شهادات خاصة جعفر الديري - "تجلي البصيرة" لناصر اليوسف... امتزاج التجريد بالفلكلور.. فن تشكيلي

كتب الفنان ناصر اليوسف يوما يقول: "منذ نشأتي كان التراث الشعبي بكل معطياته وأشكاله يتفاعل في كياني وتتوالى صوره التي تختزن في ذاكرتي. وعندما بدأت أعبر عن أفكاري من خلال الرسم كان التراث الشعبي هو النور الذي ينبعث في كل خط ولون أعبر بهما عن ما أريد إبرازه في لوحاتي".
وبقي اليوسف مخلصا في توجهه هذا منذ معرضه الشخصي الأول في العام 1988 وحتى معرضه الأخير "تجلي البصيرة" في البارح للفنون التشكيلية مساء الأحد 18 سبتمبر/ أيلول الجاري.
وعلى مدار مسيرته الفنية كانت لوحات اليوسف تنطلق من حس تجريدي، وهو حس لا يقف بك عند حدود التناول الساذج، وإنما هو تجريد مدروس جاء على خلفية معرفة اليوسف ووعيه بالتراث الشعبي ومدى قدرته على التعبير عن ما يختزنه الفنان من رؤى وتصورات.
عمد اليوسف في لوحاته الأخيرة كلوحة الأمومة، الحية بية، التسابيح، وغيرها من اللوحات إلى تبسيط اللوحة فجعل مساحاتها ذات أشكال متنوعة بخطوط شفافة وقوية تبدو فيها ملامح الشخصيات بعنفوانها، فالوجوه تبدو مثل الدوائر والعيون تبدو كالنقاط بينما بدت الملابس مربعات ومثلثات ومستطيلات زادها اللون الأسود قربا من الموروث الشعبي. الحس الشعبي عند اليوسف يبدو منسجما - في لوحاته الأخيرة - مع الحس التجريدي لذلك جاءت أعماله رهيفة وذات شفافية في اللون.
وكان بحق مجددا في مفهوم اللوحة، فكما كان العمق بعدا من أبعاد اللوحة سواء في اللوحة الحديثة أو في التراث الفني القديم كذلك كان هذا البعد حاضرا في معرض اليوسف الأخير، إذ بدا واضحا أن هناك رغبة من اليوسف في تعبير مطلق لا تحده حدود ومحاولة للانعتاق من الدلالة المحددة وفي تطوير الأشكال المجردة.
وبإلقاء نظرة على لوحات اليوسف نجدها لوحات تضج بالحرارة من خلال الشخصيات التي تمثلها والتي رسمت باللون الأسود ولكن تلك الحرارة لزمها طقس بارد فكان اللون الأبيض هو المخفف من حرارة تلك الشخصيات التي تمثل ليوسف عالما متكاملا ذا إشارات ورموز لا يتقاطع مع الواقع وإنما يضفي لمسة أخرى عليه تجعله واقعا مبتكرا مزج فيه اليوسف بين التراث الشعبي بما هو واقعي وبين التجريد.
ذلك أن اليوسف في معرضه الأخير يستعير من التراث الشعبي مخيلته النشطة القادرة على التجدد وعلى إتحاف النظر بدوائر أخرى من الإبداع، فبدلا من تكون صور التراث الشعبي صورا نمطية: مجرد رقصات فلكلورية أو حفلات سمر أو ألعاب شعبية قديمة حاول اليوسف أن يعطي للأشياء صورا مغايرة جسدت محاولة حرة في الأشكال. وعلى رغم العمى الكامل الذي أصيب به اليوسف فإنه لايزال قادرا على اضفاء نغمته البصرية التي تعكس تجلي بصيرته تجاه التراث الشعبي الذي شكل حجر الزاوية في تجربته الفنية.
"تجلي البصيرة"... امتزاج التجريد بالفلكلور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى