شمّتْ رائحتي كلما اقتربتُ، والتفتتْ. أحاول أن أنبهها إلى أنني لا أهتم بها، غير أني دائماً أبله ومتصنع. هي تلعق رسغيها وساعديها، وتراقبني بحيطة. تستوي في مجلسها فجأة، وتفرد ظهرها، وتتجول في دائرة حولي. أريد أن أستغل حركاتها لألتقط لها صورة أو لأكتب عنها عدة أسطر، أي شيء يجعلني فاعلاً في هذا المشهد. وفي الحال تضجر من محاصرتي وتسير عدة خطوات صوب الحافة. تهرب من الصفحة. مضطربة. ما من شيء ألمع من البقعات بلون المشمش في عنقها، الذي يتمدد وينكمش كلما راقبت مؤخرتها. منذ فترة وأنا أدرسها، وحتى الآن لم أتحقق إلا من شيء وحيد، أنها تنام آخر النهار، تتوه في الليل، وتتطلع من هذا الجانب ظهراً، حينما تشتد الشمس بحرارتها على ظهرها وتحرق حدقتيها الملونتين. ومنذ اليوم الذي عثرت عليها فيه، شاردة، ضاغطةً بنابها في رقة على شفتها، لم أتوقف عن تخيل صيد الحيوانات. من يصطاد من؟ فمها بالطبع يعد بدوران، بدم، بطقس موت رشيق. وسلاحي قلمي: الكافي، على الأقل، للاستسلام بكرامة. رجفة المضطجع، وخطوط بطنه عند التنفس، تغرق نظري، تثير هواجسي. وهديرها العذب لشلال صغير يطاردني عندما أحلم. وعند اليقظة، في المقابل، أحلم بمطاردته. تتمتع بحاسة شمّ حادة، حتى إنها تستسلم للدهشة فوق الصفحة. قد يحتاج الأمر إلى رواية، وربما إلى عدة روايات، للإحاطة بالأمل الذي ينز منها ويُحفظ في لحظة بوسط فقرة ما. لكن لفعل ذلك قد أحتاج إلى دراستها خلال سنوات. وفي نهاية المطاف، كل شيء يكمن في أن تتمكن من خداع النمر. يجبرها الجوع، أحياناً، على الاقتراب بتلصص ساحر ولعق نفسها. وإن كانت لم تهاجمني إلى الآن فذلك لأنها، مؤقتاً، يروقها ما أكتبه، أو على الأقل يداعب مرحها. ومن جانبي، أنا مستعد للتضحية: البقاء في الحياة محض تفاهة... وأعرف جيداً أنني لا أهمها كثيراً، وأنني بالنسبة إليها، بالأساس، لست إلا قطعة لحم. غير أنني أعرف أيضاً أنه إذا مر يومان دون أن نلتقي، تبحث عن أي ذريعة لتعود وتدور في قصتي. حتى إنها أحياناً تمنحني الشرف وتقلم أظافرها أمام عينيّ، وتفركها ببطء متقن في شجرة. وأحياناً ألاحظ كيف تتأخر في ساعة الانصراف، بينما كانت ترسم موجات مغناطيسية بذيلها المنقط. وأكثر من ذلك، أنا على يقين أنها في دورها كحيوان شرس وصامد، تشعر بالوحدة في ليالي القمر المكتمل. وأنها أحياناً، أيضاً، تبذل جهداً وتتذكرني.