جعفر الديري - فاروق حسني: أهمية وجود صيغة ديمقراطية للثقافة نابعة من المفكرين

أكد وزير الثقافة بجمهورية مصر العربية فاروق حسني ضرورة وجود صيغة ديمقراطية كاملة للثقافة تنبع من المبدعين والمفكرين تقوم الدولة بجمع أفكارها وطرحها على المجتمع. وتحدث خلال المحاضرة التي ألقاها مساء الاثنين 23 يناير/ كانون الثاني الجاري بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث عن مفهومه للثقافة وعن تجربته كوزير قائلاً: «ان تجربة وزارة الثقافة في مصر هي تجربة مضنية ولكنها ممتعة لأنها تعمل في اطار الابداع والتراث والرؤى المستقبلية. وقد كانت الثقافة في مصر في يوم من الأيام تسير لوحدها من دون وزارة. وكان الوجود الثقافي على مستوى عال جدا. وكان هناك المخرجون والسينمائيون والفنانون والمسرحيون. وكان التراث الانساني موجودا وان كان يعاني من بعض الاهمال الا أنه كان تراثا عظيما».
وأضاف في هذا السياق «لقد فكرت أول ما فكرت عندما توليت وزارة الثقافة أن هذه الثقافة ليست ملكا للوزير ولا ملكا للدولة. وانما هي ملك للمجتمع ولابد أن تكون هناك للثقافة صيغ ديمقراطية كاملة. وقد كان هناك تراث وابداع وظروف مليئة بالمشكلات. خصوصاً في فترة تواجدت فيها الجماعات الارهابية التي جعلت من أي عمل من الأعمال الثقافية بمثابة الضد لهم. فكان لابد من أن نقف أمام كل هذه التيارات. بحسم وحزم وقوة وعدم تراجع. وقد هيأنا العتاد الثقافي وقلنا ان الآلة الثقافية هي التي ستنشر هذا العتاد. وبدأنا بفكرة وبفلسفة وبسياسة ثقافية مثلت دستورا للعمل الثقافي. فيه نفرق بين الثقافة وبين العمل الثقافي. فالثقافة تشمل الكل أما العمل الثقافي فهو البرمجة وكيف يأخذ هذا الكل ويوضع في برامج شهرية وسنوية وفي ايقاعات محددة بحيث تصل للمجتمع ويستفيد منها. وكان لابد من طرح مسألة المثقّف والمثقف. وهل أن المثقف يمكن أن يكون مثقفا وأن المثقف لابد من أن يكون مثقفا. وكان لابد من وجود المثقف والمثقف. المثقف الذي يضع البرامج ويكون محركا لكل ما هو موجود في الساحة. أما المثقف فهو الأداة في يد المثقف. كي يصل به إلى المجتمع ويفيد».
آلة ثقافية
وأضاف عن الآلة الثقافية «ان الآلة الثقافية التي تتشكل من متاحف ودور عرض ومسارح ومكتبات وقصور ثقافة فقد كان من المهم أن نحصد كل ما لدينا من امكانات الآلة الثقافية لأنها ستضخ العتاد الثقافي لأنه لن يصل الا في معمل. وهذا المعمل هو الكائنات المادية للثقافة من أبنية ودور ثقافية يجب أن تكون على أعلى مستوى. وقد بدأنا بتهيئة البنية تحتية. وفي الوقت نفسه كنا نفكر في البرمجة. وكيف نستطيع أن نقول ان الرموز العظيمة جدا التي رحلت عن دنيانا لاتزال موجودة بيننا وكيف نخلق رموزا جديدة. وكان لابد من أن نبدأ من سن معينة في التثقيف كي يصبح رمزا قويا متمكنا مدركا لمعنى الثقافة بشكلها المطلق. ليس فقط في محدودية أو في تخصصية معينة كأن يكون أديبا أو فنانا أو موسيقيا أو معمارياً، اذ ان كل هذه المسائل دخلت والهدف عمل منظومة عظيمة نستطيع أن نتعامل فيها ليس فقط مع المجتمع المصري. مع أن الأساس كان العمل مع المجتمع العربي ومن ثم مد الجسور الى أشقائنا من دول البحر المتوسط الذي جمعتنا واياهم حوارات أزلية ولابد أن تستكمل. لأنه لابد من أن يقام حوار بين الجنوب والشمال وبين الشرق».
