ممكنٍ وخطيرْ
لكنّهُ أعمى هذا الغريبَ الّذي
ينسى قنابلَ بي أشدَّ مضاضةً وأهمّ:
عنفواني، جُموحي، نزقَ النّسور في لهفي وفي جسدي
شامَتي وشهامتي، هذا أنا
كاملًا متكاملًا لن يراني فيما يرى
هذا الغبيّ.
***
الآن، وبعد ساعتينِ من معركة المعنويّاتْ
ألعَقُ جرحي لخمسِ دقائقَ كافياتْ
ثمّ أصعدُ الطّائرة الّتي ارتفعت. لا للذّهاب
ولا للإياب،
بل لأرى جنديّةَ الأمنِ تحتي
الشّرطيَّ في نشيدِ حذائيَ الوطنيِّ تحتي
وتحتي أكذوبة التّاريخِ المعلّبِ مِثلَ
بن غوريون الّذي صارَ كما كان كما كان كما كان
تحتي.