لطالما كنت شغوفاً بالمساحات الورقية البيضاء، وكنت أعشق لحد مبالغ فيه الأوراق المعدة للتصوير، تلك الأوراق التي تحتضنها آلات التصوير أو تدخل في جوفها وتُسقط عليها أشعتها البيضاء لتخرج لنا نسخاً من مستندات أو تقارير مهمة تكون قابلة للحفظ لزمن طويل، أو لنسخ أوراق رسمية نستكمل بها معاملات حكومية أو معاملات لقطاع خاص، كالأوراق الثبوتية وأوراق جواز السفر وصكوك العقار أو صكوك الملكية أو الأسهم، وقد ظلّت هذه الأوراق التي توضع في أرفف المكتبات ومراكز التسوق في القرطاسيات على شكل مستطيلات ملفوفة أو مغطاة بغطاء مغرٍ، غطاء يمنحك معلومات ليست مهمة جداً ولكنها تناسب احتياجك من المساحة كـ A4 B4 وهكذا..
وكانت هذه المسطحات البيضاء تطلق خيالي إلى غابات من الأشجار الطويلة وإلى خشابين ينحتون تلك الجذوع السامقة، كان خيالي يتحرك باتجاه نشارة الخشب وباتجاه اصفرار الأخشاب وإلى أقلامي ذات الحبر الأسود، كنت أتشوق إلى نثر هذه الأوراق البيضاء على مكتبي كعرائس أتلمسها وأتشممها واستنشق بعمق رائحتها الورقية الخاصة..
ظللت ككاتب أسير هذا العشق ردحاً طويلاً من الزمن قارب العشرين سنة، كنت أفضله كنوع مضمون ومأمون لتدوين مقالاتي وقصصي القصيرة ومسرحياتي ورواياتي. لم أكن شخصاً واثقاً في التقنية الحديثة في حفظ إنتاجي الأدبي بالشكل المستديم، فكان حبي لإنتاجي الأدبي يرتقي إلى درجة الوسواس عليه خوفاً من ضياعه، كنت طامحاً إلى أن أخلّد إنتاجي، إلى أن يصل إلى درجة من الديمومة كالدرجة التي وصلت إليها النصوص المقدسة، فبالتالي لم تعشق أصابعي لمس أزرار لوحة المفاتيح ولم تعشق يدي وصل حاسوبي الشخصي بمقبس الطاقة، ولم أصل إلى مستوى من الغرم بماركات شركات اللاب توب كسوني وتوشيبا وأم آي سي، ولم أضع في جيوبي الحافظات الإلكترونية كـ Flash Memory أو أضع فوق مكتبي DVD، ولم أبلغ هوس تصفح إعلانات شركات الكمبيوتر كأبل وغيرها في مجلات التسويق التي أجدها في مكتبات رائدة كجرير وغيرها أو عند باعة أكشاك الصحف..
المسطحات البيضاء- ناصر الجاسم- المجلة العربية ~ القاص والروائي السعودي ناصر الجاسم
وبقيت مجافياً لهذا العلم، أو لهذه التقنية حتى تأخرت فيها قياساً إلى أترابي حتى وجدت نفسي في مواجهة حاسمة وموقعة لابد فيها أن أنازل هذه التقنية، وكان ذلك بسبب جيل الهواتف الذكية، فمنذ أن اشتريت أول هاتف ذكي تحركت أناملي على لوحة مفاتيحه كحركة مشعوذ؛ حركة سريعة أجادت تكوين الكلمات والجمل وصفّها في أنساق جميلة حتى بدوت من أشهر من يبث قصصه القصيرة جداً في فضاء الهواتف الذكية على مستوى وطنه كله، ودخلت في دراسة علمية أجراها الصديق الأديب د. عبد الرحمن المحسني في كتابه "خطاب SMS الإبداعي".. وبدأت رواية الورق الأبيض والحبر الأسود تضعف تدريجياً ولكنها لم تتلاشَ.
وكانت هذه المسطحات البيضاء تطلق خيالي إلى غابات من الأشجار الطويلة وإلى خشابين ينحتون تلك الجذوع السامقة، كان خيالي يتحرك باتجاه نشارة الخشب وباتجاه اصفرار الأخشاب وإلى أقلامي ذات الحبر الأسود، كنت أتشوق إلى نثر هذه الأوراق البيضاء على مكتبي كعرائس أتلمسها وأتشممها واستنشق بعمق رائحتها الورقية الخاصة..
ظللت ككاتب أسير هذا العشق ردحاً طويلاً من الزمن قارب العشرين سنة، كنت أفضله كنوع مضمون ومأمون لتدوين مقالاتي وقصصي القصيرة ومسرحياتي ورواياتي. لم أكن شخصاً واثقاً في التقنية الحديثة في حفظ إنتاجي الأدبي بالشكل المستديم، فكان حبي لإنتاجي الأدبي يرتقي إلى درجة الوسواس عليه خوفاً من ضياعه، كنت طامحاً إلى أن أخلّد إنتاجي، إلى أن يصل إلى درجة من الديمومة كالدرجة التي وصلت إليها النصوص المقدسة، فبالتالي لم تعشق أصابعي لمس أزرار لوحة المفاتيح ولم تعشق يدي وصل حاسوبي الشخصي بمقبس الطاقة، ولم أصل إلى مستوى من الغرم بماركات شركات اللاب توب كسوني وتوشيبا وأم آي سي، ولم أضع في جيوبي الحافظات الإلكترونية كـ Flash Memory أو أضع فوق مكتبي DVD، ولم أبلغ هوس تصفح إعلانات شركات الكمبيوتر كأبل وغيرها في مجلات التسويق التي أجدها في مكتبات رائدة كجرير وغيرها أو عند باعة أكشاك الصحف..
المسطحات البيضاء- ناصر الجاسم- المجلة العربية ~ القاص والروائي السعودي ناصر الجاسم
وبقيت مجافياً لهذا العلم، أو لهذه التقنية حتى تأخرت فيها قياساً إلى أترابي حتى وجدت نفسي في مواجهة حاسمة وموقعة لابد فيها أن أنازل هذه التقنية، وكان ذلك بسبب جيل الهواتف الذكية، فمنذ أن اشتريت أول هاتف ذكي تحركت أناملي على لوحة مفاتيحه كحركة مشعوذ؛ حركة سريعة أجادت تكوين الكلمات والجمل وصفّها في أنساق جميلة حتى بدوت من أشهر من يبث قصصه القصيرة جداً في فضاء الهواتف الذكية على مستوى وطنه كله، ودخلت في دراسة علمية أجراها الصديق الأديب د. عبد الرحمن المحسني في كتابه "خطاب SMS الإبداعي".. وبدأت رواية الورق الأبيض والحبر الأسود تضعف تدريجياً ولكنها لم تتلاشَ.