كيان متكامل
وعن مفهومه للثقافة أوضح حسني «لقد رجعت بذهني أعواما عدة للخلف فأدركت أن الثقافة موجودة منذ بدأ الانسان. وتشكلت الى أن انتهت في موضوع كبير جدا وجسم رائع هو الثقافة. ومع التزامل بين التكاملية الزمنية والتكاملية الابداعية من تراث وابداع على مر الزمن، تكون لدينا جسم كبير وكيان رائع. وأيضا عندما نفتّش في هذا التاريخ سنجد كيف تكون أو تشكل هذا الكيان. ففي أوروبا مثلا كانت الأوبرا قبل أن تطرح نفسها على المسرح بها السيمفونية التي تبدأ قبل أن يبدأ العمل الأوبرالي. وكان هناك مغنون يجب أن يصل صوتهم الى آخر القاعة. وبالتالي كانت هناك سيمفونية وأخرى أوبرا. فاستحسنت الناس تماما هذه السمفونية. وخصوصاً أن الموسيقيين وعلماء الموسيقى. استحسنوا بسبب ما استحسان الجماهير تلك المقطوعات فأقاموا حفلات للموسيقى من دون غناء. وأعطوا للسمفونية قالبا آخر. شأنها شأن السوناتا التي تعزف على آلة واحدة أو آلتين. والسوناتا لها حركات أربع. ولها مواصفات. فهم أخذوا اذا من الوجود كيانا كبيرا. اذ بدأ الانسان يلملم من هذا الوجود التاريخي كل ما هو موجود على الساحة. كي يجعل له قواما متكاملا يستمتع به فوضعوا كل ذلك في أساس موحد ومعين. وابتدأوا بعمل أطر وأفكار ورؤى لهذه الثقافة والابداعات. وذلك محصلة تشكّل فكرة الانسان والرؤى على مر التاريخ». أبعاد رائعة كما أشار الى تكون الثقافة بقوله «لقد بدأت الثقافة من الأساطير والأديان القديمة حتى ما قبل التاريخ. عندما كان الانسان يرسم الأشياء التي كان يراها والتي كان يريد أن يتفاعل معها ولكنه كان خائفا منها. إذ بدأ يسجل كل معارفه بالحياة على حوائط الكهوف أو غيرها. وأصبح ذلك يسجل ويتحول الى حال اجتماعية ثقافية. مع مرور الزمن بدأت المعرفة تتشكل بشكل متكامل. في القرون الوسطى وفي عصر النهضة في أوروبا بدأ البحث عن المخطوطات القديمة الموجودة في الأديرة والكنائس القديمة وفي كل مواقع العبادة بشكل عام. فكانت هناك أنواع من اللغات لتجميع المخطوطات من أفكار ورؤى وتسجيل لمسائل كثيرة جدا. وفي الوقت نفسه ظهرت الطباعة. وكان هناك الملك فرانسوا الأول في فرنسا الذي قام بعمل كلية للدراسات الانسانية وفي هذا الوقت انتعش الأدب جدا. وأيضا في إنجلترا كانت جامعة أكسفورد تكافح لكي تبعد كل ما هو متصل بالعلم والمعرفة عن الكنيسة. لذلك انتعشت الآداب في تلك الفترة انتعاشا كبيرا. وفي الوقت نفسه ظهرت لغات حديثة بدأت تسجل وتقرأ. هذا الى جانب عصر الاستكشافات الجغرافية التي بدأت فيه الدول تشجع لاكتشاف حضارات متباينة. وكل ذلك وهب للانسانية أبعادا رائعة. من الاكتشافات والمعارف والمغامرة من خلال تسجيل ما رآه المكتشفون. ما شكّل نوعا من أنواع التراكم المعرفي. الى جانب الديانات التي كانت تدين بها كل الشعوب. والتي بنت من أجلها ومن أجل الاعتزاز بها الصروح وكونت لها طقوسا ولغات خاصة بها». وأضاف «اننا اليوم في حروب ثقافية بين الدول يصفها البعض بأنها تفاعلات ثقافية وآخرون يصفونها بأنها حروب حضارات. وفي اعتقادي أن أية ثقافة أو حضارة في الدنيا هي مفيدة. وبرأيي أن من يبحث عن الحقيقة يبحث عنها في أية حضارات أخرى. ويستمتع بأية ابداعات لأي كان. لأنها حال انسانية رائعة مليئة بالأحاسيس والانسان محتاج الى كل ذلك كما هو بحاجة الى الأكل».
حسني: لابد من وجود صيغة ديمقراطية للثقافة نابعة من المفكرين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